ثقافة

أزمة ميزانية تعرقل تنزيل رؤى تطوير الصناعة الثقافية بالمغرب

أزمة ميزانية تعرقل تنزيل رؤى تطوير الصناعة الثقافية بالمغرب

يستمر الحديث عن “الصناعة الثقافية” في مختلف اللقاءات باعتباره “مشروعا” حديثا في طور البناء على أمل تحقيق نقلة في هذا المجال من الشق “النظري” إلى “التطبيق” وفتح باب جديد للاستثمار في المغرب على غرار دول ينبني اقتصادها على “الثقافة”.

ويبقى هذا المشروع معلقا بحسب فاعلين إلى حين النظر في صلب المشاكل التي تعرقل تطوره بدءا من “الميزانية” التي تعد مفتاح الصناعة الحقيقية.

وفي المقابل، يدافع أصحاب القرار عن طرحهم في مشروع “الصناعة الثقافية” بوضع استراتيجية يرونها فعالة في تحقيق هذه النقلة غير المسبوقة، ويراها البعض عجلة بطيئة على سكة غير متزنة، تتطلب إشراك أهل الاختصاص في كل المجالات المرتبطة بهذا المجال الذي يعكس صورة الدول ويحقق مكاسب كبرى لها.

الصناعة الثقافية أزمة ميزانية وتواصل

يُرجع محمد دريد، رئيس اتحاد المنتجين المغاربة، تعطل عجلة تطور الصناعة السينمائية في المغرب، إلى “الميزانية الضعيفة” التي تُرصد له، إلى جانب غياب خلق جسر تواصل بين المؤسسات والمبدعين من أجل الارتقاء بهذا المجال.

ويرى دريد، أن الإنتاج يتطلب ميزانية مهمة، إذ إن “الميزانية المسخرة للإنتاج في المغرب تبقى ضعيفة مقارنة بدول أخرى إفريقية”، بحسب ما صرح به لجريدة “مدار21”.

وأبرز دريد أن “المغرب ينتج في السنة 50 فيلما، في الوقت الذي تُنتج فيه دول إفريقية 1500 فيلم، لذلك فالمشكل يتعلق إما بطريقة التدبير أو أن الأزمة مرتبطة بالميزانية”، مشيرا إلى أنه “حينما يكون الكم يأتي الكيف تلقائيا”.

وأشار إلى أن الشروط التي تُفرض على صناع الأعمال السينمائية تثقل كاهلهم أيضا من قبيل فرض تشغيل 20 تقنيا وغيرها من الشروط الأخرى.

وتعيق أزمة التسويق في ما يخص المجال السينمائي، التي ترتبط بالأساس بقلة القاعات، هذا التطور، إذ بحسب المتحدث ذاته فإن “30 قاعة غير كافية، وننتظر تفعيل مشروع 150 قاعة التي أعلن عنها وزير الثقافة سابقا”.

وعما إذا كانت الميزانية الضعيفة، وغيرها من المشاكل المرتبطة بتطوير هذا القطاع، تؤثر على “الإبداع” في المغرب، أكد دريد أن الإبداع حاضر في المغرب، إذ هناك العديد من المبدعين، لكن لا يمكن لهذا “الإبداع أن يتطور في ظل الوضع الحالي، فالمبدع يحضر إبداعه لكن الإنتاج غير قوي”.

ويدخل مشكل تواصل بين المؤسسات والمبدعين والفاعلين، وغياب التنسيق للخروج بنتائج مرضية، ضمن سلسلة مشاكل تعرقل مسار الوصول إلى صناعة حقيقية.

مشروع متأخر برهانات مُعلّقة

وبرر وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد مهدي بنسعيد، في رده عن سؤال لجريدة “مدار21″، تأخر تنفيذ هذا المشروع، بكون “المغرب مر من مجموعة من المراحل على مستوى السياسة الثقافية، إذ منذ أزيد من 20 سنة المملكة المغربية والحكومات المتعاقبة خلقت دينامية ثقافية بداية من الدعم الذي يرمي إلى تنشيط الساحة الثقافية، باعتبار أن التجارب في العالم أظهرت ضرورة الانطلاق من مسألة الدعم قبل المرور إلى الصناعة”، بحسب تصريحه.

ويضيف بنسعيد في حديثه للجريدة أن “الدعم يساهم في تحقيق تجاوب مع الأعمال الفنية التي تدخل إلى الساحة الاقتصادية في جميع المجالات؛ منها دعم الكتاب والمسرح والسينما”، مشيرا إلى أن “المغرب سجل حضورا محترما في مجموعة من المجالات”.

