هل يُعلِّق جدل الإضراب الحوار الاجتماعي بين الحكومة والنقابات؟

يبدو أن العلاقة بين الحكومة والمركزيات النقابية تسير نحو مزيد من التعقيد بسبب الجدل الذي أثارته المصادقة على قانون الإضراب “دون إشراكٍ” للنقابات، وتهديد الأخيرة بمقاطعة جولات الحوار الاجتماعي المقبلة لاعتبارها أن شعار المأسسة استغلته الحكومة لـ”خداع” شركائها الاجتماعيين.
وإذا كان جدل تقنين الإضراب قد يعصف بالعلاقة والتوافق الذي أبدته المركزيات النقابية والحكومة في لقاءاتها منذ بداية الولاية، فإن أوراشاً آخرى كبيرة تنتظر توافق الحكومة والنقابات لإقرارها خارج أي اختلافات أو تشنجات وعلى رأسها إصلاح أنظمة التقاعد.
وكانت الحكومة والمركزيات النقابية قد تعهدت، في محضر اتفاق أبريل 2024، بمواصلة الحوار حول القضايا الاجتماعية المشتركة بين الطرفين وفي مقدمتها ورش إصلاح أنظمة التقاعد وتعديل مدونة الشغل، وهو ما اعتبره شركاء الحكومة الاجتماعيين أن الأخيرة “أخلت بالتزاماتها”.
الميلودي موخاريق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، قال إن “قانون الإضراب ليس ولن يكون نهائيا بحكم أننا ننتظر قرار المحكمة الدستورية في الموضوع”، مشيراً إلى أن “عدم الالتزام بمضامين الاتفاق الاجتماعي الأخير هو إثبات لتعنت الحكومة في إشراك المركزيات النقابية في إخراج قانون اجتماعي بالدرجة الأولى”.
وأضاف موخاريق، في حديثه مع جريدة “مدار21” الإلكترونية، أنه “لو كانت الحكومة تحترم نفسها وموقعها الدستوري ومسؤوليتها السياسية لاستدعتنا للحوار بعد الاحتجاج الذي خضناه بالإضراب ليومين متتاليين رفضا لتمرير قانون الإضراب بتلك الطريقة الانفرادية والمبنية على الأغلبية العددية فقط دون خلق إجماع حول هذا القانون مع المعنيين به”.
واعتبر المتحدث ذاته أنه “لن نتفاعل مع الحكومة إلا إذا هي فتحت حوارا اجتماعيا حقيقيا بجدول أعمال واضح وأبانت عن جدية في حماية الحريات النقابية وفي مقدمة ذلك التراجع عن هذا القانون التكبيلي لحق الإضراب”، مشددا على أنه “لن نقبل بحوار مزيف مع الحكومة”.
وسجل زعيم نقابة الاتحاد المغربي للشغل أن “القفز على النقابات لتمرير قانون الإضراب والاستعانة بالأغلبية المريحة هو دليل واضح على إخلال الحكومة بالتزاماتها الموقعة بينها وبين المركزيات النقابية”، مذكراً في هذا الصدد بـ”عدم دعوتها لجولة شتنبر التي كان من المفترض أن يناقش فيها قانون الإضراب وقانون المالية”.
“لماذا لم تدع الحكومة لانعقاد جولة أبريل؟ ولماذا لم تواكب الحوارات القطاعية في عدد من المجالات كالصحة والجماعات الترابية وغيرها من القطاعات؟”، يتساءل النقابي ذاته. مجيبا في الآن ذاته بالقول إن “الحكومة تخلت عن التزام مأسسة الحوار الاجتماعي وتبين أنها وظفته للاستهلاك الإعلامي فقط”.
وإذا كانت الحكومة تقدم جواباً بأنها أقرت زيادة في الأجور لموظفي القطاع العام بألف درهم عبر قناة الحوار الاجتماعي، يؤكد موخاريق أن “هذه الزيادة تآكلت من جراء الغلاء الفاحش للأسعار. وبالتالي لابد من إقرار زيادة جديدة في الأسعار لتدارك ما ضاع من قدرة الموظفين الشرائية”.
ولدى سؤاله عن تخوف النقابات من إمكانية نهج الحكومة لنفس الأسلوب الانفرادي في إصلاح أنظمة التقاعد، شدد الفاعل النقابي ذاته على أن “هذا الملف مجتمعي يهم الأجراء والموظفين المحالين على التقاعد والنشطين أيضا”، محذرا الحكومة من “تهديد الاستقرار الاجتماعي إذا لم تكن رزينة في تدبير هذا الملف الذي يهم الأجيال الحالية والمستقبلية”.
ورفض موخاريق مبررات الحكومة بأن “إصلاح أنظمة التقاعد مدفوع بتهديد الإفلاس والعجز الذي يلاحقها”، مؤكدا أن “هناك سوء تدبير وحكامة من طرف الحكومة في تدبير انخراطات ومدخرات الموظفين”.