خبراء دوليون يشيدون بجرأة التقييم ووضوح الرؤية في خطاب العرش

في الذكرى السادسة والعشرين لاعتلائه عرش أسلافه المنعمين، ألقى الملك محمد السادس خطابا وصفه خبراء ومحللون دوليون بـ”العلامة الفارقة” في مسار التحول المغربي.
خطاب اختزل رؤيته الواضحة لمستقبل مغرب صاعد، يقف اليوم على عتبة مرحلة جديدة من التحديث الشامل، والتنمية المتوازنة، والتأثير الإقليمي والدولي.
وتوقفت شخصيات وازنة في مجالات السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية عند دلالات هذا الخطاب، الذي لم يقتصر على استعراض المنجزات، بل قدم أيضا تقييما صريحا للتحديات، مع تأكيد العزم على إطلاق جيل جديد من الإصلاحات المرتكزة على العدالة المجالية والتنمية المتكاملة.
رؤية واضحة لمسار مغرب صاعد
أكد أندرو روزمارين، الخبير القانوني الدولي، أن الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس، مساء الثلاثاء، إلى الأمة بمناسبة عيد العرش، يرسم رؤية واضحة لمسار مغرب صاعد على المستويات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية.
وأوضح روزمارين، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الملك محمد السادس طبع احتفالات ذكرى اعتلائه عرش أسلافه المنعمين بإلقاء خطاب حول حالة المملكة، رسم من خلاله رؤية واضحة لمسار مغرب صاعد، على المستوى الاقتصادي والسياسي والسياسة الخارجية.
وتوقف الخبير القانوني البريطاني بشكل خاص عند تركيز الخطاب الملكي على المنجزات التي حققها المغرب في مجال التنمية الاقتصادية والبشرية من أجل تحقيق العدالة المجالية، وكذا على الرهانات التي تستعد المملكة لرفعها من أجل توطيد مسيرته التنموية.
وأكد روزمارين أن “عهد الملك يتميز بإرادة شخصية من جلالته لترسيخ التنمية الاقتصادية من أجل رفاه كافة أفراد شعبه”، مشيدا بالمكتسبات التي حققها بالفعل الاقتصاد المغربي، وبالإرادة الراسخة التي عبر عنها الملك من أجل تحقيق تنمية اقتصادية وبشرية واجتماعية مندمجة في المملكة.
وفي هذا السياق، ذك ر الخبير القانوني بالتقدم الكبير الذي أحرزته المملكة، تحت القيادة المستنيرة للملك، لاسيما في مجالات تقوية البنيات التحتية، وفي القطاعات الاستراتيجية المرتبطة بالطاقة والصناعة والسياحة.
وقال إن “الملك أشار بوضوح في خطابه إلى مشاريع استراتيجية، لاسيما خط القطار فائق السرعة الذي يربط بين القنيطرة ومراكش”، مؤكدا أن “المغرب يحق له أن يفخر بذلك”. وأضاف أن “شبكة السكك الحديدية المغربية طموحة، وستسهم في تحقيق إنتاجية أكبر لخدمة الساكنة”.
وعلى المستوى السياسي، يضيف المتحدث، أن “الديمقراطية المغربية تتميز بمزيجها الناجح بين انتخابات حرة ونزيهة وتعدد حزبي واسع، مما يعزز الاستقرار في ظل القوة الموحدة للمؤسسة الملكية”.
ولدى حديثه عن الدعم الدولي المتنامي لمخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، باعتباره الحل الوحيد والجاد للنزاع الإقليمي حول الوحدة الترابية للمملكة، عبر روزمارين عن ارتياحه لقرار المملكة المتحدة دعم هذا المخطط الذي تقدم به المغرب سنة 2007، لتنضم بذلك إلى القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا.
وأكد الخبير القانوني أن قرار الحكومة البريطانية سيسهم في تعزيز العلاقات بين المغرب والمملكة المتحدة، مبرزا أن المبادلات التجارية بين البلدين ما فتئت تتطور.
ولفت إلى أن زخم الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه ستتعزز، لأن “دينامية التاريخ مع المغرب”.
تأكيد لمكانة المغرب كفاعل في تحقيق الاستقرار بالمنطقة
من جانبه، أشار وزير الشؤون الخارجية الأسبق لجمهورية الرأس الأخضر، لويس فيليب تافاريس، إلى أن خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتربعه على عرش أسلافه الميامين، يعكس المكانة المرموقة للمملكة المغربية كفاعل في تحقيق الاستقرار بالمنطقة المغاربية وإفريقيا.
وأبرز تافاريس، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الدور الذي يضطلع به المغرب كفاعل في استقرار المنطقة المغاربية وإفريقيا يجعل منه شريكا موثوقا بالنسبة للدول الإفريقية وأوروبا والعالم العربي، وغيرها من الأقطار.
وأضاف تافاريس: “خلال هذه المرحلة التي تشهد تحولات جيو-سياسية كبرى، يبرز المغرب أمام العالم كدولة صاعدة وحديثة بفضل القيادة المتبصرة” للملك. علاوة على ذلك، أشار رئيس دبلوماسية الرأس الأخضر سابقا إلى أن الخطاب الملكي قدم رؤية واضحة للحاضر وقراءة جريئة للتحديات التي يتعين على المملكة رفعها في مسعاها لتحقيق تنمية مندمجة وتكريس مبدأ العدالة الترابية.
