سياسة

تزكية بركة.. الاستقلال يركب قطار التوافق ويتجنّب مفاجآت المؤتمر

تزكية بركة.. الاستقلال يركب قطار التوافق ويتجنّب مفاجآت المؤتمر

خلافا لما جرت به عادة التنظيمات الحزبية التي تترك عنصر المفاجأة لاختيار زعمائها قائما، حتى لحظة مؤتمراتها الوطنية، قرر حزب الاستقلال الحسم المبكر في قائد سفينته خلال الأربع سنوات القادمة، تحت يافطة التوافق التي تمنح الأمين العام الحالي للحزب نزار بركة الاستمرار في قمرة قيادة الحزب المشارك في حكومة أخنوش.

وحسمت قيادة الاستقلال قرار الترشح لمنصب الأمين العام خلال محطة المؤتمر الوطني، حيث تم الاتفاق على التوجه بمرشح وحيد بتجديد الثقة في الأمين العام الحالي نزار بركة لولاية ثانية على رأس “الميزان”، هو القرار الذي حظي بإجماع أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب خلال اجتماعها الأخير.

يأتي ذلك، في وقت يعيش حزب الاستقلال منذ عامين خارج القانون بعد “فشل” الحزب المشارك في حكومة أخنوش في عقد مؤتمره الوطني لانتخاب قيادة جديدة في أعقاب نهاية ولاية الأمين العام الحالي نزار بركة منذ أكثر من سنتين، وهو الوضع الذي أصبح “محرجا” له أمام حلفائه في الأغلبية الحكومية التي يقودها التجمع الوطني للأحرار.

اختبار الديمقراطية

ويرى مراقبون أن لجوء الاستقلال الذي يجر وراءه مسارا تاريخيا عريقا في الممارسة السياسية، إلى أسلوب التوافق على الزعامة الحزبية قبل محطة مؤتمره الوطني الثامن عشر، يعكس “فشله” في اختبار الديمقراطية الداخلية من خلال عجزه عن احترام آليات التداول على المسؤولية التنظيمية وفي مقدمتها رئاسة الحزب.

علاوة على ذلك، يعكس  وضع حزب الاستقلال المتوقع في صفوف التدبير الحكومي، رهانات متناقضة بين قياداته بحيث يتعذر معها بناء التوافق الذي يحفظ وحدة الحزب ويحميه من الانقسام، وهو يجد تفسيره في ثقافة حزبية تمنح الأسبقية للتوافقات القبلية على حساب الديمقراطية ومفاجآت الصندوق.

أستاذ الجغرافيا السياسية وتقييم السياسات العمومية مصطفى يحياوي، سجل أن سوسيولوجية حزب الاستقلال تغيرت منذ 2013، والدليل أنه مع توالي المحطات الانتخابية يتأكد أن الحزب يفقد دوائره الانتخابية الرمزية، مضيفا “حتى نموذج المرشحين ظهر أنه نموذج غير محسوب نهائيا على تُربة الاستقلال إلى حد أن العديد منهم لا يفقه شيئا عن مسار علال الفاسي السياسي بما فيه النقد الذاتي”.

الثقافة التقليدية

ويرى يحياوي ضمن حديثه لـ”مدار21″، أن سوسيولوجية حزب الاستقلال لم تعد تسعف الثقافة التقليدية التي بنيت عليها الوجاهة السياسية والديمقراطية داخل الحزب، لافتا إلى أن النقاش الموجود حاليا داخل الاستقلال والمهيمن على أدائه حتى بعد عودته إلى موقع  التدبير الحكومي، هو التجاذب بين تيار ولد الرشيد في علاقته مع النخب التقليدية لحزب الاتستقلال.

وأكد يحياوي أن حمدي ولد الرشيد القيادي البارز في صفوف الاستقلال، بنا زعامته وقوته على التنظيم النقابي في التحالف مع حميد شباط في مرحلة ما، قبل أن يتخلص من هذا الأخير بعد وصول النعم ميارة إلى نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، مضيفا بالقول: “وهذا معناه أن خطة ولد الرشيد في آخر المطاف، هي الهيمنة على حزب لايمتلك أي تكوين اديولوجي حوله”.

وذهب أستاذ الجغرافيا السياسية إلى أن الوهن الذي أصاب المشهد الحزبي برمته، “أثّر أيضا على بنية الأحزاب التقليدية المشهود لها تاريخيا بامتداداتها داخل الحركة الوطنية، ومن ثمة فإن حزب الاستقلال لم يعد ذاك الحزب الذي كنا نعتقد بأنه من المفروض أن يكون على تلك القاعدة”، وزاد: “لم تعد هناك أحزاب بامكانها  أن تقوم بوظيفتها الدستورية انطلاقا من مفهوم المناضل”.