وللرفع من النتائج، كان يجب تقوية الدعم في ظل منافسة دولية قوية خاصة في المجالين الموسيقي والسينمائي، مما يجعل الدعم لوحده غير كافِِ لتحقيق الأهداف، مما يتطلب الانتقال إلى تحويله إلى صناعة، بإشراك الخواص المغاربة أو الأجانب لإظهار أن الثقافة تراث مادي ولا مادي وأخلاقي وفي الوقت ذاته تعد اقتصادا، يقول بنسعيد في تصريحه لـ”مدار21″.

وأكد المسؤول الحكومي أن الاستثمار في المجال الثقافي لا يحتاج إلى تمويل ضخم من المستثمرين، إضافة إلى أنه يعد مجالا مربحا وله دور أساسي في منح صورة إيجابية عن المملكة المغربية.

وتحدث بنسعيد أيضا عن “صناعة الألعاب الإلكترونية التي أصبحت تُعد من أقوى الصناعات في العالم، بأكثر من 300 مليون دولار”، مبرزا أنها لم “تكن موجودة في المغرب قبل مجيء هذه الحكومة الجديدة، ما من شأنه خلق فرص شغل، وجلب المستثمرين”.

البنية التحتية في صلب المشروع

ودافع بنسعيد عن البنية التحتية بالمغرب في ما يتعلق بالمسارح التي تتماشى مع مشروع الإصلاح، بحجة الانطلاق بمفهوم الدعم في ظل وجود مجموعة من المسارح “المحترمة” في الدار البيضاء بأكثر من 15 مسرحا.

وعاد الوزير في حديثه للجريدة إلى التركيز على “الاستثمار في الصناعات المربحة على الصعيد الدولي”، من قبيل المهرجانات الموسيقية، والألعاب الإلكترونية، والأفلام السينمائية لدخول المنافسة مع مجموعة من الدول من خلال الرفع من الميزانية.

ويعتبر بنسعيد أن التحدي الكبير يكمن في الانتقال إلى دولة تعول على الصناعة الثقافية كركيزة أساسية لخلق مهن جديدة ترتبط بالسوق الدولي، عبر التراث المادي واللامادي اللذين يحظيان بإقبال على الصعيد الدولي، إذ “علينا خلق أرضيات لإعطاء الفرصة للمبدعين، خاصة وأنه لدينا نماذج ناجحة في الموسيقى على الصعيد الدولي”، يضيف المتحدث عينه.

الاستثمار مفتاح تطوير الصناعة الثقافية بالمغرب

ناصر كتاني، مؤسس ومشترك في مؤسسة أكان للتمويل الجماعي، يرى أن “الاستثمار في مجال الصناعة الثقافية والإبداعية يعد مهما جدا، باعتباره مجالا كبيرا يساهم في خلق فرص الشغل للشباب ويساهم في تسويق ثقافتنا في العالم”.

ويقول ناصر، في تصريح لجريدة “مدار21″، إن هناك بعض الأشخاص ينظرون إلى هذا المجال كمجال غير مربح، إلا أنه بحسبه “على العكس، يمكن الاستثمار في السينما والمسرح والبرامج التلفزيونية، والفنون الرسمية، وعدم الاتكاء على دعم الدولة في هذا المجال، من خلال إقحام دعم شركات ومقاولات خاصة”.

وتصف نائلة التازي، رئيسة فيدرالية الصناعات الثقافية والإبداعية، الثقافة بـ”القطاع الحيوي”، إذ يحق لكل مواطن الاستفادة من الثقافة والولوج إليها.

وتقول إن هناك “إمكانيات كبرى للمغرب لخلق فرص الشغل، لكن يجب الخروج من صورة القطاع الجمعوي، لأن هذا قطاع اقتصادي، والعديد من الأشخاص مستعدون للاستثمار به، إذ نريد عقد شراكة مع القطاع الخاص لمنح هذا المجال دفعة جديدة”.

وأبرزت في حديثها للجريدة أنه “على الصعيد الدولي يُعد هذا القطاع مهما جدا لأنه يخلق فرص شغل وللأشخاص بدءا من سن 16″، مسجلة أن “للمغرب التزامات وتحديات لخلق فرص الشغل”.

وتطرقت التازي إلى أهمية الانخراط بين الثقافة والسياحة، خاصة وأنه اليوم، “هناك 60 في المئة من السياح الذين يأتون إلى المغرب للتعرف على ثقافته”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News