دولي

حرب غزة.. حين تتحوّل الإبادة إلى مشروع اقتصادي عالمي بيد إسرائيل

حرب غزة.. حين تتحوّل الإبادة إلى مشروع اقتصادي عالمي بيد إسرائيل

ي تحول يعكس البعد الاقتصادي لواحدة من أكثر الحروب دموية في العصر الحديث، كشفت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، عن تواطؤ مئات الشركات العالمية الكبرى في دعم ما وصفته بـ”اقتصاد الإبادة” الذي تديره إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

جاء ذلك في تقرير من 39 صفحة أصدرته ألبانيز، بعنوان: “تحويل اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي إلى اقتصاد إبادة”، ليفصل بالأرقام والأسماء كيف تحولت البنية الاقتصادية للاحتلال إلى منظومة ربحية تعتمد على التهجير والتدمير والقمع، بغطاء تقني وتمويلي دولي.

وتظهر قاعدة بيانات أعدتها الموظفة الأممية، بعد تلقيها أكثر من 200 بلاغ موثق، أن أكثر من 1000 شركة من قطاعات متعددة، متورطة بشكل مباشر في دعم الاحتلال والاستيطان، فضلا عن الإبادة الجماعية المتواصلة في قطاع غزة.

تورط عملاقة التكنولوجيا

وكشف تقرير ألبانيز عن الدور المحوري الذي تلعبه شركات التكنولوجيا الكبرى في دعم البنية التحتية الرقمية والعسكرية لإسرائيل، مما يعزز قدراتها في الحرب على غزة.

وأوضح التقرير أن شركات مثل غوغل وأمازون ومايكروسوفت وفّرت أدوات متقدمة لإدارة البيانات والاستهداف والمراقبة، رغم اتهام إسرائيل بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي.

في عام 2021، حصلت غوغل وأمازون على عقد “نيمبوس” بقيمة 1.2 مليار دولار لتوفير بنية تحتية سحابية وتعلم آلي للحكومة الإسرائيلية، وشكّلت هذه التقنيات بديلا حيويا بعد تعطل السحابة العسكرية في أكتوبر 2023.

كما تدير مايكروسوفت، بحسب ألبانيز، أكبر مركز أبحاث لها خارج أمريكا في إسرائيل، وتدمج تقنياتها المدنية في الجيش منذ عام 2003، وتستحوذ على شركات إسرائيلية في الأمن السيبراني.

ذكاء اصطناعي يقتل

لا تقف مساهمة هذه الشركات عند تهيئة البنية التحتية الرقمية، إذ اتهمت المقررة الخاصة للأمم المتحدة، في تقريرها، شركات تكنولوجية دولية بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي في تطوير واستخدام أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة لإدارة عملياته العسكرية خلال العدوان على غزة، بما في ذلك اختيار الأهداف.

وأشار التقرير إلى أن الجيش الإسرائيلي طور خلال السنوات الأخيرة أدوات ذكاء اصطناعي مثل “لافندر” و”غوسبل” و”ويرز دادي”، تُستخدم لتحليل البيانات وإنشاء قوائم أهداف تلقائية، ما غيّر طبيعة الحروب الحديثة، وعكس ما وصفته ألبانيز بـ”الاستخدام المزدوج” لتقنيات الذكاء الاصطناعي في السياقات العسكرية.

كما سلط التقرير الضوء على دور شركة “بالانتير” الأمريكية، التي زوّدت إسرائيل بأدوات تنبؤ شرطي، وبنية تحتية لتسريع تطوير ونشر البرامج العسكرية، إلى جانب منصات لدمج بيانات ساحة المعركة واتخاذ قرارات آلية في الزمن الفعلي.

وأشارت ألبانيز إلى أن تعاون “بالانتير” مع إسرائيل يعود لسنوات، لكنه تصاعد بعد أكتوبر 2023، معتبرة أن استمرار دعمها رغم الأدلة على انتهاكات محتملة يرتقي إلى تواطؤ في جرائم دولية.

. أرباح من رماد غزة

لم يكن التدمير الهائل في غزة مجرد مأساة إنسانية، بل شكّل فرصة ربحية لشركات أسلحة إسرائيلية وأجنبية، التي استفادت بشكل مباشر من التصعيد العسكري والإبادة الجماعية المستمرة بحق الفلسطينيين.

وأفاد التقرير أن شركتي “إلبيت سيستمز” وصناعات الفضاء الإسرائيلية (IAI) حققتا قفزات ملحوظة في أرباحهما السنوية، مدفوعة بزيادة بنسبة 65 بالمئة في الإنفاق العسكري الإسرائيلي بين عامي 2023 و2024، والذي بلغ 46.5 مليار دولار، أحد أعلى المعدلات عالميا.

وأوضح التقرير أن المكاسب لم تقتصر على الشركات الإسرائيلية، بل شملت أيضا شركات تصنيع أسلحة أجنبية، خاصة المنتجة للذخائر والمعدات العسكرية، نتيجة الطلب المتزايد بسبب العمليات العسكرية في غزة.

