مجتمع

حس تشاوري وحد للتأويلات الفردية.. دلالات مطالبة الملك بفتوى المجلس العلمي

حس تشاوري وحد للتأويلات الفردية.. دلالات مطالبة الملك بفتوى المجلس العلمي

أصدر الملك محمد السادس، أميرا للمؤمنين، ورئيسا للمجلس العلمي الأعلى، توجيهاته إلى هذا الأخير لدراسة بعض مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ورفع فتوى بشأنها، وفق ما أكده بلاغ للديوان الملكي، وهو ما يرى فيه مراقبون حسا تشاوريا من الملك وحرصا على احترام المؤسسات الدستورية وإشراك العلماء، إضافة إلى دوره في الحد من التأويلات الدينية الفردية.

وقرر الملك أن يحيل على المجلس العلمي الأعلى “بعض المقترحات المرتبطة بنصوص دينية” التي رفعتها إليه الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، وذلك للإفتاء بشأنها من خلال فتوى جماعية تنطلق من ثوابت الدين الإسلامي الحنيف، وتستحضر فضائل الاجتهاد والاعتدال، وتنشد المصلحة الفضلى للأسرة المغربية.

ويرى مراقبون أن هذه الإحالة الملكية “تنطلق من جوهر اختصاصات إمارة المؤمنين وحرص الملك على توسيع المسار التشاوري بخصوص مراجعة أحكام مدونة الأسرة، بما يستجيب لانتظارات عموم المواطنات والمواطنين”، مؤكدين أن هذه الإحالة تكرس احترام الملك “لعمل المؤسسات الدستورية الوطنية عبر إشراك مؤسسة المجلس العلمي الأعلى في النظر في بعض المقترحات التي لها ارتباط بنصوص دينية تتعلق بقضايا الأسرة”.

تكليف المجلس العلمي الأعلى بهذه المهمة يهدف أساسا، وفق المصدر ذاته، إلى “إشراك العلماء، من خلال إطارهم المؤسساتي، في التفكير الجماعي التشاركي لمراجعة مدونة الأسرة، في ما يتعلق باختصاصهم”، على اعتبار أن “مدونة الأسرة، وإن أدرجها الدستور ضمن مجال التشريع، فإن لها خصوصية مقارنة بالقوانين الأخرى، لكون عدد من مقتضياتها مستمدة من المرجعية الدينية. كما أن هذا التكليف يحيل على الدور المحوري للعلماء في تحصين الأمن الديني للمغاربة بما يكفل احترام التعاليم الدينية السمحة مع مواكبة التطورات المجتمعية”، وفق مراقبين.

وتُعد هذه الإحالة من صميم الصلاحيات الدينية للملك محمد السادس، باعتباره أميرا للمؤمنين، “وهي موجهة حصريا للمؤسسة التي أوكلها الدستور صلاحية إصدار الفتوى”. إضافة إلى أنه قد سبق للمجلس العلمي الأعلى أن “اضطلع بمهام وتكليفات مماثلة، مثل فتوى خطة العدالة بالنسبة للنساء، وفتوى إغلاق المساجد مؤقتا بسبب تداعيات جائحة كوفيد-19، وفتوى استعمال القنب الهندي لأغراض طبية وعلاجية وصناعية…وغيرها”، وفق المصدر ذاته.

وحدد بلاغ الديوان الملكي مقاصد هذه الإحالة في البحث عن التأسيس البناء للمسائل المرتبطة ببعض المقترحات ذات المرجعية الدينية، عبر سلك باب الاجتهاد لتوفير حلول مبتكرة قادرة على كفالة استقرار مؤسسة الأسرة وضمان ديمومتها كخلية أساسية للمجتمع، كما حدد أيضا ضوابط هذه الإحالة والتي ما فتئ الملك يشدد فيها على “أنه لن يحلل حراما ولن يحرم حلالا”.

وأفاد المراقبون أن موضوع هذه الإحالة، لا يهم سوى بعض المقترحات وفق معيار/ضابط واضح، هو تعلقها “بنصوص دينية”، مؤكدين أن استشارة المجلس العلمي الأعلى في المقتضيات الدينية المرتبطة بمدونة الأسرة، “من شأنها أن تعزز المقترحات التي رفعتها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة إلى الملك، وتدعم كذلك باب الاجتهاد لاستنباط مصلحة الأسرة من تعاليم الدين الإسلامي ووسطية أحكامه واعتدال منهجه”.

ولفت المصدر  ذاته إلى أن استصدار هذه الفتوى من الجهة الرسمية المكلفة بالإفتاء المشكلة من خيرة العلماء المغاربة “يضع حدا للتأويلات الدينية الفردية التي لا تراعي الواقع الاجتماعي وتطلبات العصر، ولا تستحضر التفسير المقاصدي للنصوص الدينية، وتعليل الأحكام وتغيرها بتغير المكان والأزمنة والأحوال”.

وتضيف “بلاغ الديوان الملكي أطر هذه الإحالة بضوابط محددة، عبر تذكير المجلس العلمي الأعلى بالسند المعتمد في الفتوى، وهو مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف ومقاصده السمحة، وكذلك بمنطوق الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة، والتي شدد فيها على “اعتماد فضائل الاعتدال والاجتهاد المنفتح البناء”.

 

وتبرز هذه الإحالة الملكية “أهمية فتح باب الاجتهاد في القضايا المستجدة المرتبطة بأحوال الأسرة المغربية، وفق مقاصد الشريعة الغراء، وفضائل الاعتدال والاجتهاد، عن طريق الفهم المتجدد لضوابطها ومقاصدها، بشكل يقدم حلولا راهنة لإشكالات معاصرة، تراعي الواقع والتوقع، وتبحث في أسبابه ونوازله”.

وتساير هذه الإحالة “القوة الاقتراحية والمطالب الاجتماعية المعبر عنها، وفق توفيقيات تجديدية، تستحضر مصلحة الأسرة، واستقرار العلاقات الزوجية، وديمومة السكينة والمحبة بين جميع مكوناتها”، يشدد المراقبون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News