مجتمع

باحثون: الرقمنة ساهمت في تفعيل الديمقراطية الإدارية وقلّصت مظاهر الفساد

باحثون: الرقمنة ساهمت في تفعيل الديمقراطية الإدارية وقلّصت مظاهر الفساد

لا شك أن الجائحة أفضت إلى الكثير من التغيرات على عدة أصعدة، فكلما طالت مدة المعركة مع الوباء، كان مستوى التغيير أكبر، لكن هناك من يرى أن بعض هذه التغيرات إيجابية الأثر خاصة ما يتعلق بالالتحاق بركب التطور الرقمي الذي يحكم العالم اليوم، والذي بات لزاما على الإدارة المغربية تقديم خدماتها عبر منصات إلكترونية تيسيرا للولوج إلى إلى الخدمة العمومية.

بهذا الخصوص أكد أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، رشيد لزرق، في تصريح لـ”مدار21″ بأن تداعيات جائحة كورونا سرعت التوجه إلى خيار رقمنة الإدارة فإذا كان لها من فوائد فهي تتجلى أساسا في كونها سرعت الدخول إلى الثورة الرقمية.

وتابع لزرق حديثه قائلا “أما بخصوص الفساد والبيروقراطية الإدارية، صحيح أن الرقمنة تعطي شفافية أكثر لكن وفق ما تعودنا عليه فإن المسألة لدينا هي مسألة نفوس أكثر من كونها مسألة نصوص، وبالتالي لا بد من تغيير العقليات والبنيات لنتمكن جميعا من دخول مرحلة الشفافية والنزاهة والتي هي عموما رافد من روافد الدخول إلى المرحلة التنموية وشرط وجوب لأن يكون المغرب في مصافي الدول الصاعدة.”

في المقابل، خالف المحلل المالي والاقتصادي المهدي الفقير هذا الطرح بقوله: ” الهدف من الرقمنة هو تبسيط المساطر الإدارية، أما مسألة الفساد لا تدخل في نية المشرع ولا صاحب القرار.”

وحول مساهمة الرقمنة في تبسيط المساطر وتجاوز العراقيل الإدارية، قال لزرق: ” أكيد أن التعامل مع الرقمنة يساهم في العجلة الاقتصادية وفي التنافسية المغربية، لكن إذا ما أخذ هذا المجال في تحضير البنية القانونية؛ خاصة حفظ المعلومات الشخصية وضمان الشفافية، وهي مجتمعة شروط لازمة في تحقيق هذه الغاية”.

وعن جاهزية الإدارية في بلوغ هذه الغاية، اعتبر المتحدث نفسه أن هذا المُعطى تفرضه البنية والزمن الذي نعيش فيه والتنافس الإقليمي والدولي الذي لا يمكن أن نكون متخلفين عن هذا الركب، فهو توجه دولي عام.”

وفي الاتجاه نفسه، أردف المهدي الفقير بأن “المسألة ليست مرتبطة بجاهزية الإدارة بقدر ما هي مسألة خيار استراتيجي شُرع فيه، إذ منذ يومين أعلن المحافظ العام أن جميع العقود لن توضع من الآن فصاعدا إلا عن طريق المنصة الإلكترونية، فهو خيار نهائي لا رجعة فيه.”

وفي ما إن كانت الرقمنة تساهم في تحقيق تنمية اقتصادية، أشار أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية ذاته إلى أن المستثمر الأجنبي قبل أن يوجه بوصلته إلى المغرب ينظر إلى العديد من المؤشرات منها احترام القانون، والبنية، والرقمنة، وهي كلها تشجع الاستثمار وتعطي الثقة بالاقتصاد الوطني.

وهو ما أكده الخبير المالي ذاته بقوله: “هذا تحصيل حاصل، إذ بمجرد أن يتم التبسيط تنشأ الشركات بسرعة، وتؤدى الضرائب بيُسر، كما تحصل على الشهادات بسرعة، وهذه السرعة من شأنها أن تحقق تنمية اقتصادية.”

من جانبه، اعتبر أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، عبد الحفيظ أدمينو، أن عملية التحضير للإدارة المغربية “ليست وليدة اللحظة بل متضمنة في البرنامج الحكومي للحكومة المُنتهية ولايتها، إذ من بين الأُسس الرامية إلى التحوّل في الإدارة المغربية هو التحوّل الرقمي، وبالتالي رقمنة الإدارة المغربية، وعلى مستوى الإدارات والجماعات الترابية فقد قطعت أشواطا مهمة، إذ جرى رقمنة مئات الخدمات، كذلك التحوّل الذي فرضه القانون المتعلق بتبسيط المساطر الإدارية، إذ من بين ركائزه رقمنة الخدمات الإدارية والتقليل من المساطر والإجراءات الإدارية وتعويضها بمنصات الخدمات العمومية.”

