الصناعة التقليدية بجهة فاس-مكناس.. إرث ثقافي يتحول إلى قوة اقتصادية

يشهد قطاع الصناعة التقليدية بجهة فاس-مكناس دينامية غير مسبوقة، بفضل العديد من المشاريع المهيكلة المنجزة تحت القيادة النيرة للملك محمد السادس.
وفي حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، يستعرض المدير الجهوي للصناعة التقليدية، عبد الرحيم بلخياط، مختلف جوانب تجديد هذا القطاع الحيوي للاقتصادين الإقليمي والوطني.
1. كيف تفسر هذه الدينامية الاستثنائية التي يشهدها قطاع الصناعة التقليدية بفاس-مكناس في السنوات الأخيرة؟
فعلاً، تشهد جهة فاس-مكناس نهضة حقيقية في مجال الصناعة التقليدية، فقد تم تعزيز ثروتها التراثية خلال السنوات الأخيرة من خلال سياسة طموحة تجمع بين الاستثمارات العامة الضخمة التي وصلت إلى 2.171 مليون درهم لـ139 بنية تحتية للصناعة التقليدية، وتنظيم أفضل للمهن، وظهور جيل جديد من الحرفيين المهرة.
وقد أتاح هذا المعطى نموا ملحوظا في عدد الحرفيين بالجهة، الذي بلغ 144.000 (أي 12% من إجمالي الحرفيين على مستوى المملكة) وحقق رقم معاملات بقيمة 10.6 مليار درهم (أي 11% من إجمالي رقم المعاملات الوطني). كما يضم القطاع 525 مؤسسة صناعية تقليدية و975 تعاونية، ليحتل بذلك المرتبة الثانية بعد الفلاحة.
وساهم الدعم المؤسساتي، الذي قدمته الوزارة الوصية وغرفة الصناعة التقليدية والمجلس الجهوي والسلطات المحلية، بدور محوري في هيكلة القطاع.
وهكذا، عبأت آليات الدعم التقني التي تستهدف بشكل رئيسي سلاسل الجلد والنسيج، ميزانية إجمالية تزيد عن 13.8 مليون درهم على مدى السنوات العشر الماضية.
وبالإضافة إلى ذلك، شكل استحداث السجل الوطني للصناعة التقليدية منعطفا كبيرا في تنظيم القطاع، حيث تم إدراج 55,130 حرفيا (حتى 10 يونيو 2025)، مما أتاح لهم الاستفادة من التأمين الإجباري عن المرض، ومن برامج الدعم التي وضعتها الوزارة الوصية.
2- هل يمكن أن نعتبر إعادة تأهيل المدن العتيقة جزءا من هذه الديناميكية؟
بالتأكيد، تُعد إعادة تأهيل المدن العتيقة، لا سيما فاس ومكناس، ركيزة أساسية في دينامية تثمين التراث الثقافي والاقتصادي للمغرب. وتحظى هذه العملية بدعم ثابت وموصول من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي تمت بفضل الالتزام الشخصي لجلالته تعبئة موارد مهمة وضخ رؤية استراتيجية واضحة.
وبفاس، تم بين عامي 2013 و2024، إطلاق ثلاثة برامج لإعادة التأهيل بتكلفة إجمالية بلغت 1653 مليون درهم. كما تم تنفيذ برنامج آخر بين عامي 2008 و2013 في إطار برنامج تحدي الألفية، بتكلفة 475 مليون درهم، بالإضافة إلى مشاريع أخرى ضمن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
3. ما هي أبرز المشاريع الهيكلية التي تم تنفيذها في القطاع؟
تم تنفيذ العديد من المشاريع الهيكلية لتوفير بيئة عمل حديثة ومناسبة للحرفيين. من بين المشاريع البارزة: منطقة الأنشطة الحرفية عين النقبي بفاس (7 هكتارات) المخصصة للأنشطة النحاسية ومنطقة الأنشطة الحرفية بنجليق (27 هكتارا) للزليج والفخار، ومنطقة الأنشطة الرميكة بمكناس (8 هكتارات)، إضافة إلى تمديد المنطقة الحرفية بتيسة وتطوير مناطق أخرى في عين البيضاء وصفرو والحاجب.
وقد استفاد القطاع من حصة كبيرة في برنامج التنمية الجهوية 2020-2022، حيث تم تنفيذ سبعة مشاريع بتكلفة إجمالية بلغت 168.9 مليون درهم. ويشمل برنامج 2024-2027، الذي هو قيد التنفيذ، ثمانية مشاريع بتكلفة إجمالية تقدر بحوالي 106.5 مليون درهم.
4. كيف انعكست هذه الديناميكية على الصادرات؟ وما هي أهم الإحصائيات في هذا الصدد؟
فعلاً، أثرت هذه الديناميكية بشكل إيجابي على الصادرات. ووفقا لأحدث البيانات المتوفرة، شهدت صادرات المنتجات الحرفية زيادة بنسبة 146% بين عامي 2020 و2024، مع تعافي ملحوظ بعد أزمة كوفيد-19، حيث بلغ إجمالي الصادرات 143 مليون درهم في عام 2024.
كما شهدت الصادرات زيادة بنسبة 38 في المائة في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025 مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
ولا تزال المنتجات الأكثر طلبا عالميا هي الزليج الفاسي، ومنتجات الحرف اليدوية من السلال، والملابس التقليدية، والسجاد، والخزف. وتشمل الأسواق الرئيسية الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وبعض دول الخليج.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن التكنولوجيا الرقمية لعبت دورا مهمًا في هذا الأداء، لا سيما منذ إنشاء منصة بورتنيت التي مكنت من إزالة الطابع المادي عن الإجراءات الجمركية، مما قلص إلى حد كبير من آجال التصدير بالنسبة للحرفيين والتعاونيات، ومكن من الإدماج الرقمي للحرفيين والانتقال إلى مستوى أعلى لقطاع الحرف اليدوية بالجهة.
5. هل استثمرت الدولة أيضا في تكوين الحرفيين وتعزيز تسويق المنتجات؟
يعد تكوين الحرفيين جزءا أساسيا من الاستراتيجية الوطنية لتعزيز هذا القطاع. يتم تقديم التكوين من خلال معاهد متخصصة في الفنون التقليدية ومراكز التأهيل المهني. وخلال السنوات العشر الماضية، استفاد 46.289 حرفيا من برامج التكوين، مع معدل إدماج يصل إلى 75%.
وبجهة فاس-مكناس، التي تشتهر بثراء وتنوع تراثها الحرفي (الزليج والأواني النحاسية والخشبية والجلدية وغيرها)، يوفر هذان البرنامجان التكوين سنويا لمئات الشباب، مما يساهم في ضمان الخلف من الحرفيين، ويشجع على العمل الحر ودعم الدينامية الاقتصادية المحلية.
وقد شهدت الجهة أيضا مشاريع عديدة مثل مركز التدريب والتأهيل في مهن الصناعة التقليدية في البطحاء، وإنشاء أربعة مراكز للتكوين في مناطق مختلفة، بالإضافة إلى برنامج “كنوز الفنون التقليدية المغربية”، الذي يهدف إلى الحفاظ على الحرف المهددة بالاندثار.