مرصد يرصد اختلالات رافقت تنزيل ورش الحماية الاجتماعية بالمغرب

عرّى المرصد المغربي للحماية الاجتماعية، الاختلالات التي تواجه تنزيل سياسات الحماية الاجتماعية بالمغرب التي تحد من فرضية الشمول والتعميم على كل أفراد المجتمع.
وعدّد المرصد، في تقرير بعنوان “حماية اجتماعية أم تقويم هيكلي مقنع”، أوجه القصور في الرؤية الحكومية في ورش تعميم الحماية الاجتماعية منذ توليها تدبير الشأن العام لبناء منظومة تقييمية خاصة تمكن من تتبع المنجز الحكومي على المستوى التشريعي والتنظيمي والمؤسساتي والمجتمعي، وكذلك على مستوى التنزيل، بالإضافة إلى رصد وتحليل النقاش العمومي حول الحماية الاجتماعية، لتقييم مدى فعالية السياسات العمومية للحماية الاجتماعية بالمغرب، وبناء خطة عملية ترافعية من أجل تبنى سياسات أكثر شمولا وإنصافا وعدلا واحتراما لحقوق الإنسان.
الطّبقة الوسطى
وانتقد المرصد المغربي ارتكاز سياسات الحماية الاجتماعية على تمويل قائم على إنهاء صندوق المقاصة، مبرزا أن الحكومة “تلجأ إلى مراجعة أدوار صندوق المقاصة، وتوجيه مخصصاته التي بلغت 4.6 ملايير درهم عند نهاية ماي 2024، مقابل 9 ملايير درهم قبل سنة، نحو آليات مندمجة للحماية الاجتماعية، والسجل الاجتماعي الموحد وبشكل خاص لتمويل تكاليف الصحة”، مؤكدا أن ذلك “يعني تخصيص الموارد الناتجة عن الرفع التدريجي لدعم الدولة للمواد الغذائية والطاقة لتمويل تدابير الحماية الاجتماعية، وبالتالي المس بالقدرة الشرائية للأسر المغربية، ولا سيما من هم من الطبقة الوسطى”.
وأكد الملخص التنفيذي للتقرير الذي اطلعت “مدار21” على نسخة منه، أن المقاربة الحكومية لمسألة تمويل الحماية الاجتماعية “قد تؤدي إلى حماية فئات مقابل إفقار أخرى، وقد تكون مشجعة لتبرير الدولة انسحابها من المجال الاجتماعي، وتكريس سياسات التخلي عبر مدخل إصلاح صندوق المقاصة، خاصة أمام ضعف إعمال التدابر المواكبة للحيلولة دون إضرار بعض الإصلاحات بالقدرة الشرائية للمواطنين”.
وأوضح أن سياسات الحماية الاجتماعي تسجل عجزا في العرض الصحي العمومي، مؤكدا أن “استمرار تسجيل العرض الصحي الوطني فجوات كبيرة بين الطموح والإمكانيات المرصودة للإصلاح يحد من فعالية نجاح ورش تعميم الحماية الاجتماعية، بالموازاة مع سوء تدبير الموارد البشرية في قطاع الصحة العمومية، مما يجعل جزءا من الموارد البشرية والبنيات والتجهيزات في حالة عطالة، بينما جزء آخر تحت الضغط، وهو ما يفسر تركز حوالي 70 بالمئة من الأطباء في محور الرباط – الدار البيضاء”.
ويرى التقرير أن الحكومة عملت على تبني استراتيجية “تفكك القطاع الصحي الوطني إلى مجموعة من المؤسسات العمومية لتسريع خوصصته”، مشيرا إلى أنه الأمر الذي “بدأت بتفعيله على أرض الواقع تحت يافطة التمويلات المبتكرة، بالإضافة إلى أبعاد إحداث هيئات إدارية تعوض صلاحيات وزارة الصحة التي ستصبح بدون صلاحيات حقيقية”.
