جالية

الجالية المغربية بفرنسا.. عيد أضحى وسط زوبعة سياسية غير مسبوقة

الجالية المغربية بفرنسا.. عيد أضحى وسط زوبعة سياسية غير مسبوقة

غالبا ما تنتهز أحزاب اليمين في أوروبا، وفرنسا على وجه التخصيص، مناسبة احتفال غالبية الجالية المسلمة المقيمة هناك باحتفالات عيد الأضحى، للنيل من المهاجرين، وتحويل لحظة دينية مقرونة بشعائر تعبدية وإيمانية، إلى فرصة لقنص الأصوات والتهجم على أفراد الجالية واستفزازها، وفي أحسن الأحوال التضييق على طقوس عيد الأضحى.

احتفالات عيد الأضحى هذا العام 2024 ستكون بطعم خاص ومختلف، حيث إن مناسبة العيد “الكبير” تتزامن مع انطلاق حملة انتخابية لانتخاب أعضاء الجمعية الوطنية الفرنسية، المزمع إجراء دورها الأول يوم 30 يونيو القادم.

لقد أدخل الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” فرنسا برمتها في زوبعة سياسية ومغامرة كبيرة غير مضمونة العواقب، بعد حله للجمعية الوطنية بتاريخ 9 يونيو الجاري، إثر صدمة نتائج انتخابات البرمان الأوروبي الأخيرة، والتي أعطت نتائجها تفوقا كبيرا لحزب “مارين لوبين” و”جردان برديله”، وعبرهم حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف بنسبة أصوات تزيد عن 31 في المئة، أي تم حصد 30 من أصل 720 مقعدا يتشكل منها البرمان الأوروبي.

الجالية المغربية المقيمة بفرنسا، وهي تتأهب لاحتفالات عيد الأضحى هذه السنة، وجدت نفسها على حين غرة بين مطرقة ضغط انتخابات تشريعية سابقة لأوانها وفجائية، يخيم عليها تسيد اليمين المتطرف، وبين سندان الاحتفالات.

جل أفراد الجالية المغربية لا يحفظون الكثير من الود لحزب “التجمع الوطني”، وكانت أصوات الجاليات المقيمة بفرنسا تتوزع في عمومها بين أحزاب اليسار والجمهوريين ونشطاء البيئة.

لذلك، فصعود اليمين المتطرف في فرنسا، وهو المرشح بقوة لحصد نتائج غير مسبوقة في الانتخابات السابقة لألوانها يوم 30 يونيو، أقلق الجالية المغربية بفرنسا، خصوصا أن القناعة الأيديولوجية لهدا الحزب ترتكز وتنهل أساسا من معين عداء وكراهية المهاجرين، خاصة المغاربيين، ويتم تحميلهم الكثير من التدهور والتراجع وحتى الذي تعيشه فرنسا على الكثير الأصعدة.

وفي قراءة أولية وتحليل للمشهد الحزبي والسياسي في فرنسا، عشية تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، وعلاقة الجالية المغربية بنتائج الاقتراع، نستشف ونخلص إلى ثلاثة نتائج مركزية:

أولا: تم تأجيل زيارة رئيس الحكومة الفرنسية “كابريل أطال” إلى المغرب ومعها لقاءات موازية، لبحث سبل تعزيز الشراكة والصداقة بين الدولتين، في سياق إعادة الدفء للعلاقة بين المغرب وفرنسا، بعد أشهر عديدة من الجفاء. وبالتالي فقد توقفت إلى حين، عجلة البت وتفصيل الكثير من الملفات تهم بحث آفاق الشراكة المتجددة في أكثر من مجال وقطاع، فيما يخدم مصلحة البلدين والشعبين.

ثانيا: ستجد الجالية المغربية نفسها، أمام ثلاث كتل سياسية، تيار اليمين بقيادة “مارين لوبين”، وتيار اليسار بقيادة “جون لوك مولينشون”، زعيم حزب “فرنسا الأبية”، وتيار الرئيس “إيمانويل ماكرون”. ومهما كانت النتائج النهائية في الدور الأول والثاني يوم 7 يوليوز القادم، فان وصول اليمين المتطرف إلى سدة الحكم، وهو مرجح حسب استطلاعات الرأي، لن يكون في صالح الجالية المغربية. وفي حالة فوز اليساريين وعدم قدرتهم على حصد الأغلبية المطلقة، حسب نفس استطلاعات الرأي، سيقوى الجناح اليميني في حزب رئيس الدولة “إيمانويل ماكرون”.

وفي جميع الحالات، فإن الرئيس “إيمانويل ماكرون”، مجبر على التعايش السياسي؛ إما مع رئيس حكومة يساري، وإما مع رئيس حكومي يميني، مما يعني أن مستقبل فرنسا في المحك، وكل السيناريوهات إلى حدود كتابة هده السطور لا تخدم مصالح الجالية المغربية.

ثالثا: خصوصية هده الانتخابات التشريعية الفرنسية هي الحضور الوازن والمؤثر بشكل غير مسبوق للملفات الدولية على نظيرتها الوطنية. فحرب غزة تلقي بالكثير من الظلال على هذه الانتخابات، خاصة من جهة اليسار، والحرب في أوكرانيا من جهة اليمين، واستمرار هيمنة حلف الناتو مع الطرح الوحدوي الأوروبي الذي يدافع عنه الرئيس ماكرون، رغم كل التحفظات السيادية المثارة بشأنه.

