بطاريات “صُنع في المغرب”.. طموح يقترب من الواقع بشراكات دولية وموارد وطنية

بدأ المغرب خطواته نحو توطين صناعة البطاريات الكهربائية، عبر الشروع في تشييد أول مصنع مخصص لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في المملكة.
وتأتي هذه الخطوة في سياق سلسلة اتفاقيات وقعتها الرباط، بالتوازي مع ارتفاع طاقتها الإنتاجية للسيارات الكهربائية إلى نحو 107 آلاف وحدة سنويا، وفق تصريحات سابقة لوزير الصناعة والتجارة رياض مزور.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، أعلنت شركة “كوبكو”، وهي شراكة بين مجموعة “المدى” الاستثمارية المغربية وشركة CNGR الصينية المتخصصة في مواد البطاريات، بدء بناء المصنع.
مركز إقليمي
ويعول المغرب على تطوير صناعة البطاريات الكهربائية، لاسيما المخصصة للسيارات، إلى جانب بطاريات الليثيوم الموجهة للاستخدامات الإلكترونية، مثل الهواتف والحواسيب المحمولة.
والمشروع يهدف إلى إنتاج ما يكفي من البطاريات لتجهيز نحو مليون سيارة كهربائية سنويا، ما يعكس طموح المغرب في تعزيز مكانته كمركز إقليمي لتصنيع السيارات الكهربائية.
ويأتي هذا التوسع في ظل نجاح المغرب في الانخراط في صناعة السيارات التقليدية، إذ تمكن من تصدير حوالي 700 ألف سيارة سنويا تعمل بالوقود، حسب “مزور”.
فرص واعدة
الخبير الاقتصادي المغربي خالد بنعلي قال للأناضول إن انخراط المغرب في صناعة البطاريات جاء نتيجة “رؤية استراتيجية”.
وأوضح أن هذه الرؤية تهدف إلى تحقيق قيمة مضافة محلية، وتنويع مصادر التمويل وجذب استثمارات نوعية.
ولفت إلى أن هذا الاستثمار يمتلك فرصا واعدة للتطوير، ويُعد بوابة للمنافسة الإقليمية والدولية.
وزاد أن أحد الأهداف الرئيسية من هذه المشاريع هو الرفع من نسبة الإدماج المحلي في قطاع السيارات (نسبة الأجزاء المصنعة في البلاد بالسيارات المنتجة)، لتصل إلى 80 بالمئة، ثم إلى 100 بالمئة على المديين المتوسط والبعيد.
وهذا الأمر من شأنه توفير آلاف فرص الشغل، وتعزيز الطلب الداخلي والخارجي، كما أضاف بنعلي.
وأكد أن توطين صناعة البطاريات يتطلب توفر بنية تحتية متطورة، وإمكانات تقنية، إضافة إلى كفاءات بشرية مؤهلة، وشدد على أهمية البحث العلمي في مواكبة هذا التحول الصناعي الطموح.
شراكة الصين
بنعلي اعتبر أن الشراكة مع الجانب الصيني من شأنها أن تعزيز القدرات الإنتاجية للمغرب، وتُسهم في تسهيل ولوج المنتجات المغربية إلى الأسواق الخارجية، لا سيما في قطاع البطاريات الكهربائية.
وأفاد بأن أن صناعة السيارات العالمية تشهد تحولات عميقة، خاصة على مستوى الابتكار التكنولوجي والاعتماد المتزايد على البحث العلمي.
وأضاف أن تعزيز البحث العلمي يعد عاملا محوريا في رفع تنافسية صناعة السيارات الكهربائية، وتوطين هذه التكنولوجيا داخل المغرب.
وشدد على أهمية تبني تصور اقتصادي متقدم لرفع نسبة الإدماج المحلي، وزيادة العوائد المالية للمشروعات الصناعية الجديدة.
واعتبر أن بلوغ هدف إنتاج مليون بطارية سنويا يعد إنجازا واعدا، خاصة في ظل توفر المغرب على موارد بشرية ذات كفاءة عالية.
نقلة نوعية
في السياق ذاته، أعلنت شركة “كوبكو” أن مصنعها الجديد، الذي تم تدشينه بمنطقة الجرف الأصفر (غرب)، يمثل نقلة نوعية في مسار تطوير الصناعة المغربية.
وحسب الشركة، عبر بيان في وقت سابق، فإن المشروع تطلب استثمارات بقيمة 20 مليار درهم (نحو ملياري دولار)، وسيخصص لإنتاج مواد كيميائية عالية التقنية تدخل في تصنيع بطاريات أيونات الليثيوم، موجهة أساسا إلى الأسواق الأوروبية وشمال أمريكا.
وأفادت بأن الطاقة الإنتاجية للمصنع، عند اكتمال المشروع، ستصل إلى نحو 70 جيغاواط/ ساعة سنويا، وهو ما يعادل إنتاج بطاريات تكفي لتجهيز مليون سيارة كهربائية.
أول سيارة هجينة
وفي خطوة إضافية تعكس تقدم المغرب في مجال السيارات النظيفة، أعلن في سبتمبر/أيلول 2024 عن بدء تسويق أول سيارة هجينة مصنوعة محليا، بعد شهرين فقط من انطلاق عملية إنتاجها في مصنع بمدينة طنجة شمالي البلاد.
وتجمع هذه السيارة بين محرك احتراق داخلي (وقود) ومحرك كهربائي، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الصناعة المغربية.
كما وقعت الحكومة المغربية، في يونيو 2024، اتفاقية استثمارية جديدة مع المجموعة الصينية-الأوروبية “غوشن هاي تيك” لإنشاء مصنع ثان لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية بقيمة 1.28 مليار دولار.
وتهدف الاتفاقية، وفق بيان صادر عن رئاسة الحكومة، إلى خلق 17 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، بينها 2300 وظيفة ذات كفاءة عالية.
وبموجب الاتفاقية، سيتم إنشاء وحدة صناعية متكاملة في مدينة القنيطرة (غرب)، لتكون أول منشأة من نوعها بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ما من شأنه أن يعزز موقع المغرب الريادي في صناعة السيارات والتحول الطاقي في المنطقة.
خبرة وكفاءة
وخلال سنوات قليلة، رسّخ المغرب مكانته بين أبرز الدول المصنعة للسيارات في المنطقة، بإنتاج سنوي يبلغ نحو 700 ألف سيارة، مما جعله مركزا عربيا لصناعة وتجميع أجزاء السيارات وجذب استثمارات بمليارات الدولارات.
ووفق بنعلي، فإن المملكة راكمت خبرة كبيرة وكفاءات مؤهلة، ما يجعل تطوير صناعة البطاريات الكهربائية داعما لمنظومة السيارات.
وسجلت المملكة تطورات نوعية، أبرزها تصنيع “ستروين”، وهي أول سيارة كهربائية بالقنيطرة في يونيو 2020، والكشف عن أول محطة شحن محلية للسيارات في ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، وانطلاق إنتاج سيارات “رينو” الكهربائية بطنجة في سبتمبر/أيلول 2021.