حديدي: الأدب الفلسطيني لم يتراجع وخصوصيته النضالية لم تُقيد إبداعه

نفى الناقد والمترجم السوري صبحي حديدي، في تصريح لـ”مدار21″، تراجع مستوى الأدب الفلسطيني خلال السنوات الأخيرة مقارنة بالإنتاج الأدبي العربي العام، مؤكدًا أن هذا الأدب ما زال يحافظ على حضوره الإبداعي، ويواكب تحولات الكتابة الحديثة من حيث الشكل والمضمون، رغم التحديات السياسية والثقافية المحيطة.
وأكد صبحي حديدي، الثلاثاء خلال مشاركته في ندوة “الأدب أفقا للتفكير.. في الحاجة إلى إدوارد سعيد”، التي احتضنتها قاعة “أفق” بالمعرض الدولي للنشر والكتاب، أن النظر إلى الأدب الفلسطيني ككيان منفصل عن الأدب العربي يُعد تبسيطًا مُخلاً، يتغافل عن السياقات التاريخية والثقافية التي شكّلت هذا الأدب وجعلته جزءًا أصيلًا من المسار الإبداعي العربي العام.

فالأدب الفلسطيني، بحسبه، “كان منذ نشأته متفاعلًا مع الحراك الأدبي العربي، ومتأثرًا بموجات الحداثة التي اجتاحت المشهد الثقافي العربي العام” على حد تعبيره.
واسترسل حديدي قائلا، في تصريح لجريدة “مدار21″، أن شعراء الداخل الفلسطيني، من قبيل محمود درويش ثم سميح القاسم وتوفيق زيّاد، لم يكونوا في معزل عن هذا التأثر، إذ أنهم استمدوا من تجارب روّاد الحداثة العرب، وتقاطعت نصوصهم مع أعمال السياب وقباني وغيرهما، ما يدلّ على انخراطهم العميق في مشروع شعري عربي متجدد لا يقتصر على البُعد المحلي أو المقاوم.
وأضاف المترجم السوري أن التجربة الأدبية الفلسطينية، رغم خصوصيتها النضالية، اتخذت أبعادًا فنية وجمالية تتجاوز السياق السياسي الضيق.

وأفاد بأن “الشعراء والكتّاب الفلسطينيون لم يكتبوا فقط عن الاحتلال، بل صاغوا رؤى إنسانية وفكرية تعبّر عن أسئلة الوجود والهوية والانتماء، وهو ما جعلهم جزءًا من تيار أدبي عربي معاصر”.
كما أورد صبحي حديدي أن الأدب الفلسطيني، في بداياته، كان مرتبطًا عضوياً بفكرة المقاومة، لكنه تطوّر لاحقًا ليصبح تعبيرًا عن الهوية الثقافية. فقد تحوّل من مجرد ردّ فعل على الاحتلال إلى فعلٍ إبداعي واعٍ يسعى لتثبيت الوجود الفلسطيني في وجه محاولات الطمس والمحو المتكررة التي تستهدف الذات الفلسطينية.
وشدد الناقد ذاته على أن هذا التحول في مضمون الأدب الفلسطيني يتماشى مع تحولات القضية الفلسطينية نفسها، إذ لم يعد الأدب وسيلة احتجاج فحسب، بل غدا مساحة تأمل واشتباك مع الأسئلة المعاصرة. فالنص الفلسطيني المعاصر يعبّر عن أجيال جديدة تبحث عن معنى الهوية خارج الأطر التقليدية للمقاومة.

