دولي

الأوروبيون يتطلعون لمزيد من الأمن والصحة والقدرة الشرائية بمنطقتهم

الأوروبيون يتطلعون لمزيد من الأمن والصحة والقدرة الشرائية بمنطقتهم

الأمن، الصحة، القدرة الشرائية، العمل المناخي والمكتسبات الأوروبية.. قبل أيام قليلة من الانتخابات الأوروبية التي ستجري أطوارها خلال الفترة ما بين 6 و9 يونيو، تشكل هذه أبرز الانتظارات، الاهتمامات والوعود التي تهيمن على استطلاعات الرأي لدى الناخبين والتصريحات العمومية لمختلف القوى السياسية بالدول الأعضاء الـ 27 في الاتحاد الأوروبي.

هي مواضيع تتناسب تماما مع السياقات الأوروبية والدولية. ففي الواقع، تقترب الولاية الحالية للمؤسسات الأوروبية (2019-2024) من نهايتها، في الوقت الذي شكلت فيه الحرب الروسية-الأوكرانية صدمة حقيقية أيقظت كوابيس كانت تعتبر مدفونة إلى الأبد، وحبس الوباء أنفاس اقتصاد أوروبا التي لم كانت قد خرجت للتو من أزمات متتالية، إلى جانب التضخم الذي لا يزال يستنزف القدرة الشرائية، والمنافسة الصينية والأمريكية التي تقوض القدرة التنافسية الأوروبية، وتغير المناخ الذي يؤثر بقوة على مجموع أوروبا، بينما أضحت المكتسبات الأوروبية مهددة أكثر من أي وقت مضى، بسبب الصعود المريب والمخيف في ذات الآن للتطرف والشعبوية.

ومن الواضح أن أحدث استطلاعات الرأي، التي أجريت في الدول السبع والعشرين الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، تقدم لمحة عامة عن الوضع.

الأمن أولا. بحسب استطلاع للرأي أجراه معهد “بي. في. إي إكسايت”، فإن أزيد من ستة من كل عشرة أوروبيين يخشون حربا وشيكة مع روسيا. وفي مواجهة هذا التهديد، يؤيد 60 في المائة ممن شملهم الاستطلاع وجود جيش أوروبي، على الرغم من عدم وجود أي نقاش حول ذلك حاليا على الطاولة الأوروبية. وبغض النظر عن طبيعة الإجراءات، فإن ثلاثة أرباع الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع يريدون رؤية العمل الأوروبي يتعزز في مجال الدفاع.

ويتردد هذا المطلب الجماعي من أجل المزيد من الأمن في كثير من الأحيان ضمن خطابات المسؤولين السياسيين. وقال رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، في أحد المنابر الإعلامية إن “الوقت قد حان لتحمل مسؤولية أمننا الخاص. بحلول العام 2030، يتعين علينا مضاعفة مشترياتنا من الصناعة الأوروبية (…). وهذا من شأنه تعزيز صناعتنا الدفاعية وتحسين الاستعداد الدفاعي”.

وبعد تردد طويل، استجاب البنك الأوروبي للاستثمار لمختلف الدعوات، معلنا تيسير الولوج إلى تمويله من قبل الشركات العاملة في قطاع الدفاع.

ويذهب الممثل السامي للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إلى أبعد من ذلك: “يجب على كل أوروبي أن يستوعب أن الدفاع الفعال شرط أساسي لمستقبل نموذجنا الاجتماعي والبيئي والديمقراطي. لقد بدأنا التحرك في هذا الاتجاه، ولكن ستكون هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود خلال الأشهر المقبلة”.

بعد ذلك، يرغب الناخبون الأوروبيون في اختيار ممثلين يضعون الصحة والقدرة الشرائية على رأس أولوياتهم.

وتعاني بلدان الشرق والجنوب بشكل خاص من إشكالية إدارة الصحة العامة، لاسيما اليونان، التي جعلت من قضية الصحة همها الرئيسي، وفقا لآخر استطلاعات الرأي.

