بورتريه

رياض مزور.. موظف بدرجة وزير وتقنوقراط بعباءة حزب الاستقلال

رياض مزور.. موظف بدرجة وزير وتقنوقراط بعباءة حزب الاستقلال

بينما يراهن المغرب على التقدم أكثر بقطاعات الصناعة والتجارة، وتعزيز السيادة الصناعية في عدد من المجالات، من خلال تشجيع علامة “صنع في المغرب” لتعزيز السيادة الصناعية، والمساهمة بخلق فرص الشغل ونسبة النمو والقيمة المضافة لهذه القطاعات، يُفضل رياض مزور، وزير الصناعة والتجارة، في كل مرة الانتشاء بترديد الأرقام والإحصائيات التي لا يلمس المواطن المغربي أثرها في معيشه اليومي.

الحيوية التي يُبديها رياض مزور بتحركاته، وعلى الرغم من أنها مطلوبة بشدة في المسؤول السياسي المغربي، إلا أن المؤكد أنها غير كافية للتغطية على القصور في عمل الوزارة، التي تراهن حكومة عزيز أخنوش عليها لتعزيز حصيلتها، سيما وأنها تقترب من نصف ولايتها، دون أن تحقق الوزارة ما يُرجى منها.

هناك بون شاسع بين تفاؤل الخطاب الذي يتفوق به رياض مزور على زملائه في الحكومة، وبين ضرورة توفر الوزارة على رؤية واضحة لإقناع المستثمرين الأجانب والمغاربة بخوض غمار الاستثمار بقطاعات تخلق فرص الشغل، وإقناع ملايين المكتويين بنيران البطالة أن الغد “وردي” اللون.

الوزير الذي اعتاد أن يكون موظفا سواء بديوان نزار بركة أو ديوان مولاي حفيظ العلمي، أو قبله أجيرا بعدد من الشركات الخاصة، لم ينعتق بعد من منطق التنفيذ إلى فساحة الإبداع وأخذ المبادرة، ذلك أن القطاعات التي يدبرها اليوم افتقدت للمسة القيادية التي تعوز المغرب في مثل هذه اللحظات، بدل أن يستمر الوزير في دور “تصريف الأعمال” التي باشرتها الوزارة في نسختها السابقة، وإن كان متفهما أن طبيعة القطاعات التي يشرف عليها استراتيجية وأكبر من عمر ولايته.

ولعل مطالبة الوزير رياض مزور بأن يبتعد عن منطق التقنوقراط وأن يمارس دوره السياسي بالحكومة تصبح غير ذات معنى إذ ما تم استحضار أن النصيب الأوفر من شرعية الوزير السياسية داخل حزب الاستقلال يُستمد من قربه من نزار بركة الذي أدار ديوانه لسنوات، حين كان رئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، قبل أن يلتحق سنة 2019 بوزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي كمدير لديوان الوزير مولاي حفيظ العلمي.

هذا الرصيد المتواضع للوزير مزور جعل تعيينه بالحكومة مصدر استغراب الاستقلاليين أنفسهم، الذين لم يستوعبوا بأي “باراشوت” نزل في الحكومة. وفيما يرد الوزير على منتقدي ضعف مساره السياسي داخل الاستقلال بأنه من الأعضاء المؤسسين لرابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، يأتيه الرد بلغة الحاضر مع غيابه شبه التام عن النقاش الجاري داخل بيت “الميزان”، والذي يجد نفسه داخله صفرا على الشمال في انتظار أن ترجح كفة نزار بركة ليجد له موطئ قدم في مستقبل الحزب.

وحش البطالة وجدال الأرقام

من بين أهم مرتكزات برنامج حكومة عزيز أخنوش خلق مليون منصب شغل خلال هذه الولاية، يُفترض أن تساهم بها وزارة الصناعة والتجارة بـ400 ألف منصب شغل منها، غير أن الوزارة ما تزال تخطو ببطء في اتجاه تحقيق هذا الرقم، ذلك أن المؤشر يأتي واضحا في إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط التي أكدت أن قطاع “الصناعة بما فيها الصناعة التقليدية” ساهمت بخلق 7.000 منصب شغل (4.000 بالوسط الحضري و3.000 بالوسط القروي) خلال سنة 2023.

وإن كان مزور لا يتحمل وحدها الحصيلة المتدنية في مجال التشغيل، فإنه يتحمل القسط الأوفر منها نظرا للقطاعات التي يُشرف عليها، ما يجعله معنيا بارتفاع البطالة خلال سنة 2023، بزيادة قدرها 138 ألف شخص، منهم 98 ألف بالوسط الحضري و40 ألف بالوسط القروي، إذ بلغ حجم البطالة مليون و580 ألف شخص على المستوى الوطني، وفق مندوبية الحليمي.

