سياسة

أكاديميون ينتقدون “الشلل” التشريعي للبرلمان ودعوات لتوسيع حضور المعارضة

أكاديميون ينتقدون “الشلل” التشريعي للبرلمان ودعوات لتوسيع حضور المعارضة

لم يُبْدِ أكاديميون رضاهم بمستوى ممارسة البرلمان للأدوار التشريعية والرقابية والتقييمية للمؤسسة التشريعية خاصة بعد توسيع صلاحيتها في دستور 2011، منتقدين “التلازم بين الأغلبية الحكومية والأغلبية البرلمانية” و”محاصرة البرلمان بتقنيات العقلنة البرلمانية” بالإضافة إلى “محدودية” حضور البرلمان في مجال التشريع مقابل “هيمنة” الحكومة على حصيلة التشريع.

وقارب جامعيون حصيلة عمل البرلمان المغربي ضمن الندوة الوطنية التي دعا إلى التئامها المعهد المغربي للدراسة السياسية والبرلمانية بشراكة مع مجلة دفاتر  برلمانية، اليوم الأربعاء، والتي حملت عنوان “البرلمان المغربي: ستون سنة من الممارسة… وترسيخ الخيار الديموقراطي” والتي عرفت إلى جانب تشريح عمل البرلمان تكريماَ خصَّه المنظمون بشخصية الراحل، عبد الواحد الراضي، رئيس مجلس النواب لعدد من الولاية التشريعية.

“حكومةٌ برلمانية”

ومن ضمن المتدخلين في الندوة الوطنية، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سويسي بالرباط، عبد الحفيظ أدمينو، الذي قال إن “الممارسة البرلمانية أكدت على معطى مهم وهو التلازم بين الأغلبية البرلمانية والأغلبية الحكومية”، مشيرا إلى أن الذي يزكي هذا التلازم هو “النص الدستوري الذي يؤكد على ضرورة تعيين رئيس الحكومة من قبل الملك بناء على نتائج انتخابات أعضاء مجلس النواب”.

وأضاف الأكاديمي أن “هذا التلازم أدى إلى نوع من الارتباط ليس فقط على المستوى القانوني وإنما كذلك على المستوى العضوي”، مسترسلا “إلى درجة أن أصبح البعض يتحدث عن ما يعرف بالحكومة البرلمانية”.

وأورد أدمينو في تفسير لتأثير هذا “التلازم بين الأغلبية الحكومية والبرلمانية” مثال “الجدل الذي أثير في جلسة مجلس النواب، الإثنين الماضي، بخصوص مسألة حضور الوزراء إلى جلسات الأسئلة الشفوية، حيث ظهرت فرق الأغلبية مُدافعةً عن الحكومة في مواجهة اتهامات المعارضة بتخلف أعضاء الحكومة عن الحضور للجلسات الرقابية”.

وتابع المتحدث ذاته أن “هذا الدمج العضوي بين مكونات الأغلبية البرلمانية ومكونات الحكومة هو الذي يفسر تنديد المعارضة بما تعتبره هيمنة بالمنطق الأغلبي والعددي”.

تعطيلٌ للأدوار البرلمانية

ولم ينف الأكاديمي ذاته أن يكون لهذا التلازم والدمج بين الأغلبية البرلمانية والأغلبية الحكومية تأثير على “أداء برلمانيي الأغلبية الذي ينتمون إلى الأغلبية سواء في ما يتعلق بالمبادرة التشريعية أو المباردة الرقابية وكل ما يرتبط بوظائف البرلمان”.

وأشار أدمينو إلى “أننا وصلنا اليوم إلى لحظة نتساءل فيها حول الإمكانيات القانونية والمؤسساتية التي يمكن من خلالها الحفاظ على مسافة بين البرلماني، سواء أكان في الأغلبية أو في المعارضة، وبين مكونات الحكومة”.

وفي تقييمه لدور المعارضة خلال التجربة البرلمانية المغربية ما بعد دستور 2011، أشار أدمينو إلى “مأسسة موقع المعارضة”، موضحا أن “المعارضة اليوم أصبحت تحظى بنظام قانوني متميز من خلال الفصل 10 من الدستور والذي يحدد حقوق فرق المعارضة عبر ضمان الأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان وهياكل المجلس لشروط ممارستها”.

وعاد الأكاديمي ليذكر بتأثير “التلازم بين الأغلبية الحكومية والأغلبية البرلمانية” على أداء المعارضة البرلمانية “سواء في ما يتعلق بتمكينها من الزمن الكافي من أجل ممارسة أدوارها في إطار الزمن البرلماني أو حتى على مستوى التعاطي مع المبادرة التشريعية البرلمانية”.

