مهيدية.. والٍ جرّاح يُجري أكبر عملية تجميل في تاريخ الدار البيضاء

ملأ الدنيا وشغل الناس في “كازا”. سيرته على كل الألسن هذه الأيام، وحينَ يُذكر في مجلسٍ فكأنما يقص المتحدثون ظُهور “مهيدية المنتظر” الذي جاء ليملأ الدار البيضاء عدلا بعدما مُلِئت جوراً.
سائقو سيارات الأجرة، الحلاقون، مرتادو المقاهي… أضحى الوالي، محمد مهيدية، موضوعاً مفضلاً لكل فضاءات الثرثرة بالدار البيضاء، وذلك بعد مرور عام على تعيينه، بتاريخ 19 أكتوبر 2023، واليا على جهة الدار البيضاء سطات.
بين تناقل أنباء المنجزات القائمة بالفعل و”استبشار” بالمستقبل، يرقى أحيانا إلى “الأسطَرة”، تتراوح الأحاديث بشأنه، ويتنبأ غير قليل من البيضاويين أن تُعيدَ قراراته وإصلاحاته للمدينة مجدها التليد وألقها الذي فقدته منذ ردح من الزمن.
“قدماء المحاربين”، أي البيضاويون من جيل الخمسينيات والستينيات وحتى السبعينيات من القرن الماضي، يحكون بحنين يكتنفه الحزن عن مدينة كانت “جوهرة حواضر المملكة” وآية ولوجها رحاب “الأزمنة الحديثة”، قبل أن تستحيل إلى مساحة “ماضيها خير من حاضرها”؛ تلك عبارة لا يكف رواد أكبر المجموعات البيضاوية على “فيسبوك” عن ترديدها، ممتعضين من “مضي كل المدن الكبرى في المغرب قدما باستثناء البيضاء التي تتقهقر إلى الخلف”.
من هو محمد مهيدية؟
ولد محمد مهيدية بمدينة سيدي قاسم في الثامن من أكتوبر 1954. وكأن له مع أكتوبر قصة ما؛ ففي الشهر ذاته عينه الملك محمد السادس واليا على جهة الدار البيضاء سطات؛ في ما اعتبره مهتمون إذناً ملكيا بمباشرة ورش إصلاحي كبير في المدينة.
مؤهلات مهيدية العلمية شهادةُ مهندس دولة حازها من المدرسة الوطنية العليا للمعادن في فرنسا سنة 1981، وشهادة أخرى من المعهد العالي للإسمنت المسلح سنة 1982.
وعلى الصعيد المهني، شغل الرجل مناصب عديدة أولها مدير إقليمي للأشغال العمومية بإقليم أزيلال من سنة 1987 إلى 1993، قبل أن يُعيّن عاملاً على عمالة الصخيرات – تمارة سنة 2002، وبعدها على إقليم الحسيمة في سنة 2007.
وفي مارس 2010، تم تعيينه والياً على جهة مراكش – تانسيفت – الحوز، ثم في 10 ماي 2012 تولى ولاية الجهة الشرقية وعمالة وجدة – أنجاد، قبل أن يعاد تعيينه لدى دخول التقسيم الإداري الجديد للمملكة حيز التنفيذ، والياً على الجهة الشرقية في 13 أكتوبر 2015.
المنصب ذاته تولاه في جهة الرباط – سلا – القنيطرة، ثم طنجة – تطوان – الحسيمة، قبل أن يغدو في 19 أكتوبر 2023، واليا على جهة الدار البيضاء سطات وعاملا على عمالة الدار البيضاء.
“جرّاح تجميلي”
استبشار البيضاويين بعاملهم الجديد يستند إلى المعطيات المتوفرة حول خبرته وباعه الطويل في تسيير مدن وجهات؛ وما واكب ذلك من إصلاحات لاسيما إبان تجربتيه الأخيرتين في طنجة والرباط.
ولأن عمليات التجميل لا تتم دون جراحة و”تشويه” مسبق؛ فلعل الدار البيضاء حاليا في خضم هذه المرحلة، ترقص على إيقاع الجرافات والمعاول والحفارات.
“شارع الزرقطوني”، الذي يعد الشريان الأهم في المدينة، في حالة مزرية الآن، يتناثر الغبار وتغزو الحُفر جنباته وتحتله الآليات؛ عبوره كعبور الصراط؛ غير أن مستعمليه بالكاد يتذمرون. “قد ما تخلوضت تصفى” قال سائق أجرة لـ”مدار21″ مُستبشرا بمستقبل يصبح فيه عبور الشارع هيناً كبساط أحمر.
