بورتريه

بنسعيد آيت إيدر.. معارض الملوك الثلاث وصوت اليسار “المسموع” بالمؤسسات

بنسعيد آيت إيدر.. معارض الملوك الثلاث وصوت اليسار “المسموع” بالمؤسسات

غادر محمد بنسعيد أيت إيدر، أحد قدماء مقاومي الاستعمار وأبرز مناضلي اليسار المغربي، دنيا الناس، فجر اليوم الثلاثاء، بعدما صدح بصوته لعقود طويلة دفاعا عن حق المغاربة في الاستقلال وعن حقوقهم في الديمقراطية والصحة والتعليم، تاركا خلفه اعترافا كبيرا بأثره، وحزنا وسط مناضلي عدد من الأحزاب المحسوبة على الصف التقدمي، وأبرزها الحزب الاشتراكي الموحد الذي يعتبر آيت إيدر بمثابة عرابه.

بصم آيت إيدر على مسار سياسي طويل، امتد على عهد ثلاثة ملوك سطع نجمه في معارضتهم، وهو الذي يعتبر ذاكرة حية لما جرى على امتداد أكثر من ستة عقود من الزمن السياسي بالمغرب، وأحد رجالات جيش التحرير الذي قاوم الاستعمار بالسلاح، خصوصا في الجنوب المغربي، الذي شهد آخر فصول المقاومة المسلحة مع معركة “إيكوفيون”، وقد كان من هؤلاء الذي رفضوا وضع السلاح إلى حين استكمال مسيرة التحرير.

عاش آيت إيدر تجارب مريرة للاعتقال في مرحلة الاستعمار وأيضا إبان الاستقلال بسبب معارضته نظام حكم الحسن الثاني، قبل أن يفرّ للمنفى ووراءه حكم بالإعدام غيابيا، بتهمة المشاركة في ما عرف بـ “مؤامرة 63″، غير أن باله لم يهدأ إذ ظل حاملا لهموم السياسة بالمنفى وداخل الوطن.

أيت إيدر من الشخصيات المغربية التي ظلت محافظة على لونها المعارض، رغم انخراطه في اللعبة السياسية من داخل المؤسسات، إذ كان من أكثر البرلمانيين إثارة للجدل وصوت اليسار المسموع بالمؤسسات، سيما وأنه كان أول من طرح سؤالا حول المعتقل السري “تازممارت” من داخل البرلمان، في وقت كان مازال يعج بالمعتقلين.

يتيم داخل أسرة تقليدية..

فتح أيت إيدر أعينه على الحياة بقرية تينمنصور باشتوكة آيت باها، سنة 1925 وسط عائلة متوسطة تمتهن الفلاحة والتجارة، تتوفر على وضعغ مريح ماديا، ما كان له الأثر في تكوين “شيخ اليساريين” الذي ظل متعففا عن سلطة المال، غير أن يُتمه المبكر بعد وفاة والدته وهو في سن السادسة، وزواج والده مرة أخرى، كان له أيضا أثر عليه.

“بلمسة واحدة من زوجة والدي هذه، تبدلت كثير من عاداتنا البيتية في الأكل والتربية والسلوك”، هكذا يصف أيت إيدير أثر زوجة أبيه على العائلة، وهي القادمة من المدينة إلى بيته المشبع بتقاليد بيئة الفلاحين.

التحق الطفل محمد بنسعيد أيت إيدير إلى الكتاب لحفظ القرآن الكريم وهو في سن الرابعة، ليُتم حفظه بأكثر من قراءة، ليتمكن من الذهاب إلى مدرسة تدرّس العلوم العربية بعدها، قبل أن يتوجه في بداية الأربعينات إلى مدرسة قريبة من منطقته، قضى بها سنتين، ثم بعدها انتقل إلى مدرسة أخرى قريبة من حدود منطقة آيت باعمران، واجه خلالها صعوبات بسبب نمط التدريس ليلتحق بعدها بمراكش لمتابعة دراسته في مدرسة بن يوسف، التي شكلت مفترق الطرق في مسيرته.

ولادة جديدة بمراكش..

ساهم الزخم السياسي والنضالي الذي كان قائما حينها بمدرسة بن يوسف بمدينة مراكش، في تحول عميق بشخصية آيت إيدير الذي بات مطلعا بما يجري من وقائع سياسية عاشها المغرب حينها، إذ تعرف حينها على مناضلين سيقتسمون معه حلم الانعتاق من ربقة الاستعمار.

سيذوق أيت إيدر طعم الاعتقال المُر أول مرة سنة 1952، رفقة مجموعة من المنتمين إلى حزب الاستقلال، حينما كان عائدا من سفره إلى الرباط لإيصال مقالاته إلى جريد العلم، وتزامن ذلك مع الاحتجاجات ضد اغتيال فرحات حشاد، ليصل نشاطه بجيش التحرير وخلايا المقاومة بعدها إلى ذروته، خاصة مع مساهمته في قيادة جيش التحرير في الجنوب.

صدمة ما بعد الاستقلال..

واجه أيت إيدير، مثله مثل مجموعة من المناضلين حينها، صدمة تهميش مقاومين مقابل تقلد “الخونة” للمناصب، ليتمسك باستكمال مسيرة تحرير المغرب وطرد المستعمر. وهو المسار الذي كاد ينهي حياته بعد يتعرض لمحاولة اغتيال سنة 1957 من طرف من اعتبرهم “عناصر التخريب”.

شارك أيت إيدر بعدها في تأسيس حزب الاتحاد الوطني القوات الشعبية إثر انشقاقه عن حزب الاستقلال، ليتم اعتقاله مرة أخرى في سنة 1960 بتهمة التآمر على ولي العهد، قضى خلالها شهرين في السجن، ليجد نفسه مطلوبا مرة أخرى في يوليوز 1963، ومحكوم غيابيا بالإعدام، ليفر إلى الجزائر، ثم سنة 1964 إلى فرنسا.

وفي سنة 1967، سيدخل أيت إيدر مصحة نفسية قضى بها سنتين في بسبب فقدان الذاكرة، ليعود بعدها إلى دراسة التاريخ والجغرافيا بجامعة فانسين، ليحوز على الإجازة باسم مستعار هو خالد عبد الله.

العودة إلى الوطن..

أعاد العفو الملكي سنة 1980 أيت إيدير إلى الوطن ليعانق العمل السياسي من جديد، ويؤسس منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، التي سيصبح زعيمها سنة 1983، قبل أن يعيش بعدها 23 سنة من الحياة البرلمانية. حمل خلال هذه الفترة همّ المعتقلين السياسيين والمعتقلات السرية، ليكون أول من يتجرأ على طرح سؤال حول معتقل “تازممارت”.

تشبث أيت إيدير بتوحيد تيارات اليسار، ليؤسس سنة 2002 حزب الاشتراكي الموحد، ويصبح رئيسه الشرفي. ظل بعدها منخرطا في السياسة رغم ابتعاده النسبي عنها. تم تكريم أيت إيدير من طرف الملك محمد السادس بوسام سنة 2015.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News