سياسة

تراجعات المسطرة الجنائية.. الرميد ينتقد حماية الفساد ومنع تصوير الاستجوابات

تراجعات المسطرة الجنائية.. الرميد ينتقد حماية الفساد ومنع تصوير الاستجوابات

جرد مصطفى الرميد، وزير العدل الأسبق، عددا من التراجعات ضمن مشروع قانون المسطرة الجنائية، الذي يوجد قيد المناقشة التفصيلية بمجلس النواب، منتقدا مقتضيات المادة الثالثة التي تقيد حق جمعيات حماية المال العام في الترافع ضد قضايا الفساد، وكذا التراجع عن التسجيل السمعي البصري للاستجوابات أمام الشرطة، أو حضور المحامي بالنسبة للمتابعين في سراح.

وعبر الرميد، في لقاء نظمه قطاع المحاماة لحزب التقدم والاشتراكية، عن أسفه من “السرعة التي تمر بها مناقشة مشروع المسطرة الجنائية داخل لجنة العدل والتشريع”، مؤكدا “أخشى أن تكون على حساب الجودة والتعمق والمناقشة الجادة”، ذلك أنه خلال شهر تقريبًا أوشكت اللجنة على الانتهاء من المناقشة، مذكرا أنه عندما كان عمر عزيمان وزيرًا للعدل في حكومة اليوسفي استغرقت المناقشة مدة قاربت السنة، “حيث كان النقاش طويلًا، متعمقًا، ومحتدمًا، وكان هناك أخذ ورد بين فطاحل المحامين والأساتذة الجامعيين الذين كانوا أعضاء في لجنة التشريع، وبين الوزير الذي كان محاطًا بكبار القضاة سواء في الرئاسة، النيابة العامة، أو التحقيق”.

وقال الرميد إن قانون المسطرة الجنائية “يعكس التطور الحقوقي للبلدان ومستوى احترام الدول للحقوق الأساسية لمواطنيها. فبقدر ما يتطور الإطار الحقوقي إيجابيًا، بقدر ما يتمتع المواطنون بقواعد إجرائية تحمي الحقوق والحريات. وبالعكس، كلما تراجع المستوى الحقوقي، تراجعت ضمانات المحاكمة العادلة عبر خفض مستوى الحماية المسطرية”.

وبعد استعراضه مجموعة من الإيجابيات، أورد وزير العدل الأسبق أن هناك تراجعات غير مبررة أُدخلت على النسخة السابقة التي كانت معتمدة منذ سنة 2015، مفيدا أن من أبرز هذه التعديلات السلبية “ما ورد بشأن المادة الثالثة من المشروع، التي تستهدف حماية الفساد والمفسدين عبر تقييد صلاحيات النيابة العامة في محاربة الفساد، ومنع الجمعيات من تقديم بلاغات بشأن المساس بالمال العام”، موردا أن “هذه المادة مناقضة للفصل 12 من الدستور وللاتفاقية الدولية لمكافحة أشكال الفساد”.

وكشف الرميد في السياق ذاته “سبق وأن ناشدت عقلاء الدولة وطلبت بالتراجع عن هذه المقتضيات السيئة والمسيئة، وما زلت أؤكد ذلك، وأعول على هؤلاء العقلاء إن حاضرا أو مستقبلا في استدراك هذا الخلل التشريعي الفضيع”.

وشدد المتحدث على أن “دور أي تشريع الجديد هو أن يسدّ النقائص ويرمم الخلل ويلبي حاجات الأفراد والمجتمع”، مؤكدا أن “أصعب مشكل يوجد هو الاستماع للمشتبه به من طرف الشرطة، سواء كان تحت تدبير الحراسة النظرية أو حرا”، إذ أن “هذه المرحلة هي التي تتأسس على نتائجها جل الأحكام التي يصدرها القضاء، كما أن هذه المرحلة هي التي يشتكي الأشخاص عن الممارسات التي تكون فيها، عن حق أو باطل، وهو ما يدعو المشرع إلى معالجة المقتضيات المنظمة لهذه المرحلة بما يضمن حقوق المواطنين ويصون حرياتهم خلالها، وبما يصون أيضًا سمعة المؤسسة الأمنية وكرامة رجالها ونسائها”.

