الجزائر تجترُّ الحياد في قضية الصحراء وتُقحِم فلسطين في “خطاب متآكل”

في حوار إعلامي حديث، كرر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون موقف بلاده من قضية الصحراء، مدعيا الحياد والدفاع عن “قضية عادلة”، متجاهلا الواقع الذي تؤكده وثائق الأمم المتحدة وتصريحات دبلوماسية دولية تعتبر الجزائر طرفا رئيسيا في النزاع الإقليمي، الذي ما زال يعطل بناء اتحاد مغاربي قوي وفعال.
وقال تبون: “هل أتخلى عن دعم الصحراويين لأُرضي أحدًا؟ هل أصبح إمبرياليًا؟ القضايا الثابتة واضحة”، متناسيًا أن دعم جبهة انفصالية بالسلاح والتمويل والدبلوماسية هو تورط مباشر، لطالما عرقل أي جهود جدية لتسوية الملف.
وفي محاولة واضحة لتوظيف القضية الفلسطينية لتعزيز موقف نظامه، ربط الرئيس الجزائري بين موقف بلاده من فلسطين وموقفها من الصحراء، مؤكدا أن الجزائر لم تتخلّ عن الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده.
ومع ذلك، يصطدم هذا الربط بواقع أن القضية الفلسطينية تحظى بإجماع دولي واسع كقضية احتلال، بينما تُعتبر قضية الصحراء نزاعًا إقليميًا تخضع لمسار سياسي تحت إشراف الأمم المتحدة، وتُعد الجزائر أحد الأطراف الرئيسية فيه، كما أكد ذلك مجلس الأمن في قراراته المتعددة.
في الوقت الذي يؤكد فيه تبون أن الجزائر لا تسعى إلى العداوة مع أي طرف، وأنها “لا تستخدم أحدًا ضد الآخر”، تواصل الجزائر التصعيد السياسي والإعلامي تجاه المغرب، رافضة الجلوس إلى طاولة الحوار إلا بشروط مسبقة، مما يزيد من تعميق الخلاف ويعرقل أي مبادرات لحل النزاع.
وعلى الرغم من تصريحات تبون التي تؤكد أن الجزائر “لا تخسر شيئًا” من مواقفها، تظهر المؤشرات الواقعية عزلة إقليمية متزايدة للجزائر، سواء عبر مواقف بعض الدول الإفريقية التي سحبت اعترافها بـ”الجمهورية” الصحراوية الوهمية، أو من خلال الدعم الدولي المتزايد للمقترح المغربي للحكم الذاتي كحل عملي وذو مصداقية.
رغم حديث تبون عن “الوفاء الأخلاقي” و”عدم الانحياز”، لم يُخف إعجابه باعتراف القوى الكبرى بمكانة الجزائر، قائلاً: “كل طرف نعطيه حقه.. ولا نستخدم أحدًا ضد الآخر”. وهذا يعكس خطابًا مزدوجًا يجمع بين الادعاء بالمبادئ، والسعي إلى تموضع براغماتي ضمن التحالفات الدولية.
الباحث في العلاقات الدولية، عبد العالي سرحان، اعتبر في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تعكس حالة من الإحباط الاستراتيجي التي يعاني منها النظام الجزائري نتيجة تراجع التأييد الدولي لموقفه في قضية الصحراء.
ولفت سرحان إلى أنه بـ”بالرغم من التشبث بالمبادئ المعلنة، فإن الواقع الجيوسياسي الإقليمي والدولي يُظهر تحولاً ملموساً في موازين القوى، حيث بات المغرب يمتلك رصيداً دبلوماسياً راسخاً، مدعوماً بتحالفات استراتيجية مع عواصم مؤثرة مثل واشنطن وباريس ومدريد”.
وأكد الباحث في العلاقات الدولية في حديثه للجريدة، أن “هذا التحول يضعف قدرة الجزائر على التأثير، ويدفعها إلى تبني خطاب دفاعي، يحاول استغلال قضايا أخرى كالملف الفلسطيني لإعادة ترتيب أوراقها السياسية والرمزية”.
وأشار إلى أن هذه الخرجات تنطوي على محاولة واضحة للحفاظ على صورة الجزائر كـ”المدافع الأخلاقي” في المنطقة، “وهو دور بدأ يفقد صدقيته على الأرض، لا سيما مع توسع التحالفات الاقتصادية والأمنية للمغرب مع دول غربية كبرى”.
وفي هذا السياق، يرى أن هذه التصريحات تبرز تناقضا واضحا بين ما يعلن من مبادئ وما يعيشه الواقع من عزلة دبلوماسية متزايدة، إذ لم تعد الدول الكبرى تقدر المسار الجزائري بنفس القدر، بعد أن وجدت في المغرب شريكاً أكثر استقراراً وفعالية، خاصة في مواجهة التهديدات الأمنية العابرة للحدود مثل الإرهاب والهجرة غير النظامية.
من جهة أخرى، اعتبر سرحان أن تصريحات تبون “محاولة من الجزائر للحفاظ على ثقلها الرمزي في النزاع، في مواجهة تحديات داخلية تتمثل في ضغوط اقتصادية واجتماعية متزايدة. فالحفاظ على قضية الصحراء كقضية وطنية مركزية يتيح للنظام تبون حشد الدعم الشعبي وتوجيه الانتباه بعيدًا عن الأزمات الداخلية”.