كما استفادت إسرائيل من مشاركتها في برنامج مقاتلات “إف-35″، الذي تقوده “لوكهيد مارتن” بالشراكة مع 1650 شركة من 8 دول، بينها “ليوناردو” الإيطالية.

وتساهم هذ الشركات الدولية، وفق التقرير، في إنتاج مكونات طائرات “إف-35” الإسرائيلية، التي تُصنّع وتُصان بالتعاون مع شركات دفاع محلية، ما يجعلها منتجاً عسكرياً دولياً. وذكر أن إسرائيل كانت أول من استخدم هذه الطائرات في القتال عام 2018، وأعادت استخدامها في “وضع الوحش” خلال هجومها على غزة عام 2025.

بعد أكتوبر 2023، “أصبحت “إف-35″ محور العمليات الجوية وأسهمت في إسقاط نحو 85 ألف طن من القنابل، ما أسفر عن أكثر من 179 ألف قتيل وجريح فلسطيني، ودمار واسع”.

كما أشار التقرير إلى تورط شركات مثل IBM وHP وNSO في تطوير أنظمة مراقبة بيومترية وتجسس، ساهمت في فرض رقابة مشددة على الفلسطينيين وتكريس نظام الفصل العنصري.

** من وول ستريت إلى تل أبيب

لم تكن التكنولوجيا والسلاح وحدهما في قلب اقتصاد الإبادة، بل كان المال عنصرا أساسيا، فرغم المجازر التي خلفتها إسرائيل، واصل عدد من البنوك وشركات الاستثمار دعم الاقتصاد الإسرائيلي.

بحسب تقرير ألبانيز، زاد حجم استثمارات صندوق الثروة السيادي النرويجي في الشركات الإسرائيلية بعد عملية طوفان الأقصى بـ 32 بالمئة لتصل إلى 1.9 مليار دولار، “رغم ادعاءه بالالتزام بالمعايير الأخلاقية”.

ومع نمو الميزانية العسكرية في إسرائيل من 4.2 بالمئة إلى 8.3 بالمئة من الناتج المحلي بنهاية 2024 تفاقم عجز الموازنة إلى 6.8 بالمئة، لتلجأ الحكومة الإسرائيلية إلى تمويل هذه الميزانية الضخمة عبر زيادة إصدار السندات.

شمل ذلك إصدار سندات بقيمة 8 مليارات دولار في مارس/آذار 2024، و5 مليارات في فبراير الماضي، لتتدخل بعض أكبر البنوك في العالم مثل “بي إن بي باريبا” وباركليز لتعزيز ثقة السوق من خلال الاكتتاب في سندات الخزانة الدولية، “ما أدى إلى احتواء علاوة سعر الفائدة على الرغم من خفض التصنيف الائتماني”.

كما كان لشركات إدارة الأصول الكبرى دورا أيضا بحسب التقرير، حيث أشار إلى أن بلاك روك وفانغارد وأليانز اشتريا تلك السندات بقيمة (68 مليون دولار) و (546 مليون دولار) و (960 مليون دولار) على التوالي.

تلك المعطيات برمتها أدت وفق ألبانيز، إلى زيادة قياسية بلغت 179 بالمئة في أسعار أسهم الشركات المدرجة في بورصة تل أبيب، منذ بدء الهجوم على غزة، مما أدى إلى مكاسب بلغت 157.9 مليار دولار.

** جرافات الإبادة

على الأرض، استخدمت الجرافات أكثر من الطائرات في كثير من الأحيان، إذ زودت شركة كاتربيلار الأمريكية إسرائيل بجرافات “D9” العسكرية التي استخدمت منذ عام 2000 في الهدم، واقتحام المستشفيات، وحتى دفن الجرحى أحياء، كما وثّق التقرير، لتحصل الشركة على عقد جديد بملايين الدولارات في 2025.

وأشار التقرير إلى أن شركات فولفو السويدية وهيونداي ودوسان الكورية واصلت تزويد إسرائيل بمعدات ثقيلة استخدمت في تدمير قطاع غزة، الذي تضرر أكثر من 70 بالمئة من أبنيته و95 بالمئة من أراضيه الزراعية بعد أكتوبر 2023، بحسب الفاو.

السيطرة على الموارد

أساسيات الحياة هي الأخرى لم تكن بمعزل عن هذا الاقتصاد، إذ أفاد تقرير ألبانيز أن إسرائيل ترغم على الفلسطينيين شراء المياه من مصدرين رئيسيين للمياه الجوفية في أراضيهم، بأسعار مرتفعة وكميات متقطعة، مع احتكار شركة “ميكوروت” الإسرائيلية لإمدادات المياه، مما يمنحها نفوذا مباشرا على هذا المورد الحيوي.

وفي غزة، يعد أكثر من 97 بالمئة من المياه الجوفية غير صالحة للاستهلاك البشري، ما يدفع السكان للاعتماد شبه الكامل على خطوط “ميكوروت”.

وبعد أكتوبر 2023، شغّلت الشركة هذه الخطوط بنسبة 22 بالمئة فقط من طاقتها لمدة ستة أشهر، مما حرم القطاع من المياه 95 بالمئة من الوقت، وهو ما اعتبر استخداما منهجيا للمياه كسلاح ضمن سياسة إبادة جماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News