مجتمع

واقع الحق بالولوج إلى المعلومة يسائل راهن تطبيق القوانين

واقع الحق بالولوج إلى المعلومة يسائل راهن تطبيق القوانين

يعتبر الحق في الحصول على المعلومة من طرف الإدارات والجهات المعنية وتقديمها في أي قالب صحفي، سواء على شكل مرئي ومسموع، أو مكتوب، حقا أساسيا وجزءا رئيسيا للإصلاح والمشاركة الديموقراطية، ويضمن القانون 31.13 حق المواطنين والمواطنات في الحصول على المعلومات التي توجد في حوزة الإدارات العمومية عبر 30 مادة موزعة على سبعة أبواب.

وبالرجوع إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في المادة 19 منه على أنه، ” لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود. ” كما نصت الفقرة الثانية من المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، على أنه، ” لكل إنسان الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود “.

أزمة الحصول على المعلومة وتأثيرها على الاستقرار المعلوماتي

اعتبر الصحافي عبد المولى بوخريص أن القانون 31.13 الخاص  بالحق في الولوج للمعلومة متقدما من حيث النص والإطار التشريعي لكن تنزيله على الأرض الواقع لازال يعرف تأخرا كبيرا، خصوصا في ظل وضع عدة شروط تعرقل عملية الوصول للمعلومة التي تمثل أهمية بالنسبة للصحافي، وبالتالي فإن السلطة التقديرية دائما بحوزة الإدارات والمؤسسات الوصية للإدلاء بالمعلومات، نظرا لأن تلك المعلومات تشكل مصدر إزعاج للإدارات وتتفادى مد الصحافي بها خوفا من فضح بعض الممارسات والملفات بما لا يخدم مصالحها كالمتابعات القضائية في حق المسؤولين اليوم، حيث لا نرى إلا ما يتم صدوره من بلاغات شحيحة من النيابة العامة، وبالتالي دائما ما نجد أن علاقة الصحافي بالإدارات الوصية تشوبها تشنجات تساهم في تأخر الوصول للمعلومة أو في حالات كثيرة انعدام الوصول لها.

وأكد الباحث في الإعلام والاتصال أن تطبيق قانون الحق في الحصول على المعلومة في أدنى مستوياته، خصوصا في ارتباطه بالملفات الحساسة والتي تشكل مركز اهتمام العديد من الصحافيين والمواطنين وبالتالي فإن الجهات المعنية تقفل أبواب الوصول إليها، ونجد ذلك في التدبير المحلي للجماعات المحلية والجماعات الترابية حيث غالبا ما يتم إقصاء المواطن من الحضور أو الاطلاع على جدول أعمال تلك الدورات والاجتماعات.

واستشهد بوخريص بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي يقول “الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها ” وفي الحقل الإعلامي نقول ” المعلومة ضالة الصحافي فحيث وجدها حق عليه نشرها”، نظرا لأن هذا الأخير ملزم بشكل يومي بالبحث والتنقيب على المعلومات التي تشغل بال المواطن، فبحكم الضرورة الحتمية للسبق الصحافي والوصول إلى المعلومة أصبح لزاما على العاملين بقطاع الصحافة اللجوء إلى مصادر أخرى كالعلاقات الشخصية ومواقع التواصل الاجتماعي ووكالات أجنبية، لأن المصادر الوطنية لا تقدم المعلومات الضرورية.

المعلومة الموثوقة رأسمال العمل المهني

وأضاف الإعلامي أن صعوبة الوصول إلى المعلومة تأثر على عمل الصحافي بشكل سلبي، لأن مقومات إنتاج الأخبار تستدعي بالضرورة المعلومة، وبالتالي فغياب المعلومة يجعل العملية الإخبارية ضعيفة ويغيب المهمة الأساسية للإعلامي، مما يفتح الأبواب على مصرعيها لانتشار القراءات المتعددة التي من الممكن أن تكون في الاتجاه الصحيح، لكن في غالب الأحيان تساهم بشكل كبير في انتشار الإشاعات والأخبار الزائفة.

ورجح بوخريص أن غياب المعلومة يعتبر السبب الرئيسي في انتشار الأخبار الزائفة وغياب تفعيل الحق في الولوج والوصول للمعلومة، يساهم في تعدد التحليلات والتأويلات الأمر الذي يفتح المجال لضعاف التكوين داخل الجسم الصحافي، ولبعض المرتزقة في نشر الأخبار المغلوطة لغرض ما في أنفسهم، والحال أن الإخبار يكون ضمن عناصر مضبوطة ووفق مصادر موثوقة.