وتساءل المصدر عينه حول “التطور السريع والكثيف للمصحات الخاصة التي أصبحت تستقطب الطلب على خدمات الاستشفاء والعلاج، مما يجعل المستشفى العمومي المستفيد الأخير من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض”، مردفا أن “المستشفيات العمومية تستفيد فقط 6 بالمئة من الإنفاق الصحي، كما تتعرض لمنافسة غير عادلة، لأنها لا تتمتع بما تتمتع به المستشفيات في القطاع الخاص، وهو ما يهدد باستنزاف صناديق التأمين الصحي، خاصة أمام إفراط القطاع الصحي الخاص في إطالة مسار العلاج، ومستلزمات الاستشفاء”.
التضخّم وأرقام الحكومة
وأبرز المرصد أن سياسات الحماية الاجتماعية بالمغرب تقوم بنقيض ما أريد بها، موضحا أن “الغرض الأساسي لمختلف سياسات الحماية الاجتماعية في العالم هو توفير الرفاه، وحماية الجميع من مختلف مخاطر وتقلبات الحياة، وفي الحالة المغربية يحدث نقيض هذا الهدف، إذ تتحمل الأسر المغربية أكثر من نصف كلفة التغطية الصحية الأساسية عن المرض، بينما يحدّ التضخم من أثر الدعم الاجتماعي المباشر”.
بهذا الصدد، أورد التقرير أن هذه السياسات تضع الثقل على كاهل الأسرة، إذ تتحمل الجزء الأكبر من المصاريف الإجمالية للصحة بنسبة 63.3 بالمئة، (منها 50% بشكل مباشر/ 24.4% من الموارد الضريبية/ 22.4% من اشتراكات نظام التغطية الصحية/ 1.2% من المشغلين وباقي أرباب العمل).
واستدل في خلاصته بالأرقام الرسمية التي تظهر أن “مصاريف الجزء الباقي على عاتق المؤمن بالنسبة للأسر المشمولة بالتأمين الصحي الإجباري الأساسي عن المرض بلغت 37.8 بالمئة سنة 2021 بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و31.5 بالمئة بالنسبة للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، بينما استحوذت الأدوية على النصيب الأكبر من النفقات الإجمالية لنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض بمعدل الثلث 33.3 بالمئة”.
ولفت إلى أن التضخم جعل سياسات الحماية الاجتماعية بلا أثر، مبرزا أن الأرقام والمؤشرات التي قدمتها الحكومة في حصيلتها على مستوى تنزيل ورش الحماية الاجتماعية “رغم كونها إيجابية فإنها لم تنعكس على واقع عيش العديد من الأسر المغربية”.
مرد ذلك وفق التقرير ذاته إلى “ارتفاع التضخم لمستويات قياسية والذي تسبب في ارتفاع تكلفة المعيشة، وأثر بشكل كبير على شريحة واسعة من المواطنين، إذ أصبحت الأسر المستفيدة من الدعم الاجتماعي المباشر؛ المقدّر في 500 درهم، غير قادرة على تلبية احتياجاتها الأساسية، مع تسجيل العديد من الإشكاليات على مستوى تنزيل التغطية الصحية والسجل الاجتماعي، مما جعل العديد من الأسر في وضعية فقر وهشاشة خارج المستفيدين منها”.
إملاءات البنك الدولي
وعارض تقرير المرصد المغربي للحماسة الاجتماعية “تبني الحكومة وجهة نظر البنك الدولي الذي يركز سياسات الحماية الاجتماعية على فلسفة تنطلق من تقليص برامج الحماية المعممة (الدعم) واستبدالها بأنظمة الحماية المشروطة، ويتبنى برامج استهداف بعض شرائح المجتمع دون غيرها من مظلة الحماية الاجتماعية، عبر إقرار سياسات تنطلق من فكرة تحويل الأنماط المعممة إلى دعم يستهدف المحتاجين فقط، على أساس قياس دخل متلقي الدعم أو الحماية، مما يكرس لنمط جديد من الإنفاق الاجتماعي أقل تكلفة”.
ونبّه التقرير إلى أن سياسات الحماية الاجتماعية “قائمة على قروض دولية في المجال الاجتماعي تشترط بشكل أساسي تخفيض عجز الموازنة، وليس على توفر شبكات الأمان والحماية الاجتماعية”، موضحا أن الحكومات المغربية المتعاقبة ستكون ملزمة بإرجاع القروض للبنك الدولي، بالإضافة إلى نسبة الفوائد المتأتية من التمويلات والتي تثقل كاهل الدولة المغربية.
