بورتريه

حيار.. وزيرة “تقنوقراطية” بألوان الاستقلال وحصى بحذاء بركة قبل التعديل

حيار.. وزيرة “تقنوقراطية” بألوان الاستقلال وحصى بحذاء بركة قبل التعديل

عندما تسلمت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة والطفل، عواطف حيار، مفاتيح التنمية الاجتماعية بالمغرب، كان الرهان كبيرا على الوزيرة التي دخلت باسم الاستقلال لكنها خيبت الآمال بسبب ما راكمته من أخطاء وضعف سياسي كبير في تدبير مجال يحتاج الكثير من الجرأة والشجاعة.

ومع ظهور بوادر إجراء تعديل حكومي، تدق طبول مغادرة بعض الأسماء الوزارية الحكومة، وهذه المرة، ورغم غياب وزارتها عن ساحة الانتقادات، إلا أن انطفاء أضواء برامج أعمالها الحكومية واختفائها عن مشاهد زلزال الحوز آخر مرة، جعل الأعين تنصبُّ صوب الوزيرة الاستقلالية.

مسار حيار 

سيرة عواطف حيار، الوزيرة التي عينها الملك محمد السادس منذ أكثر من سنتين وإن كانت بألوان حزب الاستقلال لكنها تظل في خانة “التقنقراط”، تظل فقيرة سياسيا، فباستثناء شغل منصب رئاسة جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء سابقا، والمشاركة في عضوية بعض اللجان التوجيهية لمبادرات المدن الذكية فإنه لا يوجد لها ما يشفع في الاستمرار وزيرة في الحكومة.

تواضع مسار حيَّار السياسي في حزب “يتنفس السياسية”، جعلها اليوم حصى في حذاء الأمين العام لحزب الاستقلال نزار بركة، إذ يبدو أن مجال العناية بشؤون الطفل والمرأة والأسرة بصفة عامة نواةً أساسية للمجتمع، لم يلِق بسيرتها وخبرتها الأكاديمية المهيمن عليها مجالات الرقمنة والمدن الذكية، مما يطرح التساؤل حول أسباب وقوع الاختيار على الوزيرة لقيادة مجال اجتماعي يعتبر من أهم المجالات التي تراهن عليها الدولة في التنمية المجتمعية.

وأضحت التحديات التي رافقت وزارة حيار تسيل لعاب العديد من الفعاليات الحقوقية التي عدّدت الإخفاقات الكثيرة التي أثارت السجال في العديد من الوقائع خاصة منها ملفات “البيدوفيليا” واغتصاب الأطفال، وتزويج القاصرات، إضافة إلى الأزمات الاجتماعية التي تعاني منها الفئات الهشة بالمجتمع.

كما أن احتلال الوزيرة لمناصب المسؤولية بالوزارة، واستقدام بعض المقربين للاشتغال بجانبها، منهم زوجها الذي عينته “مكلفا بالشؤون العامة” بالوزارة، وتم تكليفه بمهام التعاون والتنمية الاجتماعية والشؤون العامة، خلق في السنوات الأولى من عمر الحكومة جدلا واسعا.

فشل سياسة الإيواء

وضعت وزارة حيار العديد من سياسات إيواء الأطفال المشردين في وضعية شارع، والمختلين عقليا بمراكز الرعاية الاجتماعية وتقديم المساعدة الاجتماعية ودعم الإسعافات المتنقلة الموجهة للأطفال، إضافة إلى إحداث إسعافات اجتماعية جديدة في إطار اتفاقيات للشراكة مع التعاون الوطني، حيث تم رصد مبلغ 20 مليون درهم لهذا الغرض.

وينضاف إلى ذلك دعم مشاريع الجمعيات في مجال إعادة إدماج الأطفال في وضعية الشارع، والتي أسفرت عن دعم 28 مشروعا بمبلغ 3.261.104,00 درهم، بجهات الرباط-سلا-القنيطرة؛ فاس-مكناس؛ الدار البيضاء-سطات؛ الشرق؛ مراكش-أسفي؛ سوس-ماسة؛ الداخلة-وادي الذهب؛ العيون-الساقية الحمراء حسب إحصائيات الوزارة. إلا أن الانتشار “المخيف” للأطفال في وضعية شارع بالمدن الكبرى كالدار البيضاء ومراكش وأكادير أبان عن فشل سياسية الإيواء بالمراكز الاجتماعية.