وتضيف المندوبية أن معدل البطالة من 11,8 في المئة إلى 13 في المئة على المستوى الوطني، ومن 15,8 بالمئة إلى 16,8 بالمئة في الوسط الحضري، ومن 5,2 بالمئة إلى 6,3 بالمئة في الوسط القروي. ويظل هذا المعدل مرتفعا في صفوف الشباب البالغين بين 15 و 24 سنة (35,8 بالمئة) وحاملي الشهادات (19,7 بالمئة) والنساء (18,3 بالمئة).

غير أن المتوقع أن لا تزعج هذه الأرقام كثير الوزير مزور الذي ابتدع أسلوبه في الإنكار من خلال انتقاده لأرقام المندوبية، مشككا حتى في منهجية اشتغالها، بمبرر أن طريقتها مختلفة عن طريقة الوزارة، وأنها لا تعترف بإنجازات الحكومة، متغافلا عن أن دور المندوبية بمثابة المرآة التي تعكس وجه الإنجازات دون مساحيق المدح والثناء، لأن مهمته ليس إرضاء الوزير.

ويؤكد الخبير الاقتصادي عمر الكتاني، في تصريح لجريدة “مدار21” أن “من يقول بأنه تم تحقيق إنجازات من ناحية محاربة البطالة فإنه يكذب على نفسه وليس على المغاربة”، مضيفا أن “الدولة بالفعل تبذل مجهود، لكن هذا الأخير لا يتعدى خلق بضعة آلاف من مناصب الشغل، مقابل أن العاطلين عن العمل يتحولون إلى مستهلكين بدل منتجين وإلى فقراء عوض أن يكونوا مكتفين، أو إلى منحرفين خاصة مع أرقام البطالة المخيفة بالقرى”.

وأورد الكتاني أنه “حتى لو وصلت الحكومة إلى تحقيق مليون منصب شغل التي تعهدت بخلقها، فإنه يجب الانتباه إلى مناصب الشغل التي تضيع سنويا، لأن الوضع كما لو كنا نملأ إناء مثقوبا، لأن المغرب فقد خلال الأزمات التي عشناها 2 مليون منصب شغل، مضيفا أن نمط الاستهلاك بالمغرب أكثر من نمط الإنتاج”.

البحث عن السيادة

أطلقت المملكة المغربية علامة “صنع في المغرب” لتعزيز “السيادة الصناعية” للبلاد، التي نادى بها الملك محمد السادس في عدد من خطاباته، ما وضع المغرب منذ سنوات على سكة تعزيز هذه السيادة الصناعية سواء على المستوى الغذائي أو الصحي أو غيرها لتوفير مخزون استراتيجي يقي المغرب خطر التقلبات الدولية والصراعات السياسية.

المطلوب هنا ليس “اختراع العجلة” لأنها موجودة بالفعل، ولكن المرجو أكثر هو تحريك هذه العجلة أكثر بالقوة الاقتراحية للوزير وبإجراءات عملية تشجع العلامة المغربية عبر توسيع بنك المشاريع الصناعية وقاعدة الأنشطة الاقتصادية، سواء على مستوى القطاعات أو على المستوى الترابي.

ويرى الكتاني أن العمل على السيادة الصناعية شيء مهم، “لكن ينبغي توفر الإرادة السياسية والروح الوطنية من أجل العمل بالموازاة على الرفع من السوق الاستهلاكية التي يمكن أن تتوجه إليها المنتوجات المغربية من خلال توجيه الصادرات المغربية، مشيرا إلى أنه هناك أمثلة من المغرب ناجحة بالبلدان الإفريقي.

وأوضح الكتاني أن المغرب يمتلك تكوينا جيدا ومتفوقا للمهندسين، وهم يشتغلون في قطاع صناعة السيارات وصناعة أجزاء السيارات، “ولكن هذه المؤهلات تفتقر إلى إرادة الدولة لتوفير الموارد من أجل توظيف هذه المؤهلات”.

وكثيرا ما يجد رياض مزور نفسه محاصرا من طرف نواب البرلمان بأسئلة ومطالب تبتغي تحويل “الخطاب المعسول” إلى واقع عملي، عبر خلق مناطق صناعية بمختلف الأقاليم المغربية، ووقف نزيف هجرة الكفاءات المغربية إلى الخارج، وتجويد المنتجات الوطنية وتشجيع استهلاكها شعبيا ومؤسستيا، وهي وغيرها واجهات تحتاج من الوزير عملا مضاعفا وإجراءات تتجه بالبلاد نحو الحل.

