وهبي يعزل ضحية تحرش مندوبية حقوق الانسان ويبرر قراره بـ”المردودية الضعيفة”

قرر وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، عزل (إ.ش) ضحية ملف التحرش في المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، والذي كان قد أثار جدلا واسعا، مبررا ذلك بإخلالات مهنية ثابتة في حقها والمتمثلة في “عدم احترامها للضوابط الإدارية التي تؤطر عمل الموظف العمومي”.
وقال مدير الموارد البشرية في الوزارة، والذي أصدر القرار بتفويض من وهبي، إن عزل “ضحية التحرش” جاء بناء على مجلس تأديبي انعقد في 31 يوليوز الفارط، وتضمن محضره ارتكاب (إ.ش) لاختلالات منها “قيامها بأفعال منافية ومخلة بالتزاماتها المهنية، والتغيب عن العمل دون إذن ومغادرتها بإستمرار مقر العمل قبل الوقت القانوني”.
وأوضح في القرار، الذي اطلعت عليه جريدة “مدار21” الإلكترونية، أن ذلك “وارد في كتب رئيسها المباشر، عدد 67 ت إ 24 بتاريخ 06 مارس 2024 ، وكتاب عدد 79 ت 1 /24 بتاريخ 22 مارس 2024، وكتاب بتاريخ 22 ابريل 2024 عدد 113 ت 24/1 ، وكتاب بتاريخ 28 ماي 2024 عدد 150 ت 24/1”.
واعتبر أن ذلك أثر سلبا على السير العادي للأشغال التي أسندت لها، إذ كانت تشغل وظيفة متصرفة من الدرجة الثانية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، النيابة العامة، “وعلى مردوديتها الضعيفة جدا لعدم الجدية في العمل واللامبالاة والاستهتار بالأشغال الموكولة إليك، علاوة على رفضك التوقيع عند تسلمك الاستفسارات”.
كما بررت الوزارة قرار العزل بإدلاء الموظفة بـ”شواهد طبية منها غير حاملة لعنوان تواجدك، مما يتعذر معه ممارسة الإدارة لحقها في تفعيل مسطرة المراقبة الإدارية”.
وأشار إلى أن “امتناعها بغير مبرر مقبول عن مواصلة إبداء أقوالك عند الإستماع إليك من طرف المفتشية العامة مما ينطوي على تفويت فرصة لاستجلاء الحقيقة، وهو ما يكشف عن عدم توقيرك لهذه الجهة، وإهدار مبدأ أساسي في الوظيفة العمومية وهو احترام سلطة الدولة والعمل على احترامها، مخالفة بذلك المقتضيات القانونية المنصوص عليها في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية”.
وأوضحت أن القرار جاء تبعا لمقتضيات الظهير الشريف رقم 1.58.008 بتاريخ 4 شعبان 1377 (24) فبراير (1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، حسبما وقع تغييره وتتميمه ولا سيما الباب الخامس منه، وكذا الظهير الشريف رقم 1.02.202 الصادر في 12 جمادى الأولى 1423 (23) يونيو (2002) بتنفيذ القانون رقم 03.01 بشأن إلزام الإدارت العمومية والجماعات.
وسبق لوهبي أن قرر نقل المشتكية “إ.ش” من المندوبية المذكورة إلى النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، بمبرر “المصلحة الإدارية” في فبراير الفارط، وذلك بعد أسابيع فقط من خروجها بتصريحات تفضح “واقعة التحرش” وهو ما اعتبرته “إ.ش” وعائلتها “عقابا” لها.
وتقول الموظفة المتحرش بها، والتي طلبت عدم ذكر اسمها كاملا، في تصريح سابق لجريدة “مدار21” الإلكترونية، والتي كانت قد التحقت بالمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان في يونيو 2013، أن أول تعامل لها مع المتحرش كان أواسط سنة 2014 بعد عودتها مباشرة من إجازة الأمومة بعد وضع ابنتها الثانية.
و عن واقعة التحرش، توضح الموظفة: ”كنت مكلفة بملف معين دخلت إلى مكتبه للتنسيق معه بخصوص الجوانب اللوجستية للمشروع كونه كان مكلفا بذلك، وكم كانت صدمتي كبيرة، حيث بدأ بستمني أمامي بشكل متواصل ويقوم بمص شفتيه ويرمقني بنظرات إنسان شاذ مريض وغير سوي بدون أدنى ذرة من الحياء عندها هربت بكل ما تحمله الكلمة من معنى وأنا أصعد السلالم غير مصدقة ما حصل لي، توجهت مباشرة إلى مديري آنذاك وهو إنسان فاضل مثقف خلوق طيب أكن له احتراما وتقديرا كبيرين منعاني أن أخبره بهذه الممارسات اللا أخلاقية غير المقبولة البتة في مكان عام وفي بنية تعد حماية حقوق الإنسان أهم ركائزها”.