محمد الطيب بوشيبة، الخبير في شؤون الطفولة، أكد أن كل البرامج والمشاريع التي سبقت في مجال إدماج الأطفال في وضعية الشارع، أبانت عن وجود خلل على مستوى التنزيل، موضحا عدم تحقيق النتائج المرجوة منها نظرا للخلل الذي يعتريها والذي يعيق استكمال بعضها.

وأوضح المنسق الوطني لمنظمة “ماتقيش ولدي”، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن هذا الفشل أبان لنا عن وجود أطفال يتم استغلالهم من طرف عصابات تمتهن الاتجار بالبشر، مردفا “نحن أمام وضعيات صعبة، حيث بات اليوم الأطفال يسيرون في مجموعات منظمات استغلالية تترأسها عصابات إجرامية ولوبيات لترويج المخدرات”.

وخلص بوشيبة إلى أنه رغم أدوار “الإسعاف الاجتماعي” والمجهودات والأموال الباهضة التي صرفت على المشاريع الأخيرة، إلا أننا ما زلنا نرى الأطفال في وضعية الشارع، والموجودة في نزاع مع القانون، معتبرا أن تلك المشاريع لم تأت بالنتائج المنشودة.

من جانبه، أكد هشام معروف، مختص في السياسات الاجتماعية، ضمن تصريح لـ”مدار21″، أن الأدوار التي تقوم بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية محدودة جدا، مبرزا أن مراكز الإيواء المتمثلة في جمعيات حماية الطفولة تسيَّر ماليا من طرف المحسنين على اعتبارها ليست مراكز إيواء تابعة للدولة، وبالتالي فإمكاناتها المالية المحدودة، تجعل الأطفال عرضة للشارع نظرا لمحدودية الموارد واكتظاظ المراكز.

الطفل.. الفئة الأقل حماية

رغم استراتيجيات الوزيرة الاستقلالية الرامية إلى حماية الطفولة، التي تهم النهوض بالأوضاع الاجتماعية للطفل، خاصة المتمدرسين والمنحدرين من أوساط معوزة، إلا أن الطفل كان وما زال الفئة التي تعاني تآكلا وتهميشا على مستوى حقوقها.

ولا يكاد الرأي العام المغربي يذكر تفاصيل حوادث الاغتصاب التي كان يصطدم بها في كل حين، وهي الحالات التي تحصى بالعشرات سنويا.

وتعد جريمة اغتصاب وقتل الطفل عدنان، وجريمة اغتصاب طفلة تيفلت، ينضاف إليها التحرش بالأطفال بمخيم الجديدة من بين الجرائم التي أججت السجال في السنوات الأخيرة بإنزال أقصى العقوبات، وأعادت إلى الواجهة الثغرات التي تعاني منها حماية هذه الفئة.

وأثار تدخل وزيرة التضامن والادماج الاجتماعي انتقادا واسعا لدى العديد من الفعاليات، خاصة عند خروج الوزيرة في القضية، التي باتت تعرف إعلاميا بـ”نازلة تيفلت”، لتبرير موقفها كونها تتابع عن كثب هذا الملف، وتقوم بالتنسيق مع أخصائيات اجتماعيات ومساعدات اجتماعيات للمواكبة النفسية للفتاة ضحية الاغتصاب الذي نتج عنه حمل.

وأثارث هذه المعطيات انتقادات واسعة للوزيرة خاصة في قصور استراتيجيات النهوض بوضعية الطفل وحمايته من المخاطر التي تحيط به، حيث طالبت العديد من الفعاليات الحقوقية إثر هذه الواقعة بضرورة إصلاح القوانين من أجل تعزيز الحماية للأطفال.