مخاطر الفُرقة

وسجل يحياوي، أن المؤتمرات الحزبية التي انعقدت على الأقل منذ انتخابات 2021 إلى آلان، كانت جميع الأسماء التي صعدت إلى القيادة معروفة وكانت النتائج متوقعة حتى قبل انعقاد المؤتمر، لأن المبدأ المؤسس  لهذه المؤتمرات هو حصول التوافق قبل المؤتمر، لتجنب مخاطر الفُرقة، بالنظر إلى أنه لم يعد  بالامكان احتمال خطاب الأرض الواسعة الذي ضاق به صدر الأحزاب”.

وبخصوص تأثير منطق التوافق على الديمقراطية الحزبية، قال يحياوي إن” تمثّل الأحزاب ينبغي أن يواكب الواقعية التي أفرزت هذا النوع من المؤتمرات الحزبية المبنية على التوافق بدل ترك الحسم بيد المؤتمر”، مشددا على أنه “لا يمكن أن نرسم نقاشا داخليا عن الزعامات بدون أرضيات اديولوجية، لأن غياب هذه الأرضيات أوالأطروحة الإيديولوجية المنافسة، يفضي في نهاية المطاف إلى التسليم بهذا المعطى التنظيمي  المبني على التوافق”.

وسجل أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة الدار البيضاء، أن المؤتمر بالنسبة لعدد من التنظيمات الحزبية المغربية، “هو شرعنة الوجود القانوني للحزب بحيث أن الحاجة إلى المؤتمر، ليست لتجديد النخب بل من أجل تسوية الوضغية القانونية للحزب استنادا إلى مقتضيات قانون الأحزاب التي تحصر الولاية الانتدابية في أربع سنوات تحت طائلة الحرمان من الدعم العمومي”.

وتابع شارحا: الواقع أن اللجوء إلى ما يمكن تسميته بـ”التّطريز المناسب ” عبر اتفاقات قبلية، حول الأشخاص ومصالح الأشخاص داخل حزب الاستقلال، عجّل بانهيار الوظيفة المؤسساتية للأحزاب داخل المجتمع”، مردفا “ودليلنا في ذلك أنه لم يعد بمقدور الأحزاب الوطنية وضمنها الاستقلال أن تؤطر المحطات الانتخابية اديولوجيا وأن مفهوم الجماهير بات شب غائب في التأطير الحزبي لدى معظم الهيئات”.

في غضون ذلك، كشفت مصادر “مدار21″، أن اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، ستشرع ابتداء من الاثنين القادم في عقد اجتماعاتها بشكل منتظم رغم أجندة الأمين العام للحزب نزار بركة المكثفة في ارتباط بملف الماء، مشيرة إلى أنه تقرر البدء في التحضيرات التنظيمية واللوجستيكية للمؤتمر الوطني الذي يفصل عنه نحو شهر ونصف وهو ما يستدعي تسريع خطوات الإعداد خاصة ما يتعلق بأوراق وثائق المؤتمرين.

وحول ما إذا كان جدول أعمال المؤتمر الوطني الثامن عشر، سيشهد تقديم تعديلات النظام الأساسي التي أثارت في وقت سابق ضجة داخل البيت الاستقلالي، استبعدت المصادر ذاتها أي إمكانية لإعادة طرح هذه التعديلات، موضحة أن اللجنة التنفيذية للحزب حسمت مصيرها بعد قرار الدعوة إلى عقد المؤتمر الثامن عشر لحزب الاستقلال في أجل لا يتجاوز نهاية شهر أبريل 2024، والعمل على أجرأة هذا الاتفاق وفق المساطر والمقتضيات القانونية الواردة في النظام الأساسي للحزب، وخاصة الفصل 92 منه.

وأوضحت المصادر القيادية بحزب الاستقلال، أن الإحالة إلى أن عقد المؤتمر الوطني يستند إلى مقتضيات المادة السالفة الذكر، تعني أنه لن يطرأ هناك أي تغيير أو تعديل على الأنظمة الداخلية للحزب، وبالتالي فإن برلمانيي الحزب والمفتشين الجهويين والاقليمين سيحضرون أشغال المؤتمر بالصفة دون حاجة إلى المرور عبر مسطرة الانتداب.

إلى ذلك، أكد المركز العام لحزب الاستقلال أن جميع أعضاء اللجنة التنفيذية، عبروا  خلال هذا الاجتماع عن وعيهم بدقة هذه المرحلة في حياة الحزب، وعن إرادتهم الجماعية للمساهمة في توفير جميع الشروط لإنجاح المؤتمر الثامن عشر للحزب وجعله لبنة مجال تكريس الديمقراطية الداخلية عبر التنافس الحر، و فضاء لمناقشة القضايا الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي يقدمها المشروع المجتمعي التعادلي المتجدد للحزب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News