وتواصل المتحدثة : “قلت له بالحرف: الله يخليك أستاذ مبقيتش تسيفطني عندو” (أقصد المتحرش) وقد استحييت وخجلت أن أحدثه بالتفاصيل وقد استنتج من الواقعة أنه ربما حصل بيننا سوء تفاهم وهذه التفاصيل مضمنة بشهادتي أمام أنظار اللجنة المعينة من طرف وزير الدولة السابق للتحري بشأن التحرش الجنسي الذي تعرضت له موظفات بالمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان”.
وتؤكد المشتكية أن القضية انقلبت رأسا على عقب بعد تعيين مدير جديد سنة 2018، ليبدأ “مسلسل الانتقام”، مؤكدة أنه مباشرة بعد التعيين المذكور تم “حرماني من تعويضاتي الجزافية لمدة 10 أشهر وتوجيه عقوبة إدارية قاسية (الإنذار)، إضافة إلى تجريدي من جميع الملفات التي أشتغل عليها وتجميد وضعيتي الإدارية إلى حين البث فيها والتي لم يبت فيها مطلقا”، مبرزة أن وضعها كان رهن إشارة المتحرش بها مما يعني “وضعي رهن إشارته وإكراهي على العمل تحت إمرته في الوقت الذي كان فيه يجدر بالمسؤول حمايتي واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في الموضوع”.
وتوضح الأم لبنتين :”خلال فترة عملي بقسم الشؤون المالية التي ناهزت 9 أشهر، لم أسلم خلالها من تحرشه وممارساته اللا أخلاقية في خرق سافر لكل القيم والأعراف الإنسانية وانتهاك صارخ لكرامتي وأنا مصرة على الصبر مكرهة مضطرة خوفا من اتخاذ إجراءات أكثر صرامة قد تقضي على وظيفتي، خصوصا أنني أم أعيل بناتي فالتزمت الصمت مجددا، حيث إن المندوبية كانت تتخبط في حالة فوضى رهيبة وسوء تدبير مالي وإداري حيث أطلقت يد هذا المتحرش الذي أصبح يدير المندوبية على هواه وبدأت التشنجات والاحتقانات تسود بينه وبين الموظفين، يعز من يشاء ويذل من يشاء”.
”وسنة 2019، لم أعد أتحمل هذا الوضع الذي أصبح يؤرقني ويقض مضجعي، فأبلغت رئيس الإدارة أن ممارسات المتحرش غير مقبولة وأنني أرفضها فرد علي أنه: سوف يتصرف، وقام بنقلي للعمل في الكتابة العامة. ففي الوقت الذي كان يجب على رئيس الإدارة أخذ الموضوع بجدية ومحاسبة المتحرش وتقديم الدعم النفسي والحماية للضحايا، على العكس من ذلك تجاوز كل الضوابط المهنية والأخلاقية والقانونية بنهج سياسة الآذان الصماء والانتقام مني والتستر على المتحرش بل ومنحه تقييما ممتازا على سلوكه الأخلاقي والمهني ويسر انتقاله بسلاسة لمؤسسة وطنية لحقوق الإنسان” تضيف الموظفة المتحرش بها.
وبعد شهادتها أمام لجنة التحري المعينة من طرف وزير الدولة السابق، سنة 2020، بدأت “الإجراءات الانتقامية” حسب تعبيرها، حيث تؤكد المتحدثة في تصريحها للجريدة أنه تم حرمانها مرة أخرى من تعويضاتها الجزافية عن سنة 2020 و2021 كاملة، إضافة إلى وضعها في مسطرة إعادة الانتشار التلقائي دون علمها أو إخبارها في خرق للمسطرة المعمول بها، وذلك قصد محاولة التخلص منها ومنعها من الالتحاق بعملها، والضغط على المسؤولين المباشرين لتحرير تقارير مزورة في حقها ومنعها من تسجيل مراسلاتها وطلباتها بمكتب الضبط ورفض تسليمها ما يفيد تسلمها من طرف الإدارة، إضافة إلى التضييق عليها من خلال السخرية منها أمام زملائها الموظفين. ولم يتوقف الانتقام منها بعد فضح تفاصيل التحرش بها”.
كما تشير إلى أنه تم تنقليها إلى مكتب بالطابق السفلي “تنعدم فيه شروط العمل وتجتاحه حشرات البرغوت، مما يعرض صحتي للخطر والشروع في رش المكتب بمبيدات حشرية دون علمي بذلك، الشيء الذي دفعني إلى التخلي عن كل حاجياتي وتركه واللجوء لمكتب أحد الزملاء”، مضيفة أنها تعرضت بعد ذلك إلى “نزيف حاد إثر التعسف علي والاستمرار في نهج الممارسات التمييزية الإقصائية والمعاملة القاسية المهينة اللاإنسانية في حقي جراء مطالبتي بصرف تعويضاتي الجزافية، وتم نقلي على إثره للمستشفى وتركي أنزف من الساعة الثالثة حتى 12 ليلا وعدم مرافقتي من طرف ممثل عن الإدارة”.