فتيات بالجبال.. تهميش وزواج المبكر

ما زالت الفتيات التي لا تتجاوزن الـ15 سنة يعانين في المناطق النائية من التهميش وعدم التمدرس، لتكون نهايتهن الزواج المبكر والمسؤولية في سن صغير.

إيدير شكري، من رحل صاغرو بجماعة النقب إقليم زاكورة، نقل لـ”مدار 21″ معاناة بنات الرحل من التهميش والإقصاء.

يقول إيدير، إن معظم بنات الرحل اللواتي يعشن محنة الانتقال والترحال من مكان لآخر بالجبال ما زلن بدون أوراق ثبوتية خاصة منهن المتزوجات.

وأضاف في تصريح لـ”مدار21″، أن نسبة تمدرس البنات في المناطق الجبلية قليلة جدا، إذ نجد فقط فتاة واحدة أو اثنتين في كل منطقة، نظرا لأن قدرة أسرهن على إرسال الفتيات للتمدرس ضعيفة.

وأوضح عضو جمعية الرحل بالجبال أن معظم فتيات الرحل لا يستفدن من برامج الدولة الموضوعة لدعم الفئات المتمدرسة، وهذا ما يحد من ولوجية الفتاة القروية لمعرفة عوالم المدرسة، نظرا للقيود المفروضة عليها.

وخلص إلى أن مصير الفتاة بالجبال ينتهي بتزويجها رغم عدم بلوغها السن القانونية، إذ يتم تزويج الفتيات في سن الـ15 بعد قضائها سنوات بين أحضان عائلتها.

كل هذه المعطيات، تطرح التساؤل حول دور وزارة حيار في مسألة تهميش القاصرات بالوسط القروي وتزويجهن، هذا الدور باتت تفتقد إليه الوزيرة خاصة من ناحية إغناء النقاش حول إصلاح مدونة الأسرة وغيرها من النقاشات المجتمعية.

فشل في تقنين العنف الرقمي ضد النساء

على الرغم من المجهودات المبذولة في مجال محاربة العنف الرقمي ضد النساء، ما زالت الابتزازات المادية والانتهاكات الجنسية ضد المرأة بالمغرب مستمرة، إذ باتت تواجه العديد من المراهقات مخاطر التعرض للعنف الرقمي بشكل أكبر، نتيجة عدم الوعي الكافي لديهن في كيفية التعامل مع هذه التهديدات والخوف من الإفصاح عنها، وأبرزها مابات معروف حاليا بفضائح “السنابشات”.

المندوبية السامية للتخطيط أفادت في تقرير صادر لها سنة 2019 أن 13.8 في المئة، أي ما يقارب 1.5 مليون امرأة وفتاة، يقعن ضحايا العنف الإلكتروني، عبر الرسائل النصية القصيرة والمكالمات الهاتفية والبريد الإلكتروني، مبرزة أن هذه الأرقام في ارتفاع مستمر.

كما سجلت المندوبية أن حدة العنف الرقمي تكثر في صفوف الفتيات الشابات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 15 و24 سنة وذلك بنسبة 24 في المئة، في حين يبلغ العنف الرقمي في صفوف الفتيات ذوات المستويات التعليمية العالية بنسبة 25.4 في المئة، و30.1 في المئة في صفوف العازبات.

ومن ناحية العنف والتحرش الجسدي ضد النساء، تشير إحصائيات سابقة إلى أن عدد شكايات العنف ضد النساء التي تمت معالجتها من قبل اللجنة الجهوية للتكفل بالنساء ضحايا العنف بالدائرة الاستئنافية بالرباط، بلغ حوالي 588 شكاية وذلك منذ دخول القانون 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء حيز التنفيذ. في حين بلغ عدد الشكايات المسجلة على مدى خمس سنوات والتي توزعت على 130 شكاية خلال 2019، و95 خلال 2020، و145 خلال 2021، و129 في 2022، و106 شكايات خلال 2023.

ورغم صدور القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء بمقتضيات تعاقب على التحرش الجنسي في الفضاءات العمومية، و دخوله حيز التنفيذ في 13 شتنبر 2018 لتوفير الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف الرقمي، إلا أن وزارة التضامن الاجتماعي إلى حد الآن لم تنجح من خلال سياستها المعتمدة في التقليص من حالات العنف الرقمي والجسدي الذي تعج بها المحاكم حاليا.