وأشار المتحدث ذاته إلى تداعيات الأزمة الصحية وما فرضته جائحة كورونا واعتماد مرسوم العمل عن بعد، الذي فرض بالضرورة أن يتم تمكين الإدارات العمومية من الوسائل التكنولوجية والرقمية اللّازمة، سواء بالنسبة للإدارة أو كذلك بالنسبة للموظفين.

وواصل أدمينو حديثه بالقول: “أتصور أن ما ستُقبل عليه الحكومة المقبلة سيُراعي ويستحضر ما أفرزته الجائحة من ضرورة السير في اتجاه رقمنة الخدمات الإدارية وتوفير المعلومة وتمتيع المواطنين بحقهم في الولوج إليها، خاصة العمومية منها، والزيادة في تبسيط وتقليل المساطر الإدارية الورقية.”

وفي السياق ذاته، اعتبر أدمينو أن الطبيعة البيروقراطية للنموذج الإداري المغربي كانت تستهوي حتى الموظف، مرضحا “جزء من تصورنا عن الموظف أنه صاحب سلطة وله القدرة على التحكم في الخدمة، وبالانتقال إلى اعتماد وسائل رقمية من شأنه أن يقلل السلبية التي يمكن أن تنتج عن العلاقة المباشرة ما بين المواطن والإدارة، وما يمكن أن يتخلّله من محسوبية وزبونية، فالمفروض أن يتم معظم تعامل المرتفق مع الإدارة عبر الوسائل الرقمية، وبالتالي لا وجود لاحتكاك مباشر، كذلك هذا الاعتماد من شأنه أن يختصر في الزمن وفي كلفة الخدمة العمومية.”

وتابع أستاذ القانون العام ذاته “وهنا نشير إلى كثرة الوثائق وكثرة الآجال المتعددة التي يقابل بها المواطن بوصفه شخص عادي أو شخص طبيعي، لأن الإجراءات والمساطر المتعلقة بالاستثمار، والتمويل، والقروض، جميعها تزيد من طول الإجراءات والمساطر وتؤثر بشكل مباشر على الاستثمار، والمنافسة، وعلى إحداث المقاولات، وينعكس ذلك على المستثمرين وخاصة الأجانب منهم، ويسهم في التقليل من الزبونية واستثمار الزمن في الخدمة العمومية والتقليل من التكاليف كذلك كلها من شأنها أن تساهم في شفافية الفعل العمومي ويعزز الثقة بالإدارة.”

ويرى الأكاديمي أن الإدارة يجب أن تستشرف طبيعة المخاطر التي يمكن أن تحدث مستقبلا بمعنى أن “الخدمة العمومية يجب أن تظل محافظة على نوع من الهجانة بالمزج بين الخدمة المادية في بعض الخدمات، ولكن معظم الخدمات العمومية وأشكال الاتصال التي ترتبط بالإدارة يجب أن تكون عبر وسائل رقمية على اعتبار أن تكوين ملف ورقي يتطلب التنقل والاحتكاك المباشر معها.”

وأكد المتحدث نفسه أن تعميم الخدمة الرقمية من شأنه أن يخفف من مظاهر الفساد الإداري، من قبيل الوساطة، والزبونية، والرشوة المادية، فالتعامل، على حد وصفه، سيتم عبر منصات رقمية ما يضمن المساواة وتكافؤ الفرص في الولوج إلى الخدمة العمومية ويساهم أيضا بتفعيل الديمقراطية الإدارية لأن المواطن عندما يجد نفسه بعيدا عن أشكال المساس بحقوقه، يستطيع من خلال هذه الوسائل الرقمية أن يقيم أداء الإدارة، ومن ثم معرفة مدى رضاه عن هذه الخدمة، ويساهم في تطوير الإدارة  بناء على معطيات علمية دقيقة يمكن استنتاجها من خلال تقييم المعطيات المحصل عليها من خلال هذه المواقع الرقمية الخاصة بالخدمات العمومية.

وعن مخاطر التوجه إلى اعتماد الرقمنة، يعتقد أدمينو أن جلّ المخاطر مرتبطة أساسا بما هو أمني، وأن جل المخاطر ستكون أقل مما يمكن أن تسببه العلاقات المباشرة بين المرتفق والإدارة اليوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News