رياضة

دول مونديالية (3).. حينما ورَّط حلم كأس العالم أرض “البافانا” في الأزمات

دول مونديالية (3).. حينما ورَّط حلم كأس العالم أرض “البافانا” في الأزمات

لم يكن فوز جنوب إفريقيا بشرف تنظيم النسخة التاسعة عشر من بطولة كأس العالم سنة 2010 مجرد استضافة لحدث رياضي، بل كان وعدًا بفتح صفحة جديدة في تاريخ القارة السمراء.

كانت الآمال معقودة على جعل البطولة من البلاد نموذجًا للنجاح الاقتصادي والرياضي، وأن الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية والملاعب ستترك إرثًا دائمًا يمتد لعقود.

ومع ذلك، بعد انقضاء المهرجان الكروي، بدأت سحب الشكوك تتجمع حول جدوى هذه الاستثمارات الضخمة، بعدما تحولت بعض الملاعب التي شُيدت بتكاليف باهظة إلى هياكل مهجورة تفتقر إلى الاستخدام المستدام، مما أثار تساؤلات حول التخطيط المستقبلي لهذه المنشآت.

على سبيل المثال، ملعب “نيلسون مانديلا باي” في بورت إليزابيث، الذي بلغت تكلفته 270 مليون دولار، واجه تحديات في استقطاب فعاليات رياضية أو ثقافية تضمن استمرارية استخدامه، مما جعله عبئًا ماليًا على السلطات المحلية.

بالإضافة إلى ذلك، ملعب “البنك الوطني الأول” في جوهانسبرغ، الذي شهد المباراة النهائية، خضع لتجديدات مكلفة لزيادة سعته إلى 94 ألف و700 متفرج، لكنه واجه صعوبات في تحقيق عوائد مالية مستدامة بعد البطولة.

هذه التجربة ألقت الضوء على أهمية التخطيط الدقيق لاستضافة الأحداث الرياضية الكبرى، وضمان استدامة المنشآت بعد انتهاء الفعاليات، حتى لا تتحول إلى أعباء مالية تثقل كاهل الاقتصاد المحلي.

بعد استعراض تجربتي ألمانيا 2006 والبرازيل 2014 في تنظيم كأس العالم، ننتقل في هذه الحلقة إلى تسليط الضوء على مونديال 2010، الذي جعل من جنوب إفريقيا أول دولة إفريقية تستضيف هذا الحدث الكروي العالمي، وسط آمال كبرى وتحديات لا تقل حجمًا.

تأثير محدود على البطالة

أقر رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، علي الغنبوري، بأن جنوب إفريقيا كانت تعاني من معدل بطالة مرتفع بلغ 24 في المئة في 2009، وكان من المتوقع أن يسهم المونديال في توفير فرص عمل مؤقتة، خاصة في قطاعات البناء والسياحة والخدمات.

وتابع علي الغنبوري، في تصريح لجريدة “مدار21″، أن مرحلة الإعداد للبطولة ساهمت في خلق حوالي 415,000 وظيفة، معظمها في مشاريع الملاعب والبنية التحتية، مما أدى إلى انخفاض طفيف في معدلات البطالة.

لكن المحلل الاقتصادي أشار إلى أن هذه الفرص كانت محدودة زمنيًا، إذ انتهت الحاجة إلى العمالة المؤقتة بمجرد انتهاء الحدث، ما أدى إلى عودة البطالة للارتفاع تدريجيًا.

آمال لم تتحقق

واعتبر الغنبوري أن كأس العالم كان يُنظر إليه كوسيلة للحد من الفقر عبر تحفيز الاقتصاد، لكن الفوائد الاقتصادية تركزت في أيدي الشركات الكبرى، فيما لم يستفد الفقراء بشكل ملموس.

وذكر أن حكومة جنوب إفريقيا أنفقت 1.48 مليار دولار على الملاعب، إلى جانب استثمارات ضخمة في البنية التحتية، “لكن هذا الإنفاق لم يترجم إلى تحسن ملحوظ في مستوى معيشة الطبقات الأكثر هشاشة” على حد تعبيره.

وأورد الخبير الاقتصادي، أن قيود الاتحاد الدولي لكرة القدم على الأنشطة التجارية المحيطة بالملاعب حرمت الباعة المحليين من الاستفادة من تدفق الجماهير، لافتا إلى أن عمليات الإخلاء القسري من بعض المناطق الحضرية زادت من معاناة الفقراء.

نمو السياحة لم يعالج التفاوتات

وأبرز المحلل الاقتصادي أن البطولة ساهمت في ارتفاع أعداد السياح، حيث بلغ عدد الزوار 15 مليونًا بحلول 2013، لكن هذه الطفرة لم تؤدِ إلى تحسن كبير في الظروف المعيشية للفقراء.

وأضاف أن الفوائد الاقتصادية من السياحة ظلت محصورة في الفنادق الكبرى والشركات السياحية الكبيرة، بينما لم تنعكس بشكل مباشر على المجتمعات المحلية الفقيرة.

مكاسب محدودة في البنية التحتية

وشدد رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي على أن بعض الاستثمارات في البنية التحتية، مثل تطوير النقل العام في جوهانسبرغ وكيب تاون، تركت أثرًا إيجابيًا، لكنها لم تكن كافية لتعويض التكاليف الباهظة للبطولة.

وزاد موضحا أن الملاعب الجديدة، مثل ملعب “كيب تاون” و”ديربان”، تحولت إلى عبء مالي على المدن بسبب ارتفاع تكاليف صيانتها وضعف استغلالها، حيث لم يتجاوز متوسط حضور مباريات الدوري المحلي 8,000 متفرج، رغم سعة الملاعب الكبيرة.

وحدة وطنية قصيرة الأمد

واسترسل المتحدث ذاته قائلًا إن البطولة ساهمت مؤقتًا في تعزيز الشعور بالوحدة الوطنية، مستشهدًا بكلمات نيلسون مانديلا حول قدرة كرة القدم على توحيد الشعوب، لكن هذا التأثير كان محدودًا زمنيًا.

وأقر بأن الانقسامات الاجتماعية الناجمة عن إرث الفصل العنصري لم تتغير بشكل جذري بعد المونديال، حيث لم تؤدِ البطولة إلى تحسن طويل الأمد في الأوضاع الاجتماعية للفئات المهمشة.

مونديال ناجح تسويقيًا لا اقتصاديًا

وختم الغنبوري تصريحاته بأن كأس العالم 2010 عزز صورة جنوب إفريقيا عالميًا وحقق نجاحًا تنظيميًا، لكنه لم يكن الحل لمشكلتي البطالة والفقر، إذ بقيت الفوائد المستدامة محدودة، ولم تصل آثاره الاقتصادية إلى الطبقات الأكثر احتياجًا بالشكل المتوقع.

في النهاية، تبقى تجربة جنوب إفريقيا درسًا مهمًا للدول الساعية لاستضافة مثل هذه الأحداث، إذ يجب مراعاة الاستدامة والتخطيط المستقبلي لضمان تحقيق الفوائد المرجوة دون الوقوع في فخ الاستثمارات غير المجدية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News