سعيد بنيس يقتفي الآثار “الديجيتالية” للتحول من “تَمَغْرِبِيتْ” لـ”نْيُوتَمَغْرِبِيتْ”

يقارب سعيد بنيس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، في مؤلفه الذي يستعد لإصداره “نْيُوتَمَغْرِبِيتْ.. ملاحظات حول المجتمع الافتراضي المغربي”، ما تطرحه التحولات المجتمعية المرتبطة بالطفرة الافتراضية وتطور وسائل الاتصال من أسئلة كثيرة حول قصور البنيات الأساسية للمجتمع عن مواكبة المصفوفة القيمية التي يتفاعل معها الشباب بشكل كبير.
وأكد بنيس، في تصريح صحفي توصلت به “مدار21″، أن الأسئلة الكثيرة حول قصور البنيات الأساسية للمجتمع عن مواكبة المصفوفة القيمية التي يتناولها كتابه الجديد “تمكن من فهم هذه الوضعية الناتجة عن انتقال من فرد متواصل إلى فرد متصل”.
وشدد أستاذ علم الاجتماع على أن “سؤال المواطنة الافتراضية في علاقتها براهنية القيم الديجيتالية أفضت إلى المرور من المجتمع الواقعي إلى المجتمع الافتراضي، “من مجتمع تَمَغْرِبِيتْ” إلى “مجتمع نْيُوتَمَغْرِبِيتْ”.
وأوضح أن هذا المرور تم من خلال “التحول من العلة التواصلية إلى العلة الاتصالية ومن البراديغمات إلى الخواريزمات، أو بإيجاز من مجتمع التواصل إلى مجتمع الاتصال. هذا الأخير الذي أظهر سطوة الديجيتالي الفردي على الافتراضي الجمعي والرقمي التقني”.
وحاول بنيس الإجابة عن سؤال جوهري حول إمكانية تأثير المصفوفة القيمية التي أفرزها الفضاء الافتراضي في الممارسات المجتمعية للفرد.
ويرى أن الإجابة عن هذا السؤال تفرض أولا التمييز بين ما هو افتراضي وما هو رقمي وما هو ديجيتالي، لأن “الحديث عن التأثير هو حديث ليس عن العالم الافتراضي الذي يقابل عامة العالم الواقعي وليس كذلك حقلا للعالم الرقمي الذي يحيل على أساليب تقنية لتدبير الحياة العامة المجتمعية، بل مرده أساسا الطبيعة الديجيتالية التي تعتبر الجانب الناعم للرقمي والافتراضي، لا سيما أن في طياتها يتمكن الفرد من أن يؤثر ويتأثر ومن تم أن يغير من سلوكاته وممارساته الشخصية ويبدع قيما جديدة تتماشى وتحاكي مجتمعه الافتراضي”.
واستنتج سعيد بنيس أنه مع “تراجع محاضن التنشئة التقليدية، بل واستقالتها، تولدت تنشئة مجتمعية عفوية ومشخصنة تمت عبر جسر الشق الديجيتالي لوسائط التواصل الاجتماعي، ما نتج عنه تسونامي قيم افتراضية متموجة تتماهي وتحاكي وتعاكس وتعارض في نفس الآن القيم الواقعية كأننا أمام عالمين متوازيين وأن الفرد فردان وله هويتان؛ هوية واقعية وهوية افتراضية”.
وسجل أن مفارقات واقع الفضاء الافتراضي تجعل منه عالما تختلط فيه عدة هوامش منها المتنفس، الحرية، المواطنة، التضامن، التداول، التعبئة، الإدمان، التعويض، العنف، الكراهية، العنصرية، الانعزالية، التفاهة، القذارة، العمى القيمي”.
وللإلمام بمحددات البيئة الافتراضية، ميّز بنيس بين الافتراضي والرقمي والديجيتالي وبيّن ممارسات الأفراد المتصلين والمجموعات الافتراضية و”المؤثرين الافتراضيين” وهيمنة الخواريزميات وأفول البراديغمات.
وأشار المتحدث عينه إلى أن المقاربة البحثية للمجتمع الافتراضي تكون ممكنة بـ”مداخل الأنثروبولوجيا الديجيتالية وطبيعة المتن الديجيتالي واستراتيجيات وتقنيات الاتصال، مع مراعاة المعايير والضوابط المنهجية، والتي تمكن من فهم وتوصيف الانتقال من المجتمع الواقعي (مجتمع التواصل) إلى المجتمع الافتراضي (مجتمع الاتصال) والإمساك بتمظهرات الرباط الديجيتالي في علاقته بتداعيات العلة الاتصالية وتأثيراتها على التمثلات الهوياتية وتفعيل سيولة أفق الاتصال والتحكم في مستقبل حرية التواصل”.
وربط المؤلف التنشئة الديجيتالية بالتحولات القيمية التي “أفضت إلى مواطنة جديدة مكنت في الحالة المغربية من الانتقال من مقولة تَمَغْرِبِيتْ إلى مقولة “نْيْوتَمَغْرِبِيتْ” تتخللها بالتوازي قيم سالبة وانزلاقات ديجيتالية تفرض نوعا جديدا من الضبط الديجيتالي في أفق تبيئة الفضاء الافتراضي المغربي”.
بهذا الصدد، يؤكد سعيد بنيس أن “الانتقال من تَمَغْرِبِيتْ كوعاء هوياتي يحتضن جميع عناصر الشخصية المغربية بما فيها العناصر الثقافية والتاريخية والحضارية والإنسانية، إلى “نْيُوتَمَغْرِبِيتْ” أفضى إلى مواطنة افتراضية جديدة بتمظهرات وتجليات مغايرة لمثيلتها في الحياة المجتمعية”.
ونبه إلى أن “هذه المواطنة أصبحت منقسمة بين قيم إيجابية مُمَكِّنَة تنحو منحى ترسيخ ممارسات التضامن والتعايش والانسجام والإسهام في بناء فضاء موازٍ للتداول المتنوع والمتكامل حول قضايا الشأن العام المغربي إلى قيم سلبية وسالبة غايتها خلق بيئة هجينة وغرائبية تنتج عنها حالة من الاحتباس والتشنج القيمي يمكن أن يؤدي إلى تقويض ركائز العيش المشترك والرابط الاجتماعي بل تكاد كذلك أن تكون خطرا على السلم المجتمعي واستمرارية مكونات التعايش”.
وأبرز سعيد بنيس أن القيم السالبة الصاعدة من الفضاء الافتراضي المغربي “لا تعدو أن تكون سوى انزلاقات ديجيتالية قد تهيمن تداعياتها على مستقبل الأجيال الصاعدة ليصير المجتمع الافتراضي المغربي مجتمعا يعج بغرائبية هوياتية وقيم وممارسات عمياء تضرب في عمق مقولة المواطنة وحيث يصبح الريع الديجيتالي هو أسمى مراتب الحظوة المجتمعية”.