كما لفت إلى أن التحديات التي يواجهها الأدب الفلسطيني لا تختلف كثيرًا عن تلك التي تعصف بالأدب العربي عامة، مثل تضييق الحريات، وتراجع القراءة، وهيمنة السلطة، وصراع الأجيال داخل الحقل الثقافي. فكلها عوامل تهدّد التعبير الأدبي، وتحدّ من إمكاناته، سواء في فلسطين أو في باقي الأقطار العربية.
واختتم تصريحاته بأن الأدب الفلسطيني اليوم يشكّل امتدادًا عضويًا لحركة الأدب العربي الحديث، ويتفاعل معها على مستوى القضايا والأساليب.
ووفق رأيه، فإنّ محاولات فصله أو “تغريبه” أدبيًا قد تُفقده عمقه العربي، وتُضعف قدرته على التأثير داخل الفضاء الثقافي الأوسع الذي لطالما كان ينتمي إليه.
وضمن مداخلته في ندوة “الأدب أفقًا للتفكير: في الحاجة إلى إدوارد سعيد”، التي نُظّمت في سياق النقاش المتجدد حول فكر هذا المفكر الفلسطيني الكبير، خاصة في ظل ما تشهده القضية الفلسطينية خلال العامين الأخيرين، تطرّق الكاتب المغربي أنور المرتجي إلى حضور سعيد في الفضاء الثقافي المغربي.
وأكد المرتجي أن إدوارد سعيد أولى اهتمامًا خاصًا بالمغرب وبالمفكرين المغاربة، مُبرزًا تقديره العميق للجهود الفكرية التي برزت في الساحة المغربية، لافتًا إلى أنه استند في كتابه المرجعي الاستشراق إلى أعمال عدد من الباحثين المغاربة، معتمدًا عليهم كمصادر فكرية موثوقة ورصينة.
وتابع الكاتب المغربي أن المغرب، رغم هذا الحضور الرمزي في فكر سعيد، لا يزال متأخرًا نقديًا في مواكبة مشروعه، خصوصًا في بعده النظري العميق. وشدد على أن هذا الغياب لا يعود لضعف الكفاءة، بل لأسباب تتعلق بالتماس الثقافي والسياقات الاستعمارية المختلفة.
كما أورد أنور المرتجي أن سعيد تشكّل في فضاء أنجلوساكسوني ذي خلفية ثقافية مغايرة للبيئة الفرنكفونية التي تسيطر على الحقل الأكاديمي المغربي، وهو ما أسهم في خلق فجوة معرفية حالت دون تفاعل نقدي كافٍ مع كتاباته.
وواصل المتحدث ذاته أن المغرب، بخلاف دول عربية أخرى، لم تكن له علاقة استعمارية مباشرة مع بريطانيا أو أمريكا، ما جعله بعيدًا عن البنية المرجعية التي تبلور فيها فكر سعيد، خاصة في ما يتعلّق بنقد الخطاب الاستشراقي ومناهج الدراسات الثقافية الغربية.
كما أضاف أن إشكالية الترجمة لا تقتصر على اللغة، بل تشمل كذلك بطء المؤسسات الثقافية في متابعة إنتاج سعيد. فباستثناء الاستشراق الذي تُرجم سريعًا، بقيت أعمال أخرى له لأكثر من عقد دون أن تُنقل إلى العربية أو الفرنسية.
واستطرد المرتجي أن بعض كتبه الأساسية لم تصل إلى القارئ المغاربي إلا بعد سنوات طويلة، أحيانًا عشر أو حتى خمس عشرة سنة، وغالبًا عبر ترجمات أنجزها باحثون أجانب مهتمون بدراسات ما بعد الاستعمار، ممن عاشوا في مستعمرات سابقة أو اشتغلوا عليها أكاديميًا.
وذكّر بأن هذا التأخر في الترجمة والاستقبال انعكس سلبًا على حضور فكر سعيد في الخطاب النقدي المغربي، حيث بقي حضوره في الجامعات والمراكز البحثية محدودًا، على عكس انتشاره الواسع في المشرق أو في البيئات الأكاديمية الغربية.
كما أبرز الكاتب المغربي أن ما ينقص المشهد المغربي اليوم ليس الكفاءة، بل الوعي بضرورة الانفتاح على مرجعيات فكرية خارج النسق الفرنكفوني التقليدي، والتفاعل النقدي الخلاق مع تيارات فكرية مثل التي أسّسها إدوارد سعيد ووسع آفاقها عالميًا.