سائقو سيارات الأجرة أكثر من يدعي معرفة قدر مهيدية في الدار البيضاء، لأنهم يتجولون طيلة اليوم على حد زعمهم، وبينهم شبه إجماع على كونه “رجل ميدان”، يصادفونه غير ما مرة يتفقد سير الأشغال ويباغت المسؤولين عن الأوراش؛ “السيد واقف على شغله” يقولون.
ليس شارع الزرقطوني وحده المعني بالأشغال؛ فقد جرى في الآونة الأخيرة تعبيد العديد من الطرق والأزقة، بما فيها تلك التي كانت نِسيا منسيا بموقع قصي وسط الأحياء الشعبية.
“رجل المساحات الخضراء”؛ هكذا وصفه أحد المعلقين على “فيسبوك”؛ أوراش الحدائق التي شُرع في إحداثها أو إصلاحها يشهد على ذلك؛ لكن الأجلّ هو نزوله أخيراً عند طلب ما فتئت الساكنة ترفعه منذ عدة أعوام: “أوقفوا التنخيل”. إذ تفاعل الوالي مع مطلب رفعته حركة “المغرب بيئة 2050″، متخذا قرارا بوقف زراعة النخيل في شوارع الدار البيضاء، وموافقا على استبداله بأشجار تلائم الظروف البيئية المحلية.
المركب الرياضي محمد الخامس أيقونة الرياضة في الدار البيضاء، ومحج الرجاويين والوداديين المفضل للقاء قطبي الكرة بالمدينة. يخضع بدوره للتأهيل استعدادا للاستحقاقات الرياضية الكبرى التي يستعد المغرب لاستضافتها؛ “دونور” خضع أيما مرة لإصلاحات مطولة في ما مضى سرعان ما يعود لإغلاق أبوابه بعدها وهو في حالة مزرية. الأمر بلا شك يؤثر على أداء الناديين التاريخيين الذين يتخذان منه ملعبا لهما، فضلا عن أداء الجمهور البيضاوي الذي اتخذ منه مُنطلقا لشهرة عالمية بإبداعاته في المدرجات.
ولا تخلو “إصلاحات مهيدية” من جموح في بعض الأحيان، يشهد على ذلك ما يجري على هامش مشروع “المحج الملكي”؛ حيث يتواصل هدم منازل مصنفة آيلة للسقوط في أفق إنجاز المشروع وسط تعالي احتجاجات ساكنتها.
البيضاء كما يريدها “بيضاوة”
“ألو مهيدية” عبارة ساخرة مُتداولة على مجموعة “Save Casablanca” في “فيسبوك”، يعمد لاستخدامها كل متذمر من عطب يصادفه أو مظلمة يشكو منها، ولو تعلق الأمر بمجرد حفرة عمقها سنتمتران في زقاق معزول؛ لقد ولى زمن “التعايش مع الواقع المر”، وبات للبيضاويين رجل يجسد في خيالهم الإصلاح الذي يحلمون به، ويبقى السؤال: هل كل ما أنجز ويتم إنجازه كافٍ لإرضاء غرور “بيضاوة”؟
فقد لا يكون إصلاح البنيات التحتية منتهى ما تطمح إليه الساكنة؛ التي تأمل أن يلتفت الوالي مهيدية لمشاكل أخرى مُتعلقة بالخدمات وانتشار ظواهر اجتماعية مؤسفة.
تطالب فعاليات بيضاوية بتسريع عملية تحرير الملك العمومي؛ الحماس على أشده لا سيما بعد ما طال التحرير بعض المطاعم والمقاهي الشهيرة والفاخرة بمواقع دقيقة وسط المدينة؛ بيد أن الظاهرة، التي تفشت على مدى فترة طويلة، تتطلب توسيع نطاق العملية ليشمل الأحياء الشعبية والشوارع الصغرى والمناطق الهامشية التي لا تقل معاناتها من احتلال الملك العمومي سوءًا، وكلّما شُنت عاصفة لتحريره ما تلبث أن تهدأ فتعود دار لقمان إلى حالها.
الجريمة، التسول، الباعة المتجولون… مشاكل وأخرى يتداخل فيها الأمني بالاجتماعي، وتحتاج بدورها لتفكير وعناية عميقين من الوالي/العامل؛ للعثور على حلول وسطى تضمن العيش الكريم للمعنيين بها والراحة للساكنة المتضررة من تفشيها.
وعلى مستوى الخدمات، يشكل النقل أحد النقاط العصيبة التي تكدر العيش في “كازا”؛ تعبيد الطرق ومنع وقوف الشاحنات بسوق “درب عمر” الشهير، من أجل تخفيف حركة المرور في مركز المدينة، قد لا يكون كافياً، إذ تتطلع الساكنة لتجويد خدمات سيارات الأجرة وتقنين النقل عبر التطبيقات… وتلك ملفات موضوعة على طاولة الوالي بالفعل.