افتتاحية

عيد العرش.. ربع قرن من الإنجازات

عيد العرش.. ربع قرن من الإنجازات

يحتفل المغاربة في الثلاثين من الشهر الجاري بذكرى استثنائية لعيد العرش، وهي مناسبة متزامنة مع مضي ربع قرن على تولي الملك محمد السادس عرش المملكة، والتي قطع خلالها المغرب أشواطا كبيرة على مستويات متعددة، حقوقية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.

حصيلة الجالس على العرش خلال العقدين ونضف الماضيين تختزل الشيء الكثير، رغم ما يمكن أن يسجل من ملاحظات في بلد يتلمس خطواته نحو التقدم والتنمية، إلا أن المُنجز كثير وملموس ويجعل المغاربة متفائلين بالمزيد من المكاسب على مختلف الأصعدة ومواصلة مسيرة البناء مع عاهل البلاد.

حصيلة ما تم إنجازه خلال 25 سنة، تبين بشكل ملموس بأن المغرب استطاع خلال هذه المدة تدارك الزمن السياسي، كما استطاع معالجة أهم النقائص والاختلالات التي سجلها المغرب خلال عقود ما بعد الاستقلال، سواء منها ما يتعلق بماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، أو بتعثر مسار التنمية، وتذبذب المسار الديمقراطي.

25 سنة من حكم الملك محمد السادس، وإن حافظت على العديد من الثوابت في العمل السياسي، فإنها عرفت تجديدا كبيرا على مستوى السياستين الداخلية والخارجية للمملكة المغربية، وهو ما عزز تموقع المغرب على المستوى الإقليمي والقاري والدولي، وساهم في تحسن العديد من المؤشرات التي عززت سمعة وموقع المملكة المغربية.

وإذا كانت مدة 25 سنة تبدو قصيرة نسبيا، فإنها مع ذلك عرفت إنجازات غير مسبوقة، كان لها الأثر الواضح على النَفس السياسي والحقوقي، ووضع عجلة الاقتصاد على سكتها الصحيحة، وتأهيل البنيات التحتية، وفتح أوراش مهيكلة على كافة الأصعدة، حتى بات المغرب مضرب مثل إقليميا وعالميا، في عدد من الجوانب.

ولعل أبرز ما شرع به الملك محمد السادس حقبة حكمه هو إعادة تأطير علاقة المجتمع بالسلطة، عبر فتح الحوار الوطني حول ماضي الانتهاكات الجسيمة، وإحداث هيئة التحكيم المستقلة لتعويض ضحايا الانتهاكات، وهي التجربة التي تطورت إلى هيئة الإنصاف والمصالحة، بطريقة أسست لتجربة مغربية متفردة في المصالحة الوطنية، جعلتها محط اهتمام دولي.

المسار الحقوقي الذي بدأته المملكة تعزز أكثر مع إصلاح المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وإحداث ديوان المظالم، وما ستعرفه هاته المؤسسات من إصلاحات عميقة بإحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومؤسسة الوسيط، الأمر الذي رسخ مأسسة المسار الحقوقي بالبلاد، ونزل بها من تجريد الشعارات إلى واقع الممارسة.

ولأن الانطلاقة التنموية والاقتصادية القوية تتطلب فحصا دقيقا لمكامن القوة والضعف، جاء تقرير الخمسينية الصادر سنة 2005 والذي وضع عقودا من مغرب ما بعد الاستقلال تحت المجهر وعالج قضايا متنوعة وأسس لرؤية جديدة لانطلاق المملكة.

هذه الدينامية تعززت أكثر، بفضل إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وهي المبادرة الهادفة إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفئات الفقيرة وجعل المواطن المغربي أساس الرهان التنموي، وهو ما تحقق بنسبة كبيرة عبر العدد الهائل من المشاريع التي تم إطلاقها.

ولأن التنمية لا تكتمل دون تمكين نصف المجتمع من حقوقه، فتح الملك ورش إصلاح مدونة الأحوال الشخصية، الذي أسفر مدونة الأسرة لسنة 2004، والتي هي الآن موضوع إصلاح جديد وفق مقاربة تشاركية، يرتقب أن تسفر نتائج مهمة للمرأة والأسرة المغربية على حد سواء.

