سياسة

“أم الوزارات”.. الداخلية تعود لواجهة صناعة الأحداث في المغرب

“أم الوزارات”.. الداخلية تعود لواجهة صناعة الأحداث في المغرب

تعززت مكانة وزارة الداخلية بشكل ملحوظ داخل المشهد السياسي المغربي خلال السنوات الأخيرة، بعدما باتت “أم الوزارات” متحكمة وحاضرة في مختلف البرامج والسياسات العمومية، إضافة إلى إسناد مهام جديدة إليها، بالنظر إلى مراهنة الدولة على نجاعة تدخلاتها وما تتوفر عليه من خبرة وإمكانيات مادية وبشرية مهمة.

وبينما يرى البعض أن إسناد عدد كبير من الأدوار إلى وزارة الداخلية دليل على كفاءتها والمصداقية والنجاعة التي تتسم بها تدخلاتها، يرى آخرون أن “تضخم” أدوار هذا الجهاز يضر بالمشهد السياسي ويساهم في تهميش المنتخبين مما يؤثر على الثقة والمشاركة السياسية.

وظهر جليا أن أدوار وزارة الداخلية باتت تفوق المهام التقليدية، وذلك بعدما أُسندت إليها  مهمة الإشراف على إحصاء القطيع الوطني في سياق تنزيل برنامج دعم الكسابة لإعادة تكوينه، وهي المهمة التي كانت تشرف عليها عادة وزارة الفلاحة والجمعيات المهنية، إضافة إلى إشرافها على ورش إعداد منظومة القوانين الانتخابية في وقت كان الورش ينطلق سابقا تحت إشراف رئاسة الحكومة.

إضافة إلى ذلك، وفور صدور التعليمات الملكية بإطلاق جيل جديد من برامج التنمية، بادرت وزارة الداخلية إلى عقد لقاء عمل موسع جمع عددا من أعضاء الحكومة بالولاة والعمال، خُصّص لتدارس سبل التنزيل العملي لهذا الورش الملكي الطموح، ما يؤكد حضور الوزارة ضمن الإعداد للبرامج إلى جانب إشرافها المنتظر على التنزيل.

وتحضر وزارة الداخلية بقوة في مختلف البرامج والأوراش التنموية التي يباشرها المغرب، مع استحضار دورها الكبير في تنزيل ورش الحماية الاجتماعية من خلال إعداد السجل الاجتماعي الموحد والسجل الوطني للسكان، إلى جانب بروز أدوارها الكبيرة خلال الأزمات التي تواجه البلاد ومنها زلزال الحوز وجائحة كورونا، دون إغفال حضورها الفعال في تدبير الاحتجاجات والمطالب الاجتماعية إذ بات العمال والولاة المخاطب الأول والمفاوض لمختلف الفئات الاجتماعية.

في هذا السياق، يرى عبد الحفيظ يونسي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، في تصريح لجريدة “مدار21″، أن “وزارة الداخلية لم تغب يوما عن المشهد، بل ظلت حاضرة في تدبير ملفات عديدة وبرز دورها المحوري في محطة كورونا وايضاً في ملف الحماية الاجتماعية وتدبير الاحتجاجات “.

وأشار يونسي إلى أن “هذا الدور المحوري والمتجدد تسنده ثلاث محددات، أولها يتمثل في الحضور الترابي القريب والقوي من الساكنة والمؤسسات ، والثاني متعلق بالتجربة التاريخية والتراكم الحاصل في تدبير الملفات الأمنية والسياسية والتنموية ، أما الثالث فيهم السند الدستوري والقانوني حيث يتم تعزيز دورها في كل منعطف مفصلي في تاريخ المغرب، مثلا المراقبة الإدارية في الدستور وكيفية ترجمتها في القانون التنظيمي وتعزيزها في مرسوم اللاتمركز”.

وأردف يونسي أنه “عمليا اختصاصات وزارة الداخلية ورجال السلطة متنوعة وعديدة ومنها العلاقة مع المجالس المنتخبة”، مسترسسلا “الحقيقة أنه بالنظر للتطورات الأخيرة فإن مبدأ التدبير الحر على المحك ومهدد بإفراغه من مضمونه المرتبط بالديمقراطية التمثيلية وبالاختصاصات الموكولة للجماعات الترابية وايضاً الموارد المالية المخصصة لها، وأيضا يفقد المنتخبين من شرعية مهمة هي شرعية الإنجاز.

ومن جهة أخرى، يرى المحلل السياسي محمد شقير، في حديث لجريدة “مدار21″، أن “وزارة الداخلية من بين مؤسسات الحكم المركزية في النظام المخزني، حيث كان الصدر الأعظم هو الشخصية المحورية التي تدبر الشؤون الداخلية بعد السلطان بل وتهيئ قرارته السياسية”.

واسترسل شقير أنه “حتى بعد الحماية بقيت هذه السلطة متمركزة في مديرية الشؤون الداخلية تحت إشراف المقيم العام بعدما تم تجهيزها بمختلف الوسائل البشرية واللوجستيكية، دون التخلي على إدارة ترابية اقليمية تتمثل بالإضافة إلى حكام الأقاليم وضباط الشؤون الأهلية في كبار القواد والباشوات وما تحت سلطتهم من شيوخ ومقدمين الذين كانوا يرفعون تقاريرهم اليومية إلى سلطات الحماية المركزية”.

وأضاف المتحدث أنه “بُعيد الاستقلال اعتمد الملك الحسن الثاني في تدبير حكمه وتنفيذ سياسته الداخلية على وزراء داخليته من الجنرال الفقير إلى إدريس البصري الذي ألحق بالوزارة بالإضافة إلى اختصاصاتها التقليدية قطاعات أخرى كالإعلام والسكن بالإضافة إلى الإشراف على تدبير الانتخابات والتحكم في الخريطة السياسية ومكانة المنظومة الحزبية والنقابية والجمعيات الحقوقية والأطياف الجمعوية والثقافية حتى نُعتت بأم الوزارات”.

 وأردف شقير أنه “بعد فترة من تراجع قبضة الداخلية بعد عزل وزير الداخلية إدريس البصري بتولي الملك محمد السادس الحكم وإعادة هيكلة هذه الوزارة استرجعت الوزارة كل اختصاصاتها التقليدية بما في ذلك الإشراف على إعداد وسير الانتخابات باستثناء فترة إشراف رئيس الحكومة التي لم تدم طويلا”.

 وأضاف أن هذا الدور “تكرس من خلال خطاب العرش الأخير الذي كلف وزير الداخلية بشكل علني ومباشر بإعداد مدونة الانتخابات والإشراف على انتخابات 2026، وقبل ذلك إسناد مهمة الإشراف على الحفاظ على القطيع الوطني لوزير الداخلية بعد نزع هذا الاختصاص من وزير الفلاحة”.

واستحضر المتحدث نفسه الدورالذي تلعبه وزارة الداخلية على مستوى تنزيل المبادرة الملكية للتنمية البشرية، إضافة إلى إشراف الوزارة على مراقبة كل القطاعات وتنزيل المشاريع، لأنها تبقى الوحيدة التي تمتلك القدرات البشرية واللوجستيكية لتنفيذ ذلك نظرا لتغطيتها لكل التراب الوطني  كما أن الولاة والعمال الذين يعينون من طرف الملك هم ممثلو سلطته في مختلف الأقاليم ولهم سلطة الوصاية على المسؤولين المحليين والجهويين المنتخبين، إذ بإمكانهم  طلب عزلهم رغم انتخابهم شعبيا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News