وشدد على أن تأثير مؤسسات التمويل الدولية على الحماية الاجتماعية في التجربة المغربية يمكن قراءته من زاوية “إطلاق ‘سياسة تقويم هيكلي مقنع’ تقوم على فرضية التفكيك التدريجي لصندوق المقاصة “التعميم’ بما يحقق توازن الميزانية، ويؤدي عمليا إلى رفع الدولة للدعم عن المواد والخدمات العمومية”.
وأكد أن سياسة التقويم الهيكلي المقنع “تهدد بتعميق الفجوات الاجتماعية، خاصة مع ضعف إعمال التدابير المواكبة للحيلولة دون إضرار هذه الإصلاحات بالقدرة الشرائية للمواطنين، والذي سينتج عنه جعل الطبقة المتوسطة تتحمل عبء الإصلاحات الاجتماعية مما يمس باستقرارها الاقتصادي والاجتماعي”.
سياسات مُختلّة
ويرى المرصد أن تنزيل سياسات الحماية الاجتماعية رافقه العديد من الاختلالات على مستوى الشق المعياري والملاءمة، تتجسد في “سياسات دون المعايير الدنيا، إذ أن التصور المغربي للحماية الاجتماعية لا يتضمن التزام الدولة بضمان الحد الأدنى في الحماية الاجتماعية في فروعها التسعة، كما تضمنها الإطار المعياري الدولي لمنظمة العمل الدولية”.
وأشار بالصدد ذاته إلى أن الدولة “لا تلتزم بضمان الحماية من مخاطر البطالة، مما يجعل البطالة والعمل غير القار أو العمل في القطاع غير المنظم خارج منظومة الحماية الاجتماعية بالمغرب، حيث لم ينص قانون الإطار على إمكانية تقديم دعم مادي قار للأشخاص الذين لم يتمكنوا من ولوج سوق الشغل، وهم شريحة تقدر بأزيد من مليون و633 ألفا على المستوى الوطني في الفصل الثاني من سنة 2024”.
وسجل عدم احترام سياسات الحماية الاجتماعية لمقاربة النوع، مسترسلا بأن عدم المساواة بين الجنسين “متجذر أساسا عبر التقسيم الجنسي للعمل بين الرجال والنساء، حيث تلقى أدوار الرعاية على عاتق النساء وفقا لتوزيع للأدوار يقوم على أن هذه المهام يجب أن تقوم بها النساء فقط”.
وأكد أن “ما يفاقم الأمر هو محدودية توفر خدمات الدعم مثل مرافقة رعاية الأطفال واستحقاقات الأمومة والأبوة ورعاية الأقارب والمسنين، مما يتولد عنها عراقيل تحد من فرص دخول النساء لسوق العمل والتمتع بالمزايا المرتبطة به، بما فيها المنافع الناتجة عن برامج الحماية الاجتماعية الموجهة للفئات النشيطة”.
نُصوص مُعرقِلة
وسجل تقرير المرصد المغربي للحماية الاجتماعية أنه رغم التنصيص القانوني على إحداث لجنة لقيادة تنزيل السياسة الوطنية للحماية الاجتماعية، والمبادرة الحكومية لإحداث آليات وهيئات أخرى للحكامة، فإن ما “يُسجّل على منظومة الحكامة، هو الارتباك على مستوى المنظومة القانونية، ووجود مشاكل بنيوية ناتجة عن غياب المشاركة المجتمعية على مستوى التفكير والتنزيل والتقييم، مع ضعف إشراك الهيئات المهنية في تنزيل مقتضيات سياسة الحماية الاجتماعية”.
ويرى التقرير أن الحكامة في سياسات الحماية الاجتماعية بالمغرب “مشوشة”، إذ “لم تعقد رئاسة الحكومة إلا اجتماعا واحدا (سنة 2024) بالتسمية القانونية المحددة في المرسوم “اللجنة الوزارية لقيادة إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية”، كما لم تدع كافة القطاعات الحكومية المكونة للجنة، بالإضافة إلى تخلف رئاسة الحكومة عن الدعوة لانعقاد اللجنة الوزارية بشكل دوري كل ثلاثة أشهر على الأقل”.