هذا الورش تعزز أيضا عبر تحسين التمثيلية السياسية للنساء بالبرلمان ومجالس الجماعات الترابية والجهات، ومناصب المسؤولية، ما جعل المرأة المغربية تحظى بمكانة مرموقة في عدد من القطاعات الحيوية. دون أن يتم إغفال النهوض بحقوق الشباب، وتعزيز حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة وباقي شرائح المجتمع.

على الصعيد الثقافي، أعطى الملك لكل روافد الهوية المغربية مكانتها، ولعل ذلك ما تأكد من خلال إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2001، والذي توج بتأكيد مكانة اللغة الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية، وانطلاق ورش إدماجها، إضافة إلى تعزيز مكانة الرافد الحساني والصحراوي.

ولا تخطئ العين المكاسب التي حققت طيلة ربع قرن بالصحراء المغربية، التي شهدت دينامية تنموية كبيرة مكنت المواطن المغربي الصحراوي من حقه في التنمية، وقطعت الطريق أمام خصوم الوحدة الترابية، وذلك ما تم من خلال إحداث المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية، وإطلاق مبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية بالمملكة المغربية.

المقاربة تجاه الصحراء المغربية كانت شاملة ومتكاملة، واعتمدت أساسا الشق التنموي عبر إطلاق نموذج تنموي خاص بالأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، وهو المسار الذي توج بانتزاع مزيد من الاعتراف على الساحة الدولية ومحاصرة للطرح الانفصالي، وذلك ما تحقق بفضل عدد من الخطوات، لعل أهمها عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي.

وفي عهد الملك محمد السادس تم أيضا إصلاح التنظيم الترابي بالمملكة المغربية بإحداث اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة، وهو الورش الذي بوء الجهات مكانتها، والذي يرتقب أن يسفر مزيدا من النتائج التنموية.

وإن كانت الإصلاحات والأوراش أكثر من أن تحصر في مقال، فإن الإصلاح الدستوري لسنة 2011، يعد من الأمور التي لا ينبغي إغفالها، لما جسدته اللحظة من تفاعل بين المؤسسة الملكية والمجتمع، في محيط إقليمي متوتر، مما أسفر عددا من الإصلاحات الهيكلية، ليس أقلها توسيع مجال المشاركة المواطنة وإعمال آليات الديمقراطية التشاركية.

خلال ربع قرن، تمكن المغرب من احتضان عدد من المؤتمرات والملتقيات الدولية في شتى المجالات، منها المؤتمر الدولي للمناخ كوب 22، والمؤتمر الدولي لحقوق الإنسان، وغيرها من المحطات التي أبرزت الإشعاع الدولي للمملكة، وأثبتت بما لايدع مجال للشك الرغبة الكبيرة في العالم ومسايرة ركب التطور.

الإنجازات تجلت أيضا في تعزيز الحكامة العمومية؛ وإطلاق ورش إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، وتجويد التدبير العمومي، إضافة إلى اعتماد سياسة جديدة في مجال الهجرة واللجوء، وتحقيق نهضة رياضية، وهيكلة الحقل الديني، وفتح أورش الرقمنة والطاقات المتجددة وغيرها من الإنجازات…

اليوم وبعد مرور 25 سنة تحت ظل حكم الملك محمد السادس تعود إلى أذهاننا كثير من المحطات الصعبة التي اجتازتها بلادنا بحكمة وتبصر، وما يزال المسار التنموي متواصلا بإعلان النموذج التنموي الجديد، وإطلاق ورش الحماية الاجتماعية، وتعزيز الولوج للصحة والسكن، وإقرار الدعم الاجتماعي المباشر، وغيرها من الأوراش المهيكلة، التي يوازيها طموح مغربي للمزيد من الإنجاز في مختلف المجالات، وهو الطموح الذي يتبناها المغاربة إلى جانب ملكهم بكثير من التفاؤل والاستعداد لمواصلة البناء المغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News