“معركة” أستاذ لانتزاع حق تغيير المهنة تصل إلى محكمة النقض

لم تضع معركة رجل تعليم ضد قرار المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بفاس، حرمانه من اجتياز مباراة تغيير المهنة، أوزارها بعد. فبعدما انتصرت المحكمة الإدارية بالمدينة ذاتها للمدعي مُلغية القرار، أعادت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط الملف إلى خانة البداية، ملغية حكم سالفتها؛ ليصل الملف إلى محكمة النقض، والتي يَنتظر منها الأستاذ أن تنصفه ضد ما وصفه بمغالطات شابت القرار الاستئنافي.
وكانت صحيفة “مدار 21” نشرت خبراً عن إلغاء المحكمة الإدارية بفاس قراراً للمديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بالمدينة ذاتها، قضى بعدم الترخيص لرجل تعليم باجتياز مباراة لتغيير المهنة، معتبرة أنه لا يحق للإدارة منع الموظفين من تغيير الإطار وتطوير وضعيتهم الاجتماعية.
غير أن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط أعادت الملف إلى نقطة الصفر، حيث قررت إلغاء الحكم المستأنف مبررة قرارها بأنه بالإطلاع على وثائق الملف ومستنداته ولا سيما القرار المطعون فيه، “يتبين أن الجهة مصدرة القرار قد عللت رفضها لطلب الترخيص للطاعن باجتياز مباراة المعهد الملكي للإدارة الترابية انطلاقا من التعليل المضمن بصلب القرار موضوع الطعن بالإلغاء والمعتمد بشكل صريح على الحاجة الماسة للمؤسسة لخدمات الطاعن لكونه من جهة لا يوجد في وضعية فائض، ومن جهة أخرى أنه يؤمن الزمن المدرسي لما مجموعه 223 تلميذ وتلميذة من مادة اللغة الإنجليزية بعدما أسندت إليه إدارة المؤسسة خلال السنة الدراسية 2022/2021 تدريس أربع أقسام لمستوى جذع مشترك علوم وقسمان لمستوى أولى باك آداب وعلوم إنسانية”.
وأضافت أنه “… وبالتالي لا مجال لمواجهة الجهة المطلوبة في الطعن بخرق مقتضيات الفصل 31 من الدستور ما دام رفض الترخيص للطاعن باجتياز المباراة قد فرضته المصلحة العامة والمتمثلة في تمكين مجموعة من التلاميذ من دراسة اللغة الإنجليزية وفق ما تم بيانه أعلاه، فضلا على أن التقسيم الإداري والتربوي هو من اختصاص المديريات لتصريف الزمن المدرسي”.
وخلصت إلى أنه “من جهة أخرى وبغض النظر عن التحليل القانوني لمقتضيات الفصل 31 من الدستور، فإن هذا الحق الشخصي ليس حقا مطلقا، وإنما هو مقيد بالمصلحة العامة ما دام الموظف بشكل عام هو في علاقة نظامية مع الإدارة وليس تعاقدية، وبالتالي فإن تدبير وضعيته الإدارية تخضع لضابط المصلحة العامة”.
وحيث في نازلة الحال، فالجهة المستأنفة أوضحت بتفصيل الوضعية التربوية للمؤسسة التي يدرس بها المستأنف عليه تعرف خصاصا في تدريس مادة اللغة الإنجليزية، وحيث إنه تبعا لذلك، يكون القرار المطعون فيه مشروعا والحكم المستأنف لما قضى بإلغائه جاء مجانبا للصواب ويتعين إلغاؤه وتصديا رفض الطلب.
بيد أن الأستاذ المعني قرر عدم الرضوخ للأمر الواقع والمضي بملفه إلى محكمة النقض؛ معتبراً أن قضيته لم تعد قضية شخصية بل قضية رأي عام تهم عموم الأساتذة والموظفين وحقهم في تغيير المهنة والإطار وتطوير ظروفهم الاجتماعية؛ وفق ما أكده لصحيفة “مدار 21”.
وتقدم الأستاذ منذ سنة بعريضة النقض، غير أن الملف ما يزال مجمداً دون تحديد موعد للبت فيه؛ حيث جاء في العريضة أنه “وحيث ينعى الطاعن ما ذهبت إليه المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه في تعليلها من إفرغ للفصل 31 من الدستور من محتواه لما اعتبر أنه لا مجال لمواجهة المطلوبة في النقض بخرق هذا الفصل. ذلك أن المشرع لما عمل على دسترة أحقية المواطنين والمواطنات في الاستفادة على قدم المساواة من الولوج إلى الوظائف العمومية حسب الاستحقاق، وألقى بمسؤولية ذلك على عاتق الدولة، فإنه لم يورد على سبل هذه الاستفادة المكرسة بمقتضى الفصل المذكور أي استثناء .
وأضافت “وحيث إنه تبعا لذلك فإن حرمان الطاعن من الاستنجاد بمقتضيات الفصل 31 من الدستور كأسمى تشريع فيه إجحاف لحقوقه. على اعتبار أن الإدارة تتحمل مسؤولية تدبير الشأن الإداري بما لها من وسائل بعيدا عن حق الطاعن في الاستفادة من أحكام الدستور” .
وتابع “ومن جهة أخرى فإن غل يد الطاعن وتكبيله من أجل الإبقاء عليه في مهنة لم يعد يرغب فيها، إجحاف في حق 223 تلميذ وتلميذة بحيث أن التدريس مهمة قوامها شغف المدرس بما يقدمه من خدمات، وأن إعلانه رغبته في الانصراف عن هذه المهام منبئ بانتهاء هذا الشغف مما يتعين تيسير سبيل المغادرة لا الإبقاء عليه قسرا في حجرة الدراسة” .
كما ينعى الطالب فساد التعليل الذي اعتمدته المحكمة المطعون في قرارها من حيث أنه أساء فهم مفهوم المصلحة العامة، انطلاقا من كون الطاعن يرتبط مع الإدارة بعلاقة نظامية وليس تعاقدية، وذلك لما اعتبر أن الاستفادة من الحقوق التي كفلها الفصل 31 من الدستور مقيد بهذا المفهوم .
وجاء في العريضة أن المصلحة العامة لا يمكن أن تناقض فكرة المساواة أمام القانون بمفهوم الفصل 31 من الدستور، وتقوض بالتالي من أحد أهم الحقوق الكونية المرتبطة بالحق في العمل انطلاقا مما ينص عليه الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 .