من جهته اعتبر الصحافي أن المعلومة خلال أزمة كورونا كانت حاضرة بقوة عبر النشرات التي كانت تبث بشكل يومي، من خلال السهر على إشراك المؤسسات من قبل الفاعليين الحكوميين المتمثلين في وزارة الصحة، وزارة الداخلية وغيرها، عن طريق الترويج للمعلومة الصحيحة بعيدا عن ما يتم نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قدمت الجهات المعنية المعلومات الضرورية والدقيقة مع الإحصائيات اليومية، وأكد أنه خلال أزمة كورونا كان التعامل رصينا مع مسألة الإخبار والمد المتواصل للمؤسسات الإعلامية بالمعلومات، إلا أنه خلال زلزال الحوز تم تغييب المعلومات الأولية والضرورية خاصة في الأيام الأولى نظرا لانهماك السلطات المعنية وتركيزها بشكل كبير على عملية الإنقاذ.

وأشار الإعلامي إلى أن محاربة الأخبار الزائفة تتم أولا عن طريق الصحافي أو العامل بالقطاع الإعلامي، من خلال تحري المعلومات من مصادرها الحقيقية وتعددها وليس عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، وتفعيل الحس المهني للصحافي في حال شكه في المعلومة والذي يستوجب توقيف نشرها أو بثها والإمتناع عن تقاسما والتصدي لها، كي لا تتغدى بعض الصفحات والمواقع الغير مهنية بنشرها وتداولها.

وأفاد الباحث الإعلامي أنه لتعزيز الحق في الحصول على المعلومة، يجب دائما الإصرار على كونه حقا رئيسيا، على أساس أن الصحافيين شركاء مع الإدارات والجهات المعنية والملزمة بتقديم المعلومات الضرورية وليس أعداء لها، والترافع لمحاولة الضغط على المؤسسات التشريعية لزيادة تجويد العمل، والاشتغال على مستويات تشريعية وعملية وكذلك محاولة التوعية لتغيير الصورة النمطية التي تتخلل معظم الإدارات ضد الصحافي الذي يبقى هدفه هو نقل المعلومة الصحيحة خدمة للصالح العام.

الحق في الحصول على المعلومة دعامة أساسية لتعزيز المسار الحقوقي والديموقراطي

بعد صدور أول دستور رسمي بالمملكة سنة 1962 تم من خلاله إقرار بعض الحقوق والحريات دستوريا، إذ نص الفصل 9 من مختلف دساتير المغرب من1962 إلى 1996 على ما يلي: “يضمن الدستور لجميع المواطنين حرية التجول وحرية الاستقرار بجميع أرجاء المملكة، حرية الرأي وحرية التعبير بجميع أشكاله وحرية الاجتماع، حرية تأسيس الجمعيات وحرية الانخراط في أية منظمة نقابية وسياسية حسب اختيارهم، وبه فلا يمكن أن يوضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بمقتضى القانون”.

ونص النظام الأساسي للصحفيين المهنيين الذي أقرته الحكومة سنة 1995 بعد الضغوط التي مارستها النقابة الوطنية للصحافة المغربية، في البند الرابع على حق الصحافي في الوصول إلى مصادر الخبر في إطار ممارسة مهنته وفي حدود احترام القوانين الجاري بها العمل، وكذا القانون رقم69.99 الخاص بالأرشيف الصادر بتاريخ 30نونبر2007، والذي يؤكد على الحق القانوني في الوصول إلى الأرشيف.

وبعد مجموعة من المطالب من طرف العاملين في قطاع الصحافة والإعلام تم أخيرا تحقيق أحد المكتسبات التي أقرها دستور 2011 ألا وهو الحق في الوصول إلى المعلومة لاعتباره حقا من الحقوق والحريات الأساسية، وبعد عدة نقاشات وتشاورات تم تقديم مشروع القانون رقم 31.13 باعتبار إعمال هذا الحق ركيزة أساسية لضمان المشاركة والشفافية.

وأكد المحامي والناشط المدني إبراهيم اللغداس، أن قانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة هو قانون جد مهم ومتقدم وإذا ما تم تطبيقه بصفة فعلية فسيكون دون شك لبنة من لبنات تعزيز الممارسة الديمقراطية ببلادنا ومدخلا أساسيا لتعزيز الشفافية والتنمية الاقتصادية، ودفعة قوية للمشاركة المواطنة عبر الانتقاد البناء المشبع بالمعطيات والأرقام الرسمية التي تؤخذ من مصدرها.

تنزيل حقيقي بتطبيق وهمي

وأفاد المتحدث ذاته أنه لا يمكن القول بأنه لا يطبق على أرض الواقع بشكل كلي كما لا يمكن تأكيد تطبيقه بتلك المثالية التي يرومها النص الدستوري الذي نص على ذلك في فصله 27 وصدر قانون 31.13 لتفعيل مقتضياته سنة 2018 ودخل حيز التنفيذ سنة 2020، لأنه لازالت هناك إكراهات كثيرة على أرض الواقع ولازالت هناك ترسبات العقلية الإدارية القديمة التي تقدس المعلومة وتحتكرها وتوظفها بطريقتها الخاصة.

