إعلام عمومي بملايير الدراهم عاجز أمام مقال في صحيفة فرنسية!

عجيب أمر المشهد الإعلامي المغربي. ملايين الدراهم تُصرف سنوياً دعماً مباشراً وغير مباشر لمئات المؤسسات الإعلامية، ومسؤولو القطب العمومي يتقاضون رواتب فلكية.
ومع كل هذا السخاء العمومي، يكفي مقال مخدوم ومنحاز في جريدة لوموند الفرنسية ليدخل الإعلام الرسمي صمت القبور وكأن المعني غير المغرب ورموزه.
وإذا كانت هذه المنظومة الإعلامية التي نغدق عليها المال العام عاجزة عن بناء مناعة قوية للرأي العام داخلياً وخارجياً، فما جدوى وجودها أصلاً؟
أين هي قنواتنا التي طالما قُدمت على أنها “الدرع الإعلامي” للدولة في الخارج؟ لماذا غابت في لحظة كانت تحتاجها البلاد أكثر من أي وقت مضى؟ هل رسالتها محصورة في إعادة تدوير الأخبار الرسمية.
المفارقة أن الإعلام الذي يفترض أن يكون أداة سيادة ووسيلة دفاع استراتيجية، تحول إلى جهاز بيروقراطي بارد، يستهلك المال العام بلا محاسبة، ويكتفي بمتابعة الأحداث بدلاً من صناعتها. والنتيجة: كلما نشر مقال هنا أو هناك في صحيفة أجنبية، وجدنا أنفسنا عراة إعلامياً، نلهث وراء التوضيحات، بينما الآخرون يصنعون السردية التي تناسبهم.
إن المناعة الإعلامية لأي دولة لا تقل أهمية عن المناعة الاقتصادية أو العسكرية، المغرب، برغم حضوره التاريخي والجغرافي، ما زال يعاني من ضعف واضح في جبهته الإعلامية الخارجية.
هذا الفراغ يجعل الساحة مفتوحة لكل من هبّ ودبّ كي يتجرأ على صورتنا، ويصوغ رواياته الخاصة عن قضايا تهمّنا نحن أولاً.
القوة الناعمة اليوم تُبنى بالمنصات، باللغات، وبشبكات إعلامية مؤثرة قادرة على حماية المصلحة الوطنية، وتقديم روايتنا نحن، لا رواية الآخرين.
إذا لم نستثمر في إعلام دولي قوي، محترف، ومؤثر، سنظل نتلقى الضربات، ونتفاجأ كل مرة بخطاب خارجي يصنع صورة المغرب كما يشاء، لا كما هو في الحقيقة.
في نهاية المطاف، الإعلام ليس ترفاً… بل ركيزة سيادة، والاستثمار في التفاهة نؤدي ثمنه في المنعطفات.