وربط المتحدث ذاته الصعوبات التي تواجهها المعارضة البرلمانية بـ”مستوى الثقافة السياسية والثقافة البرلمانية لدى الحكومة التي لازالت لا تتعامل مع المبادرة التشريعية البرلمانية بالشكل الذي يُمَكِّن المعارضة من عرض وبسط مقترحاتها وكذلك مناقشتها مع الحكومة”.

برلمان مشلول تشريعيا

من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، أحمد بوز، إنه “رغم التقدم الذي عرفه البرلمان سواء من الناحية الكمية أو من ناحية نوعية الإنتاج التشريعي والرقابي وحتى التقييمي إلا أنه يمكن القول بأن عمل البرلمان لازال محدودا من ناحية ممارسته لأدواره الرقابية والتشريعية والتقييمية”.

وتابع بوز قائلا إن “العمل التشريعي لايزال مطبوعا بمحدودية النصوص التشريعية التي ينتجها البرلمان واستمرار بطء الزمن التشريعي خاصة القوانين التي يحيط بها الجدل من قبيل القانون الجنائي والقانون التنظيمي للإضراب والقانون التنظيمي للنقابات”.

وضمن أوجه محدودية عمل السلطة التشريعية، أورد الأكاديمي ذاته أن “دور البرلمان في مجال المبادرة التشريعية لايزال محدودا” لكنه عاد ليستدرك، في تفكيكٍ للعوامل المفسرة لهذه المحدودية، مشيرا إلى “إجراء الدفع بعدم القبول التشريعي والذي يشكل عائق أمام المشرع” موردا عن ذلك مثال “اكتفاء الحكومة في اعتراضها على المبادرة التشريعية برسالة من الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان” ومواصلا أنه “للحكومة عدد من الطرق لإسقاط المبادرة التشريعية خاصة عن طريق أغلبيتها في الجلسات العامة”.

وأجاب بوز الذين يعتبرون أن كثرة اعتماد مشاريع القوانين بالإجماع أو من خلال القراءة الأولى فقط عنوانا للتوافق السياسي أن “هذا لا يصلح في جميع الحالات وأن القوانين الجيدة هي (لي كطيب على لفاخر وماشي على البوطة)” في انتقاد غير مباشر لـ”طغيان” مشاريع القوانين على الحصة الأكبر من النصوص القانونية التي يصادق عليها البرلمان، مسجلا أن “البرلمان مكان للصراع والتنافس وليس مكانا للمجاملة”.

واعتبر الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري أن “العمل الرقابي للبرلمان لم يخرج بعد عن نطاق توظيف أسئلة ذات تأثير محدود، سواء الكتابية منها أو الشفوية” لافتا إلى أن “ملتمسات الرقابة ظلت غائبة منذ سنة 1990 بالإضافة إلى أن مجلس النواب لم يوظف لجان تقصي الحقائق منذ سنة 2011”.

وختم بوز تشريحه لحصيلة المؤسسة التشريعية قائلا إن “دستور 2011 مهم” معتبرا إياه بمثابة “أحسن وثيقة دستورية عرفها التاريخ الدستوري المغربي” لكنه استدرك في المقابل أنه “لم يَحُل مجموعة من الإشكاليات المرتبطة بالمؤسسة البرلمانية خاصة من خلال محاصرتها بالكثير من آليات العقلنة البرلمانية”، وموضحا أن “العقلنة البرلمانية مطلوبة لكن ليس إلى درجة إثقال كاهل المؤسسة البرلمانية بالعديد من التقنيات التي تشكل عبء على العمل البرلماني”.

المواطنة والتمثيلية السياسية

ومن ضمن المتدخلين في هذه الندوة الوطنية التي شرَّحت واقع المؤسسة التشريعية بالمغرب، منسقة ماستر العمل السياسي والعدالة الدستورية بكلية العلوم القانونية السويسي، وفاء الفيلالي، والتي ركزت على طرح سؤال العلاقة بين المواطنة والتمثيلية السياسية واستدعاء نسبة نجاح البرلمان المغربي في الدمج السياسي لكل الأطياف السياسية، مشددة على ضرورة “حفاظ أي حزب نجح في الانتخابات على علاقته مع باقي الأحزاب السياسية”.

وعن الهيئة الناخبة تساءلت الأكاديمية ذاتها عن العوامل المتحكمة في الاختيارات السياسية للناخب المغربي حينما يتوجه إلى التصويت قائلا: “هل يختار بين الأحزاب السياسية أم يعتمد على البرامج الانتخابية أم أنه لازالت تؤثر القرابات العائلية على اختياراته السياسية؟”.

وبخصوص العلاقة بين الناخب والمنتخب بعد لحظة التصويت، واصلت مداخلة الباحثة في العلوم السياسية في طرح الأسئلة، حينما استفسرت “هل كل برلماني له خلية تواصل مع الدائرة التي انتخب فيها أم أن علاقاته مع الناخبين يتم اختزالها في لحظة التصويت وتقديم أجوبة نسبية وظرفية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News