واستشهد المحامي بالمثل الإنجليزي الذي يقول (knowledge is the real power)، بمعنى أن المعرفة هي القوة الحقيقية، وبالتالي فإن المعلومة التي تساهم في المعرفة كانت دائما وستظل تشكل مصدر قوة في جميع المجالات وعلى رأسها مجال تدبير الشأن العام، فلا مجال للحديث عن التنمية والازدهار في غياب المعطيات والمعلومات التي تشخص لنا الواقع المعاش على جميع المستويات.

ودعا رجل القانون إلى إتاحة المعلومة الصحيحة والخبر اليقين للمواطنين دون قيد أو شرط، بالإضافة إلى توضيح ما يمكن توضيحه من مغالطات من طرف المؤسسات المعنية بالمعلومة التي قد تشاع لغرض ما بين المواطنين، واسترسل قائلا “أظن أنه إذا كنا في بيئة شفافة لا يشوبها فساد ولا إفساد، فسيكون صاحب الخبر الزائف هو نفسه محط سخرية وبالتالي هو من سيتأثر سلبا لا محالة فالمناخ العام يلعب دورا أساسيا إما في بروز الخبر الزائف إن كان المناخ فاسدا، وإما في استهجانه إن كان المناخ العام فيه نوع من الشفافية والوضوح”.

وكشف اللغداس عن أبرز ضمانات الحق في الحصول على المعلومة والتي تتمثل في توسيع نطاق الحق في الحصول على المعلومة وضرورة النشر الاستباقي للمعلومات، وإيجاد جهة متخصصة في معالجة طلب الحصول على المعلومات في جميع المؤسسات العامة وإدارات الدولة، مع تضييق نطاق الاستثناءات الواردة على حرية الوصول إلى المعلومة، وتحديد أجل معقول للرد على طلب الحصول عليها، مع تعليل رفض تقديمها من طرف الإدارة المعنية، وتحديد الجهة التي يمكن الطعن أمامها والتي تتجلى في رئيس المؤسسة المعنية ثم اللجنة المكلفة بالحق في الحصول على المعلومة، وفي حالة لم تكن نتيجة يتم اللجوء أخيرا للمحكمة الإدارية، كما نؤكد دائما على التكوين المستمر للموارد البشرية لمختلف الأطر الإدارية المكلفة بتلقي طلبات الحق في الحصول على المعلومة.

وفي هذا الصدد أبرز الباحث المدني أن القانون الجنائي قد تصدى لبعض الممارسات التي من شأنها أن تمس بالحق في الحياة الخاصة، من قبيل المعاقبة على تثبيت وتسجيل صورة شخص دون موافقته في الفصل 447-1 من مجموع القانون الجنائي، بل حتى الابتزاز عن طريق محاولة الحصول على مبلغ مالي بواسطة التهديد بإفشاء أمور شائنة حيث يعاقب عليها الفصل 538 من نفس القانون.

وأضاف المتحدث نفسه أن المادة الخامسة من قانون الصحافة والنشر تعمل على حماية هذا الحق حينما أشارت إلى أن سرية مصادر الخبر مضمونة ولا يمكن الكشف عنها إلا بمقرر قضائي ومنها الحياة الخاصة للأفراد مالم تكن لها علاقة مباشرة بالحياة العامة، كما أن المادة 85 من نفس القانون جرمت وحددت عقابا لكل تدخل في الحياة الخاصة دون موافقة الشخص المعني بالأمر أو في حالة لم يكن لذلك التدخل علاقة وثيقة بالحياة العامة أو تأثير على تدبير الشأن العام.

وكشف اللغداس أن هناك نقص تشريعي في هذه الباب المتعلق بالأخبار والمعلومات المضللة، خصوصا ونحن الآن في زمن الثورة الرقمية والسيلان اللامتناهي للمعلومات، خاصة في العالم الافتراضي الذي بات فارضا نفسه في عصر تطبيقات التواصل الاجتماعي، لكن المشرع المغربي لم يغفل ضبط هذا الحقل بشكل كلي بل أصدر العديد من القوانين التي تحكم هذا المجال من قبيل قانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين اتجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، وقانون 07.03 المتعلق بجرائم الإخلال بسير نظم المعالجة الألية للمعطيات، وقانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، وقانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر ولعل هذا الأخير هو الذي تحدث عن مجموعة من المقتضيات والضوابط التي تحكم عملية النشر سواء التقليدية أو الإلكترونية، وتحدث في المادة 65 بشكل مباشر عن الإشهار الكاذب أو التضليلي الذي من شأنه أن التشهير ونشر الإشاعات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News