مجتمع

أزمة المياه في قناة بنما يضع التجارة العالمية على المحك

أزمة المياه في قناة بنما يضع التجارة العالمية على المحك

كان من المتوقع أن يكون خللا عابرا يمكن حصره بتدابير معينة، لكنه يتحول، يوما بعد آخر، إلى مشكل “مزمن” يهدد جزءا هاما من التجارة العالمية في قناة بنما، التي اضطرت إلى خفض معدل عبور السفن اليومي، بسبب أزمة المياه وموجات الجفاف الشديد.

تعاني القناة، التي تمر عبرها بضائع بقيمة 270 مليار دولار سنويا، من أزمة مياه غير مسبوقة. وبينما يستمر منسوب المياه في الانخفاض، وفق الأرقام الرسمية، تتوقع السلطات في هذا البلد الكاريبي خسائر لا تقل عن 700 مليون دولار هذا العام.

ليست مشكلة المياه في قناة بنما وليدة اليوم، لكنها المرة الأولى التي تضطر فيها هيئة إدارة القناة إلى تقليص معدل العبور اليومي بعد انخفاض منسوب المياه في بحيرة غاتون، وهي مسطح مائي اصطناعي في مدينة بنما يغذي القناة، من 88.8 قدما في نهاية سنة 2022 إلى 81.5 قدما فقط في الوقت الحالي، وهو مستوى لا يكفي لعبور القدرة الاستيعابية المعتادة والبالغة 38 سفينة في اليوم.

قناة بنما.. تحت رحمة الطبيعة

أدت القيود المفروضة على عبور السفن إلى اختناقات وتأخيرات وزيادة تكاليف الشحن البحري وحالة من عدم اليقين بشأن مستقبل القناة التي تحتفل هذا العام بمرور 110 سنوات على افتتاحها.

وقد حذرت دراسة نُشرت في المجلة العلمية العالمية “نيتشر”، من أن كوكب الأرض سيشهد “ظروف جفاف أكثر حدة مثل تلك التي تشهدها بنما نتيجة ظاهرة “النينيو” المرتبطة بارتفاع درجة حرارة المحيط الهادئ، أو فترات من الأمطار الغزيرة، ستؤثر على قرابة 3 ملايير شخص على كوكب الأرض. وفي سيناريو أقل تفاؤلا، يمكن أن يصل العدد إلى 5 ملايير (66 بالمائة من سكان العالم) بحلول نهاية القرن”.

بلغة الأرقام، شعر المستهلكون بالفعل بالتأثير التضخمي للوضع في قناة بنما منذ منتصف العام الماضي، حيث إن 40 بالمائة من حركة شحن الحاويات المتجهة إلى الولايات المتحدة تعبر من القناة التي تُستخدم كبديل لشبكة الطرق والسكك الحديدية التي تربط بين ساحلي البلاد، ما سبب زيادة في السعر النهائي للبضائع.

ووفقا لمجلة “نيتشر”، فإن كل حاوية تكلف خطوط الشحن حوالي 8 آلاف دولار لنقلها، وكل تأخير يشكل ضغطا إضافيا على سعر البضائع. وبينما تبحث شركات النقل البحري الدولي عن بدائل، يتفاقم المشكل كلما استغرق حله وقتا أطول.

ورغم استثمار الحكومة البنمية لحوالي 5 ملايير دولار لتوسيع القناة والسماح للسفن الأكبر حجما بالدخول، إلا أن “تقلبات المناخ” لا تزال تخلق المفاجأة.

تغير المناخ.. تحد كبير أمام التجارة العالمية

يمثل تغير المناخ إشكالية حقيقة بالنسبة للتجارة العالمية، فبالإضافة إلى الصراعات الجيوسياسية بالقرب من بعض نقاط العبور المهمة، تخلق مشاكل الجفاف وانخفاض منسوب المياه والاحتباس الحراري تحديات كبيرة أمام حركة المبادلات الحيوية التي تؤثر على المعيش اليومي للملايين عبر العالم.

ويرى روبيرتو دوران، الأستاذ والباحث بكلية العلوم بمعهد التكنولوجيا في مونتيري بالمكسيك، أنه في ظل صعوبة التحكم في تقلبات المناخ، ثمة بدائل قابلة للتطبيق، مثل تحسين نظام السكك الحديدية والطرق داخل الولايات المتحدة وبناء ممر بين المحيطين في المكسيك في برزخ “تيوانتيبيك”.

ويعتبر الخبير أن هذا الوضع يولد “أزمة ثلاثية”، بدءا بالمشكلة الصحية إثر تفشي الجائحة وإغلاق الحدود، والنزاع الجيوسياسي في الشرق الأوسط حيث توجد ممرات بحرية حيوية، ثم معضلة المناخ التي تحمل عنصر المفاجأة.

وقد بدأت العديد من شركات النقل البحري في الانتقال إلى قناة السويس للوصول إلى الولايات المتحدة عبر الساحل الشرقي، تفاديا للتأخير أو الرسوم الجمركية المرتبطة بعبور بنما، لكن بتكاليف أكبر وسرعة أقل.

وأعلنت قناة بنما، يوم الأربعاء، عن زيادة حركة عبور السفن اليومية إلى 35 اعتبارا من 5 غشت المقبل، بعد تسجيل تساقطات مطرية مهمة.

وفي أفضل الظروف، يتراوح متوسط العبور اليومي عبر القناة الرابطة بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، بين 35 و36 سفينة، لكن الجفاف الشديد أدى إلى خفض الحركة إلى 20 ثم 22، دون الوصول إلى أسوأ سيناريو كان متوقعا بعبور 18 سفينة في اليوم.

ومن المتوقع أن تؤدي القيود المطبقة على العبور، منذ منتصف العام الماضي، إلى تراجع إيرادات القناة من الرسوم بـ800 مليون دولار في السنة المالية الحالية.

ويخدم الممر المائي البنمي أكثر من 180 طريقا بحريا يربط 170 بلدا، ويصل إلى حوالي 1920 ميناء حول العالم.

وتقدم العائدات المحققة من التجارة الدولية في قناة بنما مساهمة قياسية للخزينة العامة للبلاد، تجاوزت ملياري دولار في سنة 2023.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News