دي ميستورا: فكرت أكثر من مرة في عدم مواصلة مهامي وهذا ردي على الانتقادات

أقر المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، بأن فكرة عدم مواصلة مهماته الأممية راودته أكثر من مرة خلال مسيرته الطويلة داخل الأمم المتحدة، والتي امتدت على مدى واحد وخمسين عامًا، وقال “كم مرة سألت نفسي: لماذا أواصل؟ لكن في النهاية، رأيت الفائدة.. كنت أود أن أصبح طبيبًا، والطبيب لا يترك مريضه أبدًا، فالمريض يحتاج إلى أمل، إلى إشارات بأن العلاج ممكن، وأن حياته تستحق أن تستمر.. هذا هو دور الأمم المتحدة”.
دي ميستورا أشار في حوار مصور مع المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، إلى أن عمله الحالي يرتبط مباشرة بتفادي صراع محتمل بين المغرب والجزائر، لافتا إلى أنه لا يستطيع الخوض في تفاصيل الملف نظرًا لانخراطه المباشر فيه، مؤكدًا في المقابل أن طبيعة مهامه تفرض الحياد والبحث عن حلول تحول دون الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة بين الطرفين.
المبعوث الأممي بالصحراء المغربية، أوضح أنه نصف سويدي ونصف إيطالي، لكنه يعتبر أن هويته الحقيقية هي “هوية الأممي”، فمنذ أن انضم إلى الأمم المتحدة وهو في الثالثة والعشرين من عمره، اختار أن يكون “رجل إطفاء دوليًا” أو “طبيب الأمم” في مناطق النزاع، تسعون بالمئة من مهامه، كما قال، كانت قرارات شخصية للتدخل في بؤر ملتهبة مثل سوريا وأفغانستان ولبنان، قبل أن يصبح مبعوثًا خاصًا في ملفات شديدة التعقيد.
دي ميستورا توقف عند طبيعة المنصب الذي يحمله، معتبرًا أن “المبعوث الخاص” هو أجمل موقع يمكن أن تقدمه الأمم المتحدة، لأنه يمثّل الأمين العام ومبادئ المنظمة في آن واحد، مبرزا من جهة أخرى أن دوره يتجاوز مجرد التوثيق أو إضفاء الشرعية، إذ يقوم أساسًا على التيسير والإبداع في صناعة حلول غير متوقعة قد تفتح الطريق أمام “معجزات صغيرة” في مسارات السلام.
ومن بين التجارب التي استحضرها، تحدث دي ميستورا عن “عملية سان برناردو” في إثيوبيا خلال مجاعة الثمانينات، حيث تمكنت الأمم المتحدة من إقناع خصمين استراتيجيين هما الناتو وحلف وارسو، بأن يقصفا معًا — لكن بالغذاء بدل القنابل، معتبرا أن هذه اللحظة كانت تجسيدًا حقيقيًا لقدرة المنظمة على تحويل المستحيل إلى ممكن، قبل سقوط جدار برلين بخمس سنوات.
وبخصوص الانتقادات التي تواجه الأمم المتحدة اليوم، قال دي ميستورا إن المنظمة ليست فقط مجلس الأمن حيث الفيتو يعطل القرارات، بل هي أيضًا فكرة ومبدأ وأذرع إنسانية لا بديل لها مثل اليونيسف، برنامج الأغذية العالمي، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، مؤكدا أن الأزمات المعاصرة، من الجائحة إلى المناخ والنزاعات المركبة، تبرز الحاجة المستمرة إلى منصة جامعة كالمنظمة الأممية
وختم المبعوث الأممي بالتشديد على أن الأمم المتحدة، رغم عيوبها، تظل الإطار الوحيد القادر على تجنيب العالم الانزلاق إلى الفوضى، وأن المطلوب هو إصلاح وتجديد آلياتها، خاصة ما يتعلق بحق الفيتو داخل مجلس الأمن. وقال: “إذا لم تكن الأمم المتحدة موجودة، فمن سيملأ هذا الفراغ؟”.