مغاربة العالم يُثمِّنون 26 سنة من العناية الملكية وانتقادات لتأخر إصلاح مؤسسات الجالية

تحل الذكرى الـ26 لعيد العرش ومعظم مغاربة العالم قد عادوا إلى بلدهم الأم خلال موسم الصيف لقضاء عطلهم بين أسرهم وأهلهم، وهي المناسبة التي تمثل فرصة لرصد التحولات التي عرفها ملف الاهتمام بالجالية المغربية في الخارج خلال عهد الملك محمد السادس بالإضافة إلى تقييم ترجمة دعوات إصلاح مؤسسات الجالية إلى برامج وإجراءات وسياسات عمومية فعلية.
وقد خصَّ الملك محمد السادس، من خلال عدد من خطاباته، قضايا الجالية المغربية بعناية خاصة. فبعد سنتين فقط من توليه مسؤولية الحكم (2001)، أكد في خطاب ثورة الملك والشعب ضرورة وضع سياسة جديدة شمولية ومتناسقة، كفيلة بالاستجابة لما تشهده جاليتنا بالخارج من تحولات، وما تصبو إليه من تطلعات وبالتأهيل الشامل للأجهزة والمؤسسات والجمعيات المعنية بشؤونها، بكيفية تمكن من كسب الرهانات الحيوية، التي تمثلها الهجرة بالنسبة لتنمية المغرب، وتحديثه وإشعاعه الخارجي.
وتَلت خطاب الملك هذا دعوات في السنوات التي لحقت 2001 لتتبع الإصلاحات وتجديد التأكيد على الاستمرار في تحسين ظروف استقبال مغاربة المهجر والعناية بقضاياهم، ومنها خطاب الذكرى الثلاثين للمسيرة الخضراء (06 نونبر 2005) الذي أبرز فيه الدور الكبير للجالية المغربية في الدفاع عن القضية الوطنية، ودعا إلى المزيد من إدماجهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلد.
وسايرت الخطابات الملكية المتعاقبة طيلة الـ25 سنة الماضية نفس الإصرار والتأكيد على ضرورة تبويء مغاربة العالم المكانة التي يستحقونها في بلدهم الأم وتيسير قضاء أغراضهم الإدراية وتسهيل إنجاز استثماراتهم في المغرب، خصوصاً في خطاب الذكرى الثانية والثلاثون للمسيرة الخضراء (2007) وخطاب ذكرى ثورة الملك والشعب (2012).
وفي الذكرى الـ49 للمسيرة الخضراء (2024)، جدد الخطاب الملكي تأكيد ضرورة إحداث تحول جديد، في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج وإعادة هيكلة المؤسسات المعنية بها، بما يضمن عدم تداخل الاختصاصات وتشتت الفاعلين، والتجاوب مع حاجياتها الجديدة.
ولم يستسغ أفراد من الجالية المغربية في الخارج تأخر تجاوب السلطات المسؤولة على تأطير وتدبير مؤسسات مغاربة العالم مع هذه التعليمات الملكية، بما فيها الحكومة والبرلمان، حيث شدد الملك على قيام مجلس الجالية المغربية بالخارج، باعتباره مؤسسة دستورية مستقلة، بدورها كاملا، داعياً إلى تسريع إخراج القانون الجديد للمجلس، في أفق تنصيبه في أقرب الآجال.
وفي مستوى ثانٍ، وجه الملك الحكومة إلى إحداث هيئة خاصة تسمى “المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج”، والتي ستشكل الذراع التنفيذي للسياسة العمومية في هذا المجال، حسب الخطاب الملكي.
في مرحلة التمهيد
وللتفاعل مع هذا الموضوع، حاولت جريدة “مدار21” الإلكترونية التواصل مع أفراد من الجالية المغربية، حيث حصلت على جواب الأستاذ الجامعي بجامعـة ألميريا الإسبانية، حسن بلعربي، قال إنه “رغم مرور نحو عام على الخطاب الملكي، ما تحقق يبقى في حدود التمهيد، ولم يصل بعد إلى إجراءات عملية واضحة وملموسة تستجيب لتطلعات الجالية، ما يجعل من تفعيل توصيات الخطاب مسألة ملحّة أكثر من أي وقت مضى”.
وأضاف المقيم بالديار الإسبانية، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أنه “إلى حد الساعة لم يخرج إلى الوجود أي إصلاح قانوني، أو مؤسساتي لما دعى إليه الملك محمد السادس، فيما يتعلق بهيكلة مجلس الجالية وإحداث المؤسسة المحمدية لمغاربة الخارج”.
ولم يخف المتحدث ذاته الإحباط الذي أصاب عددا من أفراد الجالية جراء هذا التأخر و”الجمود” في التفاعل مع التوجيهات الملكية، حيث أكد أنه “كان من المفترض زيادة ثقة الجالية الذين تغيرت نظرتهم للمغرب لما عرفه من تحول كبير، منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش، في عدد من المجالات”.
تجاوب محتشم
من جانبه، قال محمد الشرادي، مواطن مغربي مقيم بالعاصمة البلجيكية بروكسيل، إن التفاعل مع إعلان الملك محمد السادس، في خطابه بمناسبة الذكرى الـ49 للمسيرة الخضراء، عن توجيهه الحكومة بإعادة هيكلة مؤسسات الجالية المغربية المقيمة بالخارج، “لايزال في مراحله الأولى”.
وسجل الشرادي، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أنه “إلى حدود اللحظة هناك خطوات محتشمة تقوم بها الحكومة، لكنها لم تصل بعد إلى مرحلة إخراج المؤسسات وتنزيلها على أرض الواقع، كما يتطلع إلى ذلك المواطنون المغاربة المقيمون في دول أجنبية”.
وأورد المصرح ذاته أن “نظرة الجالية المغربية المقيمة بالخارج إلى المغرب تغيرت بشكل ملموس خلال الـ25 سنة الماضية، وهذه التغيرات يمكن فهمها في سياق تطورات متعددة، حيث يزداد اعتزازهم بإنجازات المغرب في مجموعة من المجالات”، موردا أنه “في المقابل، هناك تطلعات أكبر للإصلاحات، واحترام أكبر لحقوق الجالية وخلق بيئة مناسبة تشجع على العودة والاستثمار، خصوصا من طرف الكفاءات”.