ورصد المصدر ذاته انعقاد خمسة (5) اجتماعات بتسميات مختلفة سنة 2022، واجتماع واحد خلال سنة 2023، واجتماع واحد طيلة سنة 2024.
وبخصوص اللجان الموضوعاتية الثلاث البين وزارية، الموكول لها تتبع تنزيل السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد وتحديد عتبة الاستحقاق للاستفادة من البرنامج، ووضع التدابير القانونية الخاصة لمواكبته، سجل التقرير أنها “تشتغل دون سند قانوني، باستثناء ما ورد في المذكرة التقديمية لمشروع قانون المالية لسنة 2023، ولا يتم التواصل حول اجتماعاتها”.
وأبرز أن الهندسة الحكومية لا تتلاءم مع البعد الاستراتيجي لورش الحماية الاجتماعية، إذ تتعدد القطاعات الحكومية المتدخلة (الصحة والحماية الاجتماعية/ الداخلية /الأسرة والتضامن …)، بالموازاة مع خلق منظومة مؤسساتية في طور التشكل فوق القطاعات الوزارية المعنية بصلاحيات إدارية ومالية كبيرة قد تتجاوز صلاحيات الفاعل السياسي.
وأوضح المرصد المغربي أن “سياسات الحماية الاجتماعية تمتلك منظومة قانونية مرتبكة بتضخم النصوص القانونية المنظمة، والتي تعاكس الغرض من القانون الإطار الهادف إلى توحيد النصوص القانونية المؤطرة للموضوع وتوحيد عمل المؤسسات المتدخلة في المجال، بالموازات مع ظاهرة التأخر في اعتماد بعض النصوص القانونية المهيكلة والمؤسسة”.
مهنيون خارج التغطية
وكشفت معطيات المرصد المغربي للحماية الاجتماعية أن ما يفوق 87 بالمئة من الفئات المهنية المسجلة في النظام لا تستفيد من التغطية الصحية، بسبب إغلاق حاسباتهم لتوقفهم عن أداء المساهمات المستحقة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، حيث لا يتجاوز عدد المنخرطين الذين يتوفرون على حقوق مفتوحة للاستفادة من التأمين 495.808 منخرط أي ما يعادل 28 بالمئة فقط من المنخرطين.
وأوضح التقرير أن ضعف نسبة التحصيل “أضاع على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حوالي 9 ملايير درهم، تشمل المستحقات والاشتراكات، مقابل ارتفاع النفقات مما يهدد بالعجز، إذ بلغت النفقات المرتبطة بالتأمين الصحي لفائدة المؤمنين وذوي حقوقهم التي تم أداؤها إلى غاية نهاية غشت 2023 ما يناهز 1.182 مليون درهم، مما يعني أن النظام قد يهدده خطر العجز خلال الأسابيع أو الشهور المقبلة”، مشيرا إلى وجود العديد من الفئات المهنية أو الاجتماعية خارج منظومة التأمين الأساسي الإجباري عن المرض.
وشدد على أن منظومة الاستهداف والشمول تشوبها اختلالات، إذ “تسعى سياسة الحماية الاجتماعية بالمغرب إلى الانتقال من الدعم العام للمواد الاستهلاكية الأساسية عبر صندوق المقاصة، إلى توجيه الموارد الميزانياتية للدولة وتعبئة موارد إضافية لتحديد الفئات الاجتماعية التي تستحق الاستفادة من البرامج الاجتماعية، عبر إحداث آلية الاستهداف، مما قد يمس بمبدإ الشمول ويضع فئات عريضة خارج مظلة الحماية الاجتماعية”.
وسجل أيضا “إجبارية” التسجيل في السجل الاجتماعي الموحد بدل تطبيق مبدإ التسجيل بناء على الطلب، وعدم فعالية استهداف بعض الفئات الاجتماعية من قبيل العاملين في القطاع غير المهيكل والعاطلين عن العمل والمعوزين والمسنين بدون دخل، وصعوبات على مستوى تحديد وضبط الفئات المؤهلة للاستفادة من نظام المساعدة الطبية وبقية برامج منظومة الحماية الاجتماعية، خصوصا مع اعتماد النظام التصريحي لتقدير مستوى الدخل، الذي ينطوي على “الكثير من المغالطات نتيجة التصريحات المخفضة وغير الدقيقة للأسر”.