في هذا الإطار، نسجل ارتباكا وتجييشا مركزا  للّوبي اليهودي الفرنسي، جماعة ضغط. وهو لوبي قوي ونافذ، له تأثير على القطاعات الحيوية في فرنسا، كالمال، الإعلام، الفن، والثقافة… إلخ. فاللوبي اليهودي الفرنسي (الموالي في معظمه لأطروحة بنيامين نتنياهو) يحاول بكل إمكانياته وأوراقه إقحام تهمة “معاداة السامية” في قلب الانتخابات التشريعية الفرنسية، لقطع الطريق على اليساري “جون لوك ميلونشون”، وكذلك الضغط على اليمينة مارين لوبين لتقديم الكثير من التنازلات.

هي إذن مغامرة انتخابية تعيشها فرنسا، وغليان حزبي، وسط تجاذبات عاصفة و”صادمة” تكسر كل القواعد القديمة في اللعبة السياسية الفرنسية، مما يجعل من هذه الانتخابات؛ ليس فقط مهمة ومركزية في تاريخ الجمهورية الخامسة، بل في عموم أوروبا والعالم.

ونظرا لطبيعة العلاقات المغربية الفرنسية التاريخية والقوية، والحضور الوازن للجالية المغرب بفرنسا، فمن الطبيعي أن يراقب المغرب والمغاربة عن كثب مجريات الزلزال السياسي في فرنسا.

فالرئيس “إيمانويل ماكرون”، الغر السن والتجربة السياسية، الذي انتخب رئيسا لفرنسا يوم 7 أبريل 2017، وأعيد انتخابه في شهر أبريل 2022 لولاية رئاسية ثانية، في مواجهة اليساري “ميلونشون” واليمينية “لوبين”، والذي بشر بنهاية اليمين واليسار بعد احتواء متوهم وظرفي، ذلكم الرئيس الذي كان يتمختر بين أهرامات متحف اللوفر، مزهوا بنفسه، منتشيا بفوزه، أصبح اليوم “مقامرا”؛ إن بمستقبله السياسي أو بمصير فرنسا.

لقد هوت شعبية “إيمانويل ماكرون” إلى أدنى الحدود، بل أصبح “ممنوعا” من الظهور في التجمعات الانتخابية لحزبه، إذ إنالكثير من رفاقه بالأمس، يطلبون منه التواري عن الأنظار، لكونه سبب “النكسة”.

ليس من خيار للجالية المغربية بفرنسا، إلاَ تدبير الزمن الانتخابي بنباهة وعدم السقوط في الاستفزازات العنصرية. وفي هذا الباب يمكن القول، إن الجالية المغربية بفرنسا، أضحت واحدة من أهم وأقوى الجاليات الأجنبية المقيمة بفرنسا، ومرد ذلك لاستراتيجية الصمود الدبلوماسي المغربي، وجدارة التفوق الأمني للمملكة الذي لا يتردد كل الساسة الفرنسيين باختلاف وتعدد مشاربهم الحزبية وحتى غير المسيسين، المتعاقبين على بلاطوهات القنوات الفرنسية من الإشادة به.

لقد برعت الدبلوماسية المغربية في التعاطي مع مختلف الإكراهات الدولية، بمرونة تارة وبحزم تارة أخرى، هذا فضلا عن الدينامية الاقتصادية التي يعرفها المغرب. فخلال زيارتهما للمغرب أبريل 2023 وأكتوبر من نفس السنة، وقف وأشاد كل من “أريك سيوطي” زعيم حزب الجمهوريين، الذي يعيش صعوبات تنظيمية حاليا بسبب رغبته في التحالف مع “مارين لوبين”ـ “وجون لوك ميلونشون” زعيم حزب “فرنسا الأبية”، الذي يواجه فيتو إسرائيل ضاغط للغاية، أشاد ووقف القياديان الفرنسيان الاثنين معا عن كثب على مكانة المغرب كدولة وعلى قيمة الجالية المغربية في رقعة الشطرنج الفرنسية.

وبغض النظر عن مخرجات الانتخابات السابقة لأوناها في فرنسا وفي غمرة تنظيم دورة الألعاب الأولمبية، تبقى ملفات الأمن، الهجرة، مواجهة التضخم، وقف النزيف الاجتماعي، والتشغيل، عناوين كبرى للحملات الانتخابية الجارية على قدم وساق، وهي في نهاية المطاف شأن داخلي فرنسي، بيد أن التفكير في مستقبل آخر للجالية المغربية، المرشح للكثير من التغيرات بما فيها فرضيات العودة للبلاد وتضييق العيش بدعوى عدم الاندماج، وما يطرح ذلك من تراجع في مكاسب اجتماعية واقتصادية معتبرة من العملة الصعبة، أصبح حتميا للخوض في البدائل الممكنة.

وفي انتظار رؤية الدخان الأبيض.. وإعلان النتائج النهائية، حان وقت إعادة النظر في سياسة الهجرة والرهان عليها، خاصة أن البلاد أضحت قوة إقليمية صاعدة وواعدة وبشهادة الجميع.

وإلى ذلك، وفي انتظار بلاغات وبيانات الإليزيه ودهاقنته، وجب القول إن الانتخابات التشريعية الفرنسية السابقة لأوانها الدائرة رحاها اليوم، جديرة بالمتابعة والدروس. وعيد مبارك سعيد لكل أفراد الجالية المغربية بالخارج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News