قصبة تادلة.. ندوة وطنية تبرز الأبعاد المتقاطعة للهجرة الدولية المغربية

أكد متدخلون خلال ندوة وطنية نظمت، السبت، على هامش مهرجان عبد السلام الرياضي والثقافي والفني لقصبة تادلة، أن الهجرة الدولية المغربية تشكل اليوم أحد أبرز الملفات الاستراتيجية التي تفرض نقاشا علميا عميقا حول أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.
وأبرز المشاركون في هذه الندوة، المنظمة تحت شعار “الهجرة الدولية المغربية والتنمية: الأبعاد المتقاطعة والتحديات المشتركة”، أن المغرب أصبح نموذجا مركبا ومتعدد الأبعاد في علاقته بالهجرة، باعتباره لم يعد فقط بلدا مصدرا، بل كذلك بلدا للعبور والاستقرار والاستقبال، خاصة بالنسبة للمهاجرين القادمين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
وأشاروا إلى أن الهجرة المغربية نحو الخارج برزت خلال العقود الأخيرة كقوة فاعلة في دعم التنمية، من خلال تحويلات مالية مهمة وتراكم رأسمال بشري وكفاءات علمية منتشرة في مختلف أنحاء العالم، فضلا عن الروابط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحافظ عليها الجالية المغربية مع وطنها الأم.
غير أن هذه الدينامية، يضيف المتدخلون، تطرح تحديات كبرى، من بينها هجرة الأدمغة وصعوبات الاندماج في بلدان الاستقبال، إلى جانب ضرورة تفعيل آليات الاستفادة من خبرات مغاربة العالم في مشاريع التنمية الوطنية.
واعتبروا أيضا أن المغرب بات وجهة مفضلة لعدد متزايد من المهاجرين وطالبي اللجوء القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء؛ وهو ما خلق واقعا جديدا يتطلب مقاربات شمولية قائمة الإدماج الاجتماعي والتعاون جنوب-جنوب، وكذا تقوية السياسات العمومية المرتبطة بالهجرة واللجوء وتعزيز التنسيق بين مختلف المتدخلين.
وفي هذا الإطار، سجل المشاركون أن من بين الدوافع الرئيسية التي تجعل من المغرب محطة استقرار للمهاجرين، موقعه الجغرافي الاستراتيجي كبوابة على أوروبا والمتوسط والمحيط الأطلسي، واستقراره الأمني الذي يجعله بلدا آمنا مقارنة بعدد من المناطق التي تعرف نزاعات.
كما تمت الإشارة إلى الدوافع الاقتصادية التي توفر فرصا للعمل، خاصة في قطاعات غير مهيكلة، إضافة إلى السياسات العمومية في مجال الهجرة واللجوء، وعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017 التي عززت مكانته كبلد استقبال واستقرار.
من جانب آخر، تطرقت مداخلات أخرى إلى واقع مغاربة العالم، مشيرة إلى أن الهجرة الدولية لم تعد مقتصرة على الذكور، بل شملت أيضا النساء والمهاجرين القاصرين، وهو ما يطرح تحديات جديدة على مستوى السياسات العمومية المرتبطة بالهجرة، خاصة ما يتعلق باستدامة تحويلات المهاجرين وتعزيز الارتباط بالوطن الأم.
وقد شدد المتدخلون على أن هذه التحولات تكرس دور الجامعة باعتبارها فاعلا محوريا في التنمية المجتمعية، وقاطرة للبحث العلمي والنقاش الأكاديمي الرصين، القادر على المساهمة في بلورة مقاربات جديدة لظاهرة الهجرة في تفاعل مع الجماعات الترابية والمصالح الخارجية.
وعرفت هذه الندوة، التي نظمها المجلس البلدي لقصبة تادلة، بشراكة مع جامعة السلطان مولاي سليمان، والمركز الدولي للدراسات والأبحاث في العمل الاجتماعي وقضايا المناخ والهجرة، مشاركة نخبة من الباحثين والخبراء والفاعلين المؤسساتيين والمدنيين، وشكلت مناسبة لتبادل الرؤى والخبرات والخروج بتوصيات عملية من شأنها المساهمة في بناء سياسات مندمجة للهجرة والتنمية.
يذكر أن مهرجان عبد السلام، المنظم بقصبة تادلة، يشكل موعدا سنويا يجمع بين الرياضة والثقافة والفن، ويتضمن برنامجا غنيا بالأنشطة الرياضية والعروض الفنية والندوات الفكرية، مما يجعله فضاء للتلاقي وتبادل الخبرات بين مختلف الفاعلين المحليين والوطنيين.