الترّاب في عين العاصفة.. انتقادات بريئة أم “حملة سياسية”؟

وقع المدير العام للمكتب الشريف للفوسفاط، مصطفى التراب، منذ بضعة أيام وسط عاصفة أطلقها مقال صحافي انتقد ما وصفه بتحويل أكبر مقاولة عمومية بالمغرب إلى “لعبته الخاصة” والاستفراد بها لـ”أجل مجده الشخصي”. غير أن مصادر أخرى تتحدث عن “حملة سياسية موجهة تستهدف الرجل للتعجيل بإقالته من منصبه، بعدما حول الشركة إلى فاعل اقتصادي قوي ومزعج في إفريقيا ودبلوماسي يسهر على مصالح المغرب الجيوسياسية”.
المقال المعني الصادر عن موقع 360، اعتبر أنه “لمدة تقارب العشرين عاما، أوفى مصطفى التراب بوعده بتحديث جوهرة الصناعة الاستخراجية بالمغرب، قبل أن يجعل منها لعبته الخاصة، مبددا مواردها وعائداتها لجعلها أداة لخدمة مجده الشخصي. ومع مرور السنين وتراكم الامتيازات واستمرار الشخصية ذاتها في المنصب، يبدو أن التراب نسي جوهر وظيفته: أن يكون خادما للدولة، وعلى أقل تقدير، وطنيا”.
ومن جملة الانتقادات التي ساقها المقال، قبل أن تتناسل المواد الإعلامية المنصبة في نفس الاتجاه؛ أن التراب تحول إلى امبراطور لا يأتمر بأوامر أحد، حتى وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، والوزير المكلف بالميزانية فوزي لقجع، قبل أن يتناول بالانتقاد موضوع “الخيارات الاستراتيجية”، على غرار محاولة تفويت بعض الفروع.
غير أن مصادر خاصة كشفت لـ”مدار 21″ الوجه الآخر لهذا الهجوم الإعلامي معتبرة أن “التراب كغيره من الرجال الأقوياء في الدولة يدفع الآن ثمن صراع خفي بين تيارات داخل هذه الأخيرة”.
وقال إن هذه الحملة التي تستهدف التراب بمقالات متحيزة واتهامات مبطنة وموجهة، تكمن خلفها حقيقة أكثر إزعاجا للبعض وهي أن التراب مُسير ناجح، ولأن المكتب الشريف للفوسفاط أصبح اليوم رافعة استراتيجية للمغرب على نطاق عالمي.
“تحت قيادة التراب تطورت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط من منتج إقليمي إلى عملاق عالمي في مجال الفوسفاط، حيث تسيطر على أكثر من 70 بالمئة من الاحتياطيات المعروفة وتوفر الأسمدة لمعظم أنحاء العالم، وخاصة دول الجنوب العالمي”.
وربط المتحدث من داخل المكتب هذه الحملة ضد التراب بسياق أزمة الغذاء العالمية؛ “هذا الموقف المهيمن للمكتب يزعج البعض، لأن السيطرة على الفوسفاط تعني التحكم في الزراعة، وبالتالي جزءً من سيادة البلدان”، مضيفاً “لم يقم التراب بتحديث المكتب الشريف للفوسفاط فحسب، بل جعل منه ممثلاً دبلوماسياً يخدم المغرب وعمقه الإفريقي”.
وأضاف: فـ”من خلال فروعه والشراكات الفلاحية التي يبرمها ومشاريع التنمية التي انخرط فيها، تعمل مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط على نسج شبكة من التحالفات الاقتصادية والسياسية لصالح المغرب داخل القارة، وهو نفوذ يقلق خصوم المملكة، وخاصة أولئك الذين ينازعونها في سيادتها على الصحراء”.
ولفت إلى أن قوة المكتب تتجلى في إفلاته من الوصاية الأجنبية، “فهو يمول نفسه دون الحاجة لصندوق النقد الدولي، ويستثمر دون اللجوء للبنك الدولي، ويفرض نفسه على الأسواق من دون الانصياع لأنماط التبعية، وهذه الاستقلالية تقلق من يفضلون بلدان الجنوب ومؤسساتها تحت رحمة المساعدات والوصاية الأجنبية”.
وفي سياق الانتقادات التي وجهت لتدبير الموارد البشرية داخل المجموعة، قال المتحدث “ما على المرء إلا أن يستفسر عمال وأطر المكتب الشريف للفوسفاط، الذين لا يعتبرون مصطفى التراب مجرد مدير عام، بل أبا روحياً للأسرة الفوسفاطية، فمنذ توليه زمام الأمور، نقل المكتب نقلة سحرية، بفضل خططه المستقبلية المحكمة وأفكاره المتنورة والجريئة، والتي استفادت منها البلاد أيضاً”.
“التراب استطاع تحويل المكتب الشريف للفوسفاط إلى نموذج عالمي في الابتكار والاستدامة والتدبير الحديث، ولم يكن يوماً مديراً تقليدياً، بل كان قائداً يلهم الجميع، ويفتح الأبواب أمام الكفاءات ويحفز روح المبادرة والتفوق. حضوره لا يقتصر على تسيير مؤسسة اقتصادية كبرى، بل يمتد ليمنح لكل فرد في الأسرة الفوسفاطية شعوراً بالانتماء والفخر والمسؤولية”.
جدير بالذكر أنه وفقاً للبيانات الصادرة عن مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، برسم نتائجها المالية، فقد بلغ رقم المعاملات متم شهر دجنبر 2024 حوالي 96.989 مليار درهم، مقابل 91.277 مليار درهم خلال سنة 2023، ما يعكس تطوراً إيجابياً في أداء المجموعة.
كما ارتفع هامش الربح الإجمالي إلى 62.683 مليار درهم، مقارنة بـ50.534 مليار درهم في العام السابق، مستفيداً من فعالية تشغيلية قوية وظروف سوقية داعمة. وسجلت المجموعة ربحاً خاماً قبل خصم الفوائد والضرائب والاستهلاك (EBITDA) بلغ 39.068 مليار درهم، ما يمثل هامشاً بنسبة 40 في المئة.