وبالنسبة لأورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية والمرشحة للظفر بولاية ثانية (باسم حزب الشعب الأوروبي الذي ينتمي إلى يمين الوسط)، فإن قضية الصحة حاضرة ضمن أجندتها. حيث تضعها المرشحة الألمانية ضمن “قائمة ما يجب فعله” خلال ولاية جديدة على رأس السلطة التنفيذية. وهي لا تتوانى في الدفاع عن حصيلتها، من خلال تسليط الضوء على بعض المرونة التي تجلت بشكل خاص من خلال المشتريات الجماعية لجرعات اللقاح والاستراتيجية التي مكنت من تجنب المنافسة المحتدمة بين الدول الأعضاء.

وإذا كانت الصحة تشكل ضرورة أساسية بالنسبة للأوروبيين، فإن القوة الشرائية ليست أقل أهمية من ذلك. فكلاهما تضرر بشدة على التوالي جراء أزمة “كوفيد-19” والحرب في أوكرانيا. وكانت الحلقة التضخمية المستمرة، والتي أعقبت التوترات مع روسيا سببا في خفض القدرة الشرائية للأوروبيين. ويعتقد الخبراء أن العودة إلى المستويات السابقة غير ممكنة عمليا، حيث تظهر أحدث الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات) انخفاضا في التضخم يبقى بعيدا كل البعد عن طمأنة الأوروبيين. هكذا، لا تزال سلة الأسر المعيشية عند مستويات مرتفعة.

ومباشرة بعد هذه المواضيع الثلاثة التي تحتل الصدارة (الأمن، الصحة والقدرة الشرائية)، يأتي المناخ. حيث تمثل مكافحة تغير المناخ أولوية بالنسبة لـ 43 في المائة من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع، بحسب المسح الذي أجراه معهد “بي. في. إي إكسايت”، لكن الموضوع يقسم بشدة بحسب الدول: حيث يعتبر 63 في المائة من المالطيين التدخل بهذا الشأن مسألة أولوية، مقابل نحو 15 في المائة فقط من الإستونيين.

وفي جميع الأحوال، فإن غالبية الأوروبيين على استعداد لبذل الجهود لمكافحة تغير المناخ. حيث يؤيد ستة من بين كل عشرة أوروبيين الحد من استخدام المبيدات الحشرية في الزراعة “حتى لو أدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار”.

كما أن 57 في المائة من الأوروبيين يوافقون على فكرة الاستثمارات الضخمة في وسائل النقل العمومية “حتى لو كان ذلك على حساب وسائل النقل الأخرى”.

ومع ذلك، فإن مسألة تأثير التحول البيئي على التنافسية الاقتصادية الأوروبية، في مواجهة المنافسة الأمريكية والصينية، غالبا ما تخيم على آراء بعض الأطراف في المشهد السياسي الأوروبي.

وبهذا الخصوص، تبدو السلطة التنفيذية الأوروبية مطمئنة. ففي خطاب حالة الاتحاد الذي ألقته في 13 شتنبر، أشارت أورسولا فون دير لاين إلى أن الصناعة الأوروبية تظهر كل يوم أنها مستعدة لتسهيل هذا التحول، عبر إظهار أن التحديث وإزالة الكربون يمكنهما السير جنبا إلى جنب.

وقالت “بينما ندخل مرحلة جديدة من الصفقة الخضراء الأوروبية، لن يتغير شيء واحد. سنواصل دعم الصناعة الأوروبية طوال هذه الفترة الانتقالية (…). لأننا نعتقد أن هذا التحول ضروري لضمان القدرة التنافسية المستقبلية لأوروبا. وهذا لا يقل أهمية بالنسبة لمواطنينا ووظائفهم اليوم”.

وهناك مواضيع أخرى مثل الهجرة، التي يطرحها اليمين واليمين المتطرف في الحملة الأوروبية، تثير اهتمام بعض الناخبين، لكنها تأتي، بشكل عام، بعد القضايا التي تعتبر ذات أولوية أكبر فيما يتعلق بالشعور بالأمن، والرخاء والمعيش اليومي للأوروبيين.

وفي جميع الأحوال، يعتبر جوزيب بوريل أن هذه الانتخابات الأوروبية ستشكل “لحظة حاسمة” بالنسبة للمستقبل المشترك لأوروبا، قائلا “لكي يظل المشروع الأوروبي على قيد الحياة، ينبغي أن يكون قادرا على رفع التحديات الجيوسياسية والاقتصادية والديمقراطية التي نواجهها. ويجب أن يكون لدى الأوروبيين الشعور بالإلحاح الضروري ليكونوا عند مستوى المهمة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News