تصعيد جديد بين الجزائر وفرنسا.. أزمة التأشيرات تفضح عمق التوترات

في مؤشر جديد على التدهور المتواصل في العلاقات الفرنسية الجزائرية، دخلت الأزمة الدبلوماسية بين البلدين مرحلة جديدة من التصعيد، عنوانها هذه المرة تعليق متبادل لاتفاقيات الإعفاء من التأشيرات، وتبادل للاتهامات بشأن انتهاك الالتزامات الثنائية والدولية.
الشرارة الأولى جاءت من باريس، إذ وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حكومته، الأربعاء، إلى التعامل بـ”مزيد من الحزم والتصميم” مع ما وصفه بـ”الانتهاكات” التي يتعرض لها مواطنون فرنسيون في الجزائر، وعلى رأسهم الكاتب بوعلام صنصال والصحفي كريستوف غليز، المحكوم عليهما بالسجن لمدد تتراوح بين خمس وسبع سنوات.
وفي رسالة رسمية نشرتها صحيفة لوفيغارو، شدد ماكرون على أن فرنسا “يجب أن تكون قوية وتحظى بالاحترام”، مطالبًا باتخاذ خطوات ملموسة، أبرزها تعليق العمل باتفاقية 2013 الخاصة بالإعفاء من التأشيرات لحاملي الجوازات الرسمية والدبلوماسية.
هذه الخطوة الفرنسية، التي جاءت ردًا على قرار الجزائر سحب اعتماد عدد من الدبلوماسيين الفرنسيين في وقت سابق، اعتبرها عبد العالي سرحان، الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، “قرارا من فرنسا للمرور لمرحلة جديدة من دبلوماسية المواجهة”.
وأشار إلى أن رسالة ماكرون تكشف تحولا نوعيًا في طريقة تعامل باريس مع الجزائر، تنبني على “فرض قواعد جديدة للندية والاحترام المتبادل”، بعد سنوات من محاولات التهدئة. وأوضح أن الخطاب الرسمي الفرنسي بات أقل مواربة، وأكثر صراحة في التعبير عن انزعاجه من الخطوات الجزائرية، خصوصا تلك التي تطال مواطنين مزدوجي الجنسية.
وأضاف سرحان، في تصريح مقتضب لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن توظيف حالتي صنصال وغليز لا يخلو من بعد رمزي وإنساني، لكنه في العمق يمثل محاولة للضغط السياسي عبر قضايا رأي عام، ما قد يؤدي إلى مزيد من التأزيم. وأبرز أن باريس توجه رسائل مزدوجة، للداخل الفرنسي أولًا وللجزائر ثانيًا، في وقت تتزايد فيه الانتقادات للأداء الخارجي للحكومة الفرنسية، خاصة في شمال إفريقيا.
ووفق المتحدث ذاته، فإن تعليق العمل باتفاقية 2013 يندرج ضمن سياسة “عقوبات دبلوماسية ناعمة” موجهة لدوائر السلطة الجزائرية التي لطالما استفادت من امتيازات خاصة في التعامل مع فرنسا. كما أن هذا القرار يعكس تدهورًا في الثقة بين البلدين، ويؤشر على انسداد قنوات الحوار التقليدية، ما يجعل من التهدئة خيارًا معقدًا في المرحلة الراهنة.
وخلص الباحث في العلاقات الدولية بأن ما يجري “ليس وليد اللحظة”، بل نتيجة لتراكمات تاريخية وسياسية عميقة، معتبرا أن باريس تخلّت عن دبلوماسية الصبر لصالح نهج أكثر صدامية، في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيواستراتيجية متسارعة، مع دخول فاعلين دوليين جدد إلى المعادلة، مثل الصين وروسيا وتركيا.
في المقابل، لم تتأخر الجزائر في الرد، إذ أعلنت وزارة الخارجية، صباح اليوم الخميس، وقف العمل رسميًا باتفاقية الإعفاء من التأشيرة مع فرنسا، مؤكدة أن باريس تتحمل كامل المسؤولية في تدهور العلاقات. واعتبرت الجزائر، في بيان رسمي، أن رسالة ماكرون “تبرّئ فرنسا بشكل تام من مسؤولياتها، وتُلقي باللوم على الطرف الجزائري”، واصفة هذا الخطاب بأنه “منفصل عن الواقع”.
وأشارت الخارجية الجزائرية إلى أن فرنسا “هي التي انتهكت تشريعاتها الوطنية والتزاماتها الدولية”، في إشارة إلى ما اعتبرته خروقات تمس اتفاقيات ثنائية موقعة بين البلدين، من بينها اتفاق 1968 بشأن حرية تنقل الجزائريين، واتفاق 1974 القنصلي، فضلًا عن اتفاق 2013 الذي تم تعليقه.
وذهبت الجزائر أبعد من ذلك، حين اتهمت فرنسا بانتهاك اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية لسنة 1950، من خلال “طرد تعسفي” لمواطنين جزائريين، وحرمانهم من الطعن القضائي والإداري، وتقويض الحماية القنصلية.