بورتريه

أحمد حرزني.. رحيل “ديبلوماسي الحقوق” و”خديم الشعب” بعد ترافع لعقود عن المغرب

أحمد حرزني.. رحيل “ديبلوماسي الحقوق” و”خديم الشعب” بعد ترافع لعقود عن المغرب

بعد مسار حقوقي وسياسي طويل وغني، ترجل أحمد حرزني، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سابقا، عن صهوة الحياة في الساعات الأولى من اليوم الثلاثاء 14 نونبر 2023، بعد معاناة مع المرض، مخلفا ورائه تركة حقوقية مهمة، وأسرارا كثيرة حول مرحلة مهمة من تاريخ المغرب، وترافع حقوقيا نوعيا عن بلاده.

الرجل الذي خبر دهاليز المعارضة، وحاول إلى جانب رفاقه إسقاط النظام، تحول مع مرور السنين، وبعد سنوات من تجربة اعتقال مريرة، إلى أحد أبرز مهندسي العدالة الانتقالية بالمغرب، ضمن بدايات مغرب محمد السادس، وأحد المدافعين عن المنجزات الحقوقية للمملكة.

أحمد حرزني يعد ممن عاشوا سنوات الجمر والرصاص من موقعين، أحدهما باعتباره من ضحايا التجربة السوداء لسنوات الرصاص، والثانية من موقعه كمنصت لمن طالهم ظلم وتعذيب الجلادين، إذ يعتبر الرجل من مهندسي تجربة الإنصاف والمصالحة، والعدالة الانتقالية في المغرب، إلى جانب أسماء أخرى وازنة في الساحة الحقوقية الوطنية.

وتحول حرزني من منطق الثورة المسلحة على النظام، كعضو ضمن تيار “لنخدم الشعب” الماركسي، إلى مدافع شرس عن مغرب الحقوق، مما جعله يصول ويجول، بقبعة السفير، في البلدان لرفع حرج سنوات الجمر عن الدولة المغربية، متكئا في مهمته على ما تحقق ضمن هيئة الإنصاف والمصالحة.

هو من قادة اليسار الراديكالي المغربي ومن مؤسسي حركة “23 مارس” الشيوعية، وبعدها من مؤسسي حركة “لنخدم الشعب” بعد الانشقاق، غير أنه قرر خدمة الشعب فيما سيلي حقبة الاعتقال من منطلق حقوقي، ما جعله يمضي سنوات من الترافع المؤسساتي لأجل طي صفحة ماضي الانتهاكات، ومنع بترافعه استغلال ورقة حقوق الإنسان ضد بلده ممن يضمرون بأنفسهم أمورا أبعد من خدمة المغاربة.

ولعل تجربة حرزني تعد من إحدى أهم التجارب اليسارية في تاريخ المغرب، إذ اعتقل حاملا مسدسا، ليقضي 12 سنة ونيف بالسجون، ما بين سنة 1972 بتهمة الانتماء إلى منظمة يسارية متطرفة، وأفرج عنه سنة 1984، وهي التجربة التي حكى عنها بتأثر شديد خلال الاستماع له من طرف هيئة الإنصاف.

ولم يقف الاعتقال عائقا أمام حرزني، المتحذر من أسرة أمازيغية بمنطقة بوحرزان بأزيلال الأمازيغي، والمزداد بمدينة كرسيف سنة 1948 لأبيه “حمد بن محمد” وأمه ”شطو بنت لحسن أوموح”، ما جعله يبدأ مرحلة جديدة بعد مراجعات تعتبر قطيعة لما سبق من مساره ومرجعيته اليسارية، جعلته يكمل مساره الأكاديمي، دون تنكر لماضي الحقوق.

حرزني، الحاصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع والأنتروبولوجيا من جامعة كنتاكي بلكسنتون بالولايات المتحدة (1994) ، شغل العديد من المهام، من بينها رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الانسان في الفترة ما بين 2007 ومارس 2011، وهو التاريخ الذي أصبحت فيه هذه المؤسسة تحمل إسم المجلس الوطني لحقوق الانسان.

وبدأ حرزني، مساره المهني كأستاذ للتعليم الإعدادي من أكتوبر 1971 إلى 1986، ثم باحثا بالمعهد الوطني للبحث الزراعي بسطات من يونيو 1986 إلى غشت 1995، ثم بالرباط وسطات من 1997 الى أكتوبر 2006، فأستاذا بجامعة الأخوين بإيفران من شتنبر 1995 الى دجنبر 1996. وفي نونبر 2006، عينه  الملك محمد السادس أمينا عاما للمجلس الأعلى للتعليم.

وخلال توليه مهمة رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، أشرف حرزني الذي أصدر عدة مقالات تحليلية وكتب، على مهمة تتبع تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة.

وبعد رحيل رفيق دربه السابق، إدريس بنزكري، استقبل الملك محمد السادس، في 31 ماي 2007 بالقصر الملكي بفاس، أحمد حرزني، وعينه رئيسا للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان؛ الذي اصبح فيما بعد مجلسا وطنيا.

الراحل أحمد حرزني كان وراء إطلاق دينامية إحداث لجان وفروع جهوية للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بعد تعيينه؛ وذلك بالمناطق ذات الأولوية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها عن قرب.

كما أسهم أحمد حرزني من موقعه كرئيس للمجلس، بعد رحيل إدريس بنزكري، في تكثيف المشاورات بشأن بلورة تصور المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، و كذا إقامة المجلس الأعلى للمغاربة المقيمين بالخارج، فضلا عن تفعيل خطة النهوض بالتربية على حقوق الإنسان، والانكباب على وضع مشروع ميثاق المواطنة، حقوقاً وواجبات.

ومنذ 13 أكتوبر 2016، شغل الراحل أحمد حرزني، منصب السفير المتجول، حيث ظل مدافعا شرسا عن حقوق الإنسان في ابعادها الكونية، و مناضلا متشبعا بالوطنية المغربية و فخورا بالتجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية إلى حين وفاته عن سن يناهز  75 سنة.

ورغم صفته الرسمية، ظل حرزني معبرا عن آراءه، إذ كشف عدم موافقته على القرار القاضي بإلحاق المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان بوزارة العدل، معتبرا أنه يخشى أن يؤدي ذلك إلى اندثار المندوبية، ما يختزل الهم الحقوقي الذي ظل الرجل منشغلا به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News