بوريطة يكشف أجندة المغرب الدبلوماسية بإفريقيا وأدوات صياغة التوازن الجيو-إفريقي

أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، أن القارة الإفريقية أولوية استراتيجية ثابتة في الرؤية الملكية للسياسة الخارجية المغربية، انطلاقا من “إيمان الملك محمد السادس، بأن تعزيز سبل التنسيق والتعاون بين دول القارة يشكل رافعة مهمة لتحقيق التكامل والأمن والتنمية، ودعوة الملك إلى بروز إفريقيا مؤمنة بقدرتها عل التحكم في مصيرها ورسم مستقبلها الواعد”.
وعدّد بوريطة، في جوابه عن سؤال كتابي للمستشارين خالد السطي ولبنى العلوي، عن نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، مجموعة من المبادرات المغربية التي تعكس الأولوية الاستراتيجية التي يخص بها الملك القارة السمراء على رأسها مبادرة الدول الإفريقية المتوسطية التي تسعى إلى تحويل الواجهة الأطلسية إلى فضاء للتكامل، إلى جانب مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي، والمبادرة الملكية لتمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي.
وأشار أيضا إلى سياسة التعاون جنوب – جنوب، التي تعتمدها وزارة الشؤون الخارجية، والتي شملت مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأسهمت في تعزيز إشعاع المغرب، مؤكدا أن المغرب، وفق هذه المقاربة، أصبح شريكا موثوقا في القارة بفضل استثماراته الواسعة في قطاعات البنية التحتية، والصحة، والتعليم، والفلاحة، والتي أنجزت وفق رؤية تنموية شاملة.
واستعرض الجواب الكتابي، الذي اطلعت جريدة “مدار21” على نظير منه، الزخم الدبلوماسي خلال سنة 2024 والنصف الأول من 2025، من خلال لقاءات ثنائية ومتعددة الأطراف، إلى جانب عقد لجان مشتركة مع عدة دول إفريقية، نتج عنها إبرام اتفاقيات مهمة.
وذكر تعزيز الحضور الدبلوماسي المغربي في إفريقيا عبر فتح سفارات وبعثات جديدة، إضافة إلى فتح عدة دول سفاراتها وقنصلياتها بالمغرب، بعد قيام كينيا ومالاوي بفتح سفارتيها بالرباط، فضلا عن افتتاح جمهورية تشاد قنصلية عامة لها بمدينة الداخلة، ليبلغ عدد القنصليات المفتوحة بالداخلة والعيون 30 قنصلية.
ولفت الوزير إلى أن المغرب داخل الاتحاد الإفريقي، نهج سياسة براغماتية وواقعية لتعزيز الأجندة الإفريقية في قضايا الأمن والتنمية، ومؤكدا محورية قضية الوحدة الترابية في علاقات المغرب مع دول القارة.
وتناول الجواب الكتابي السياسة المندمجة والمنسجمة التي تنهجها المملكة في مجالات التعاون والاندماج الاقتصادي في إفريقيا، مبرزا انخراط المغرب بشكل جدي في مسلسل الإصلاح الذي يعرفه الاتحاد الإفريقي عبر تقدم اقتراحات بنيوية، والعمل عل تبنيها وتنفيذها من طرف المنظمة، خاصة ما يتعلق بالإسراع بتفعيل منطقة التبادل الحر الإفريقية.
وسلط المسؤول الحكومي الضوء أيضا على دعم المغرب للمشاريع الزراعية والأمن الغذائي، من خلال توفير الخبرة التقنية وتدريب الفلاحين في عدد من الدول الإفريقية، زيادة على توسيع البنوك المغربية حضورها في إفريقيا لتعزيز الشمول المالي ودعم المشاريع الصغرى والمتوسطة.
وعلى المستوى الأمني، أبرز وزير الخارجية المغربي أنه يشكل أحد محاور السياسة المغربية داخل الاتحاد الإفريقي، إذ عدة مبادرات لتعزز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، خاصة في منطقة الساحل والصحراء، التي تشهد تحديات أمنية معقدة، مشيرا إلى أن المملكة تعمل على تكوين الأئمة الأفارقة في معهد محد السادس لتكوين الأمة والمرشدين، بهدف نشر قيم الاعتدال ومحاربة الفكر المتطرف.
وذكّر المصدر ذاته بحرص المغرب على إيلاء اهتمام كبيرا بالقضايا الاجتماعية والإنسانية ضمن مساهمتها في الاندماج القاري، موضحا أن “هذا الاهتمام تجلت مظاهره من خلال الدور الريادي للملك على مستوى القارة في مجال الهجرة، وتبني المملكة لعدد من المبادرات والتي كان آخرها استضافة المملكة في أبريل 2024 لفعاليات المؤتمر الجهوي لمنطقة الشمال حول الهجرة الذي سعى إلى مناقشة سبل التعامل مع قضايا الهجرة وتأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية واستعراض التجارب والحلول الممكنة لتحصين أوضاع المهاجرين”.
وفي الجانب المرتبط بالانشغالات البيئية، أكد أن المغرب “عبر في أكثر من مناسبة على التزامه بالترويج لحلول إفريقية من خلال إطلاق مبادرات مهيكلة مثل مبادرة تكييف الفلاحة الإفريقية مع التغيرات المناخية والمبادرة من أجل الأمن والاستقرار والاستدامة، التي تترجم مقاربة مميزة تجمع بين الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي والاستدامة البيئية”.
وشدد ناصر بوريطة على أن المغرب، انطلاقا من حرصه عل ضمان الأمن الصحي للمواطن الإفريقي، واصل مشاركته وانخراطه في مختلف المبادرات الرامية إلى جعل إفريقيا قادرة على مواجهة مختلف التحديات والرهانات في سياق دولي وإقليمي معقد وغير مستقر، من هنا جاء اختيار المغرب لاحتضان المؤتمر الرابع للصحة العمومية.
وأكد الوزير، في سياق الدور الفعال الذي يلعبه المغرب في مختلف الأجهزة على المستوى القاري، أن رئاسة المغرب لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي لشهر مارس الماضي شكلت مناسبة لتجديد تأكد الالتزام الراسخ للمملكة لصالح السلم والاستقرار بإفريقيا، مشيرا إلى عقد مجلس السلم والأمن، تحت الرئاسة المغربية، مشاورات مهمة غير رسمية مع البلدان التي تمر بمرحلة انتقال سياسي (مالي، بوركينا فاسو، النيجر، غينيا، السودان، الغابون)، واجتماعات لبحث الوضع الأمني بالسودان وجنوب السودان.