من الغياب إلى الحضور.. الجسد كهوية في الثقافة البصرية

سعى باحثون إلى تفكيك مضمرات تمثلات الجسد داخل المخيال العربي، والعمل على تفكيك نسقيته الثابتة وصوره النمطية المحيطة به، أمس السبت، في ندوة عنوانها “تمثلات الجسد في التعبير الأدبي والبصري” وذلك في المعرض الدولي للنشر والكتاب.
وتشير الورقة التعريفية عن الندوة إلى أن التفكير في الإنسان يعد مدخلا أساسيا للتفكير في الجسد، باعتباره أحد أهم المفاتيح لفهم البنية الثقافية والاجتماعية التي تشكّله وتعيد إنتاجه.
وفي هذا الصدد، يقول الكاتب والناقد نجيب العوفي إن استعمال الجسد يظهر من خلال الاستعارات والصور والتعابير الشعرية، مبرزا أن “الجسد مستودع الحواس ومسكن الرغبة والاقتراب منه في المخيال الجمعي كما الاقتراب من الخطوط الحمراء، واختراق المستور والمحظور”.
ويضيف أن “لفظ الجسد يحيل إلى جسد المرأة، أي فاكهة الكون وشهرزاد الحياة”، مستحضرا “الشعر النسوي لا من منطلق التفرقة بين الشعر النسوي والذكوري، ولكن من منطلق الجندر النسوي كنوع اجتماعي مؤسس ومنمط ثقافيا وتاريخيا، فهما شريكان في النسب الشعري”.
وربط موضوع الندوة بـ”ظاهرة “الإيروتيكا” الشعري لدلالتها الجسدية الغريزية، وتحولات ما بعد الحداثة وهيمنة السوشل ميديا التي بلا رقيب أو حسيب”.
وأشار لمتحدث ذاته إلى أن نزار القباني كان أول من أزاح الثوب عن جسد المرأة العربية وفك عن لسانها كبته، كما لفت إلى أن امرأ القيس المحسوب على الجاهلية كشف المستور، وهتك المحظور كما في مشاهد من قصائده النسائيه.
ويقول العوفي في مداخلته إنه “في تراثنا الشعري تمثلات إيروتيكية للجسد عند بعض الشعراء الغزاليين، ومنها غزل العذري وغزل الإباحي”.
وعدد الناقد ذاته أربعة أبعاد ودلالات للجسد، وهي البعد الجمالي السميالي للجسد، والبعد الإيروتيكي الشهوي المرتبط باللذة، والبعد التمردي، والبعد التصريفي والتنفيسي لمكبوث الجسد، وهي أبعاد تلتحم في التمثل الشعري عبر الصور والأوصاف والاستعارة، بحسبه.
بدوره الناقد الفني والكاتب فريد زاهي، يقول في مداخلته إن بعض المقاربات للأدب تنظر إلى الجسد باعتباره قضية أنتربولوجية، مشيرا إلى أن “الجسد يخترق كل شيء، والعودة إلى الجسد هو استعادة لحضورنا كثقافة في علاقتها بهوامش كان فيها الجسد حاضرا”.
ويضيف في مداخلته: “كنا نستعيد ذاتًا منسية من خلال استعادة الجسد في هوية ميتافيزيقية ولاهوتية، قبل أن نبدأ في بناء هوية فردية، لننتقل من الهوية الغائبة إلى الهوية الحاضرة، وبناء مفهوم الذات والفرد”.
وأبرز أن “اللغة كانت أهم من الجسد والصورة، غير أنه ومنذ بداية الألفية صرنا نعيش مع الصور، التي كانت تؤثر فينا، ثم أصبحنا نعيش بهذه الصور من خلال الهاتف ومتابعة ما هو مصور، لكننا اليوم صرنا نعيش في الصور، أي أن جسدنا صار حبيس شاشة”.
وأكد أن الجسد يعبر عن تحول في العلاقة بالذات، وتحول من القيم الإديولوجية والسياسية إلى قيم جديدة مرتبطة بالفرد والآنا، مضيفا: “تحولات الاهتمام بالجسد ومقارباته بدأ في الفن قبل الأدب، إذ إن التجارب المعاصرة حولت الجسد إلى عمل فني”.