افتتاحية

ملك البلاد يرفع الضرر والحرج!

ملك البلاد يرفع الضرر والحرج!

أياما بعد صدور التوجيه الملكي بإلغاء شعيرة ذبح أضحية عيد الأضحى خلال هذه السنة، تتواصل المؤشرات التي تؤكد صوابية القرار، الذي استقبله المجتمع المغربي بارتياح بالغ، خاصة بعدما قاسى الأمرين خلال مناسبات الأعياد الأخيرة بسبب غلاء الأسعار وجشع المضاربين.

وبالرغم من المكانة التي تحظى بها مناسبة عيد الأَضحى لدى المغاربة، والدور الاقتصادي المهم الذي تمثله، إلا أن ما شهدته الأسواق المغربية خلال السنوات الأخيرة لن يريد الله ولا عبده أن يتكرر مرة أخرى، خاصة وأن المناسبة أصبحت ضيفا ثقيلا، وطقسا اجتماعيا أبعد ما يكون ودخل عن الشعيرة الدينية، وما يفترض أن يصاحبها من قيم ومعاني فُضلى.

لا شك أن إلغاء الذبح هذه السنة، جعل الملايين من المواطنين المغاربة يتنفسون الصعداء، ورفع الحرج عن فئات واسعة كانت تضرب ألف حساب لهذه المناسبة، وتفكر في طريقة لتأمين كلفته المالية الكبيرة، حتى وإن تطلب الأمر الاقتراض الذي يفوق الطاقة بالنسبة للموظفين والأجراء، أو بيع ممتلكات المنزل لغير المتوفرين على دخل، ناهيك عن الحسرة الكبيرة التي تغمر غير القادرين.

القرار الملكي، الذي لم يتخذ منذ 29 سنة مضت، رفع أيضا ضررا محققا، إذ أوقف نزيف القضاء على الثروة الحيوانية المغربية، التي أنهكها الجفاف المتوالي، وزادها استنزاف المضاربين و”الشناقة” الذين يهمهم ربح اليوم فقط وما يدخلون إلى جيوبهم من استغلال الأزمة وتباين العرض والطلب.

إلغاء شعيرة ذبح الأضحية ارتبطت عبر تاريخ المغرب دوما بالظرفيات الحرجة، ومنها الأوضاع الصعبة التي عاشتها البلاد سنوات 1963، و1981، و1996، والتي كانت موسومة في الأغلب بالجفاف وقلة الأمطار وتأثر القطيع الوطني، والآن تنضاف 2025 إلى التواريخ السابق، لتؤكد أن المغرب ليس في وضعية مرتاحة من جهة فلاحته، بسبب الجفاف على الأقل، في انتظار تقييم البرامج.

الخطوة انعكست على أثمنة الأغنام، وأسعار اللحوم الحمراء بالأسواق التي شهدت انخفاضات مهمة، مع تقديرات ترجح تراجعها أكثر خلال الأشهر القادمة، وكذا احتمال الانعكاس المرتقب على أسعار اللحوم البيضاء. وهذه، لا شك، نتيجة لم تغب عن تقديرات قيادة البلاد لأبعاد القرار، ما يفسر الاكتراث بأحوال الناس وقدرتهم الشرائية، وهذا ما تزكيه التعليمات الملكية لوزارة الداخلية بتشديد المراقبة على المضاربين ومحاربة الغلاء.

وبالرغم من أن القرار سيخلف متضررين، في شخص الكسابة الصغار والفلاحين البسطاء، الذين يراهنون على مناسبة العيد لتعويض كساد السنة كاملة، إلا أن ذلك لم يكن يبرر أن تمضي البلاد قاطبة نحو اقتراف خطأ جماعي ستكون له كلفة باهظة لا محالة.

الرسالة الملكية التي أعلنت القرار أكدت أن الملك محمد السادس رجح بين المصلحة والشعيرة بميزان العقل والمصلحة العامة، واختار اتخاذ القرار الذي يستحضر مختلف الشروط المتداخلة التي كانت تصب في اتجاه ضرورة رفع الحرج والضرر من طرف أمير المؤمنين.

لابد أن التوجيه الأخلاقي الصادر من الملك إلى المغاربة سيجعلهم يتذبرون معاني هذه المناسبة الدينية، والاحتفاء بها بما يليق بتعظيم شعائر الله، وصلة الرحم وغيرها من الطقوس، بدل الاكتفاء بإغراق المناسبة في “دخان الشواء” والتباهي بقرون الكبش، وتحويلها إلى طقس اجتماعي فارغ من المعاني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News