وفي هذا الصدد، أشار إلى أن الملك سلط الضوء على التقدم الاقتصادي الذي أحرزته المملكة، لا سيما في إطار النموذج التنموي الجديد، دون إغفال الفوارق القائمة، لا سيما في المناطق القروية.
وأكد تافاريس أن وضوح هذا التقييم يكشف عن عزم جلالته الراسخ على معالجة هذه التفاوتات بواسطة جيل جديد من برامج التنمية الترابية لتحقيق العدالة المجالية والترابية وتعزيز الإدماج المنتج.
وخلص إلى أن الخطاب الملكي سيظل محطة هامة، ليس فقط للحمولة الرمزية التي تجسدها هذه المناسبة، بل ولما يحمله أيضا من رسائل قوية.
نفس جديد في دينامية التنمية وتحديث المغرب الصاعد
أكد الخبير السياسي الفرنسي-السويسري، جان ماري هيدت، أن الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الـ26 لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين، يضفي نفسا جديدا في الدينامية الحميدة التي يشهدها مسار التنمية وتحديث المغرب الصاعد.
وأوضح هيدت، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن “الخطاب الملكي يعبر مرة أخرى، وبشكل واضح للغاية، عن هذا النفس الجديد الذي من شأنه أن يمكن المغرب الصاعد من مواصلة مسار تحديثه، بما يوطد المكانة التي اكتسبها كبلد فاعل بشكل كامل داخل المنتظم الدولي.
وأكد أن الملك، “وفاء لرغبته في إيلاء عناية خاصة للبعد الإنساني الذي يجب أن يكون في صميم كل المشاريع”، فقد رسم خارطة طريق اقتصادية واجتماعية جديدة لضمان التنمية المندمجة لكافة جهات المملكة، تأخذ بعين الاعتبار التحولات الديمغرافية والاجتماعية والمجالية.
من جهة أخرى، أبرز هيدت الطابع الإرادي العميق لدعوة الملك للسلام والأمل، بما يحمله من دلالات سياسية وإنسانية قوية، من أجل بناء فضاء مغاربي تسوده الأخوة مع الجارة الجزائر.
وقال إن “الملك شدد على ضرورة استعادة روح التفاهم بين الجميع، لمواجهة الخسائر الناجمة عن كلفة غياب التنمية في المنطقة المغاربية”.
وخلص المحلل السياسي السويسري-الفرنسي إلى أن الملك، وإذ يعبر عن اعتزاز المملكة بالدعم الدولي المتنامي لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، جدد التأكيد على أهمية الأقاليم الجنوبية للمملكة، والتي تشكل آفاقا واعدة للتنمية ولمستقبل القارة الإفريقية بأسرها.
جيل جديد من الإصلاحات
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية الفرنسي، كريستوف بوتان، إن الملك محمد السادس قدم، من خلال خطاب يجمع بين الرؤية والعمل، محاور جيل جديد من الإصلاحات، بهدف تحقيق تنمية سوسيو-اقتصادية تعود بالنفع على الجميع.
وأوضح بوتان، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن “الخطاب الملكي شدد على ضرورة عدم الاكتفاء بالمشاريع الكبرى المهيكلة – من سكك حديدية وموانئ وطرقات سريعة – رغم أهميتها وآثارها المحلية، بل التوجه إلى ما هو أعمق على مستوى التنمية المحلية”.
وأضاف هذا الأستاذ المحاضر في القانون بجامعة كاين، أن الملك، من خلال التطرق إلى ضرورة تدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية، يدعو إلى إطلاق برامج تنموية محلية جديدة في إطار مغرب صاعد، من أجل تحقيق العدالة المجالية والترابية.
وأوضح أن “هذه البرامج لا يمكن أن ت فرض من قبل الدولة المركزية، وإنما ينبغي أن تحظى بدعمها، شريطة أن ت بنى أساسا على الخصوصيات المحلية”، مشيرا في هذا السياق إلى أن الملك يذكر مرة أخرى بأن التنمية يجب أن تنبني على التنوع الترابي والبشري الذي يميز المغرب، لا على مقاربة مركزية موحدة.
وبخصوص الجانب المتعلق بالسياسة الخارجية في الخطاب الملكي، اعتبر بوتان أنه في هذا السياق الدولي المضطرب، الذي تتزايد فيه بؤر التوتر عبر العالم، فإن اليد الممدودة مجددا من قبل الملك نحو الشعب الجزائري تشكل “بادرة سلام وأمل”.
وتابع قائلا: “بينما يسعى البعض إلى تأجيج الفتن بين الشعوب، فإن هذه المبادرة تمثل محاولة جديدة للتهدئة”، مبرزا دلالتها في الظرفية الحالية.
وختم بالقول: “في وقت يزداد فيه عدد الدول الأعضاء في المجتمع الدولي التي تدعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية بشأن الصحراء، ويمكن أن تتبلور حولها ملامح توافق دولي، فإن خطاب الملك يمثل دعوة إلى طي صفحة نزاع طال أمده”.