حيار والتمكين الاقتصادي

وتواصل وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، عواطف حيار، في العديد من المناسبات، كشف حصيلة وزارتها حول التمكين الاقتصادي للنساء، إذ أكدت في وقت سابق أن عدد النساء اللواتي تم تسجيلهن ضمن برامج التمكين الاقتصادي بالمملكة والذي بلغ 82 ألف امرأة من مختلف الأقاليم القروية والجهات.

هذا التمكين الذي يعنى بتمكين المرأة اقتصاديا بالقرى، أُبرمت من أجله اتفاقيتان مؤخرا بغلاف مالي ناهز 10 ملايين درهم، وأخرى بإقليم خنيفرة حول تثمين منتوج الصوف بمبلغ 28 مليون درهم.

كما كان محط انتقادات عديدة، حيث أبان مهتمون بحقوق المرأة أن تمكين للنساء اقتصاديا يتطلب كسر السقف الزجاجي وجميع الحواجز النفسية والاجتماعية والمهنية، موضحين أنه لا يمكن إحراز تقدم ملموس دون رفع القيود والحواجز الثقافية التي تعيق النساء، لكون بناء مجتمع حداثي ومندمج يتطلب العمل بكل قوة على محاربة الصور النمطية.

 مصير غامض يلف وكالات للتنمية 

في منتصف يناير الماضي، وصلت عدوى الاحتجاجات وزارة حيار، حيث لف الغموض وكالة للتنمية الاجتماعية مما عجل بتفجّر الاحتجاجات عقب تنظيم النقابة الوطنية للتنمية الاجتماعية، المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، إضرابا وطنيا مصحوبا بوقفة مركزية من أمام مقر الوزارة بالعاصمة الرباط، احتجاجا على المصير الغامض الذي يحيط بالوكالة.

رجاء بالكحل، الكاتبة العامة للنقابة الوطنية لوكالة التنمية الاجتماعية، قالت إن المؤسسة الاجتماعية تعيش نوعا من “الإجهاز والتصفية” على حقوق الموظفين، مشيرة إلى أن وزارة الاقتصاد والمالية وضعت دراسة حول المؤسسات التي تشتغل في المجال الاجتماعي، وأفرزت “صورة قاتمة” عن الوكالة الوطنية للتنمية الاجتماعية.

وأضافت ضمن تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية أن وزارة التضامن الاجتماعي قدمت منذ ثلاث سنوات وعودا تبرر من خلالها أنها ستشتغل على تموقع المؤسسة لدى الشركاء، كما ستعزز من إمكانية الترافع أمام وزاراة الاقتصاد والمالية من أجل ميزانية الاستثمار، مسجلة في السياق ذاته عدم قدرة الوزارة على تنفيذ وأداء الأدوار المنوطة بها.

وحملت المتحدثة ذاتها، الوزيرة الاستقلالية عواطف حيار إلى جانب بعض الشركاء من وزارة الاقتصاد والمالية ووكالة الوطنية للتنمية الاجتماعية، مسؤولية عدم القدرة على عقد أجهزة الحكامة لمدة 3 سنوات، كما أكد آخرون على المهام الكبرى التي تشتغل عليها الوكالة الاجتماعية والمتمثلة في رفع الهشاشة تقليص الفوراق، موضحين أنهم لن يتعاملوا مع تصفية هذه الوكالة كأنها شركة.

وما زالت الانتقادات تثار على الوزيرة عواطف حيار، خاصة في ما يتعلق بمشاريع الرقمنة وإشكالياتها، إضافة إلى فشل الوزيرة في حماية الأطفال بدون مأوى، وفشل سياسات حماية دور العجزة وغياب الاهتمام بالمسنين، وإهمال الأشخاص ذوي الإعاقة، ينضاف إلى ذلك التسول، والتحرش، والعنف الأسري، وغيرها من الظواهر التي ما زالت مستفحلة في المجتمع المغربي بشكل يعيق تنميته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News