وأوضح الرميد أن الحوار الوطني سنة 2013 كان قد أفضى إلى اقتراح توصية بالتسجيل السمعي البصري لاستجوابات الأشخاص أمام الشرطة، مؤكدا أن مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية لسنة 2015 أخذت بهذه التوصية بخصوص الأشخاص المودعين رهن الحراسة النظرية، بينما اعتمد بخصوص الأشخاص الذين يتم البحث معهم دون حراسة نظرية بالنص على حضور محاميهم معهم أثناء استجوابهم، وهو ما يمثل ضمانة كافية وفق المعايير الدولية.

وتابع الرميد أنه كان على المشروع الحالي “تطوير هذه المقتضيات نحو ضمان أفضل للحقوق والحريات، أو على الأقل الاحتفاظ بهذه المكاسب الحقوقية والتي تم التوافق عليها من قبل كافة المؤسسات المعنية، بما في ذلك المؤسسة الأمنية، وللأسف الشديد فوجئنا بما ورد في المادة 66-3 من المشروع، من تراجع غير مبرر عما كان ينبغي أن يكون”.

وأبرز أن التسجيل السمعي البصري، كما ينص عليه المشروع الحالي، “لا يشمل الجنح المعاقب عليها بخمس سنوات فأقل، رغم أنها تدخل في نطاق الجرائم التي قد تُثار بشأنها شبهات، ثم أن التسجيلات لا تشمل كافة مراحل الاستجواب، وإنما تتوقف عند حدود قراءة التصريح والتوقيع والبصم. وثالثًا، لا يحق للمحامي الحضور مع الشخص المستجوب أمام الشرطة حتى ولو لم يكن موضوعًا للحراسة النظرية”.

وشدد الرميد على أن “المشروع أخطأ موعده مع التاريخ الحقوقي للبلاد، كما أخطأ في التعامل مع الاتفاقيات الدولية”، مبديا استغرابه من أن المشروع ينص في تقديمه على استناده إلى ملاءمة القانون الوطني مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، وتوصيات وملاحظات اللجان والهيئات الأممية المعنية، مع العلم أن الهيئات الأممية درجت على مؤاخذة الدول، ومنها المغرب، بسبب غياب المحامي أثناء استجواب المتهمين.

واستحضر الرميد مؤاخذات ضد المغرب في قضايا ناصر الزفزافي وسليمان الريسوني مثلا بسبب غياب الدفاع أثناء التحقيق”، مشددا “لا أفهم سبب هذا التلكؤ في عدم اعتماد هذه المقتضيات التي تزيل أي شبهة عن عدالتنا وعن عمل الشرطة القضائية، والتي أشهد، صراحة، أنه في المرحلة الأخيرة تم وضع حد تمامًا للتعذيب الممنهج، وحتى ما يمكن أن يكون من تجاوزات أصبح محدودة ولكن، يكفي أن يدّعي أي شخص أنه تعرض للتعذيب حتى يُصدق، لمجرد غياب المحامي”.

وأكد الرميد “أقول للحكومة، وأخاطب كل عقلاء هذا البلد: ينبغي أن نتحلى بالشجاعة”، مضيفا أنه “إذا قيل إن التسجيلات غير متوفرة بسبب التجهيزات، فيمكن تطبيقها مرحليًا بعد سنة أو سنتين أو حتى خمس سنوات، لكن لا يمكن إبقاء الفراغ، لأن ذلك يثير علامات استفهام حول ضمان الحقوق والحريات، ويبقي الدولة محل اتهام من كل من شاء أن يتهمها، سواء بالحق أو بالباطل. وهذا مما لا يجوز الإبقاء عليه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News