التزامات حكومية معلقة

وبالرغم من تشكيل الوزير لفريق عمل للسيادة الصناعية لتعزيز السيادة الوطنية وتشجيع وسم “صنع في المغرب”، وتسجيل مجهودات مهمة في هذا السياق، إلا أن المطالب ما تزال قائمة بشأن توضيح الإستراتيجية العملية لتعويض الواردات بالمنتوجات الوطنية، وتدابير مواجهة المنافسة الخارجية والتعريف بالمنتوجات المغربية.

الوزير مزور مدعو إلى عدم الاكتفاء بالشعارات فقط، وذلك من أجل تعزيز المجهودات التي يتم القيام بها، والوفاء بالتزامات الحكومة في برنامجها 2021-2026 من أجل تحسين تنافسية علامة “صنع في المغرب”، والذي تضمن عددا من التدابير، أبرزها؛ تشجيع مبادرات الاستثمار وتبسيط الإجراءات القانونية والإدارية ودعم تنافسية المقاولات الوطنية، وتعويض الواردات بالمنتوجات المحلية لما قيمته 34 مليار درهم سنويا، مع إمكانية خلق ما يزيد عن 100,000 منصب شغل.

ومن أبرز التدابير، التي أعلنها البرنامج الحكومي والتي تسائل حصيلة الإنجاز من طرف الوزير، مراجعة اتفاقيات التبادل الحر غير المتوازنة..، والدفاع عن القطاعات المستهدفة بالمنافسة الدولية حين تكون غير عادلة، وتفضيل المنتوج الوطني فيما يتصل بالمشتريات العمومية، وتشجيع ولوج المقاولات الصغيرة جدا والمقاولات الصغرى والمتوسطة إلى الطلبات العمومية.

نجاحات ولكن..

الخبير الاقتصادي محمد جدري: يرى أن المملكة المغربية قامت بعمل جبار خلال العشرين سنة الأخيرة في كل ما يتعلق بالقطاع الصناعي الذي أصبح اليوم قطاعا واعدا، والقطاع الأول المُصدِر إلى الخارج، مفيدا “اليوم لدينا مجموعة من قصص النجاح التي ينبغي مواصلة العمل بها في السنوات القادمة، خاصة قطاع السيارات وصناعة الطائرات وصناعة النسيج والجلد والألبسة، وكذلك الأمر بالنسبة للصناعات الغذائية”.

ويؤكد الخبير أنه “يجب مواصلة العمل في كل ما يتعلق برفع نسبة الاندماج المحلي، مثلا في قطاع تصنيع السيارات لدينا 64 في المئة من القيمة المضافة تُعد قيمة مضافة محلية ونريد الوصول إلى 80 في المئة خلال السنوات المقبلة، الأمر نفسه بالنسبة لتصنيع الطائرات، إذ ينبغي أن ننتقل من صنع أجزاء الطائرات بالمغرب إلى مستويات مرتفعة من القيمة المضافة مستقبلا”.

وتابع جدري “اليوم لدينا البنية التحتية متوفرة والرأسمال البشري موجود، ومناخ الأعمال يتحسن شيئا فشيئا، كما يوجد لدينا ميثاق استثمار يجب أن نستمر في تنزيله لتدعيم مجموعة من المستثمرين الأجانب والمستثمرين المغاربة، إضافة إلى ضرورة عمل صناعتنا على مساعدتنا في توفير الصناعة الدوائية والسيادة الصحية، خاصة وأن الصناعة الدوائية أبانت ملحاحيتها خلال الجائحة”.

وأوضح المتحدث أن الصناعة “تخلق الثروة ومجموعة من فرص الشغل، ولكن يجب أن نواصل أكثر العمل في هذا الاتجاه من أجل الوصول إلى مستويات مهمة من جلب العملة الصعبة، وكذا الوصول إلى 400 مليار درهم من القطاع الصناعي فقط لمساعدتنا في تعزيز صادراتنا وفي التقليص من نسبة العجز التجاري للمحافظة على سيادتنا المالية أمام المؤسسات المالية الكبرى”.

سؤال القيمة المضافة

من أكثر الأسئلة التي تردد على الوزير تلك المتعلقة منها بالقيمة المضافة للقطاع الصناعي بالمغرب، سيما مه النجاحات المهمة التي حققها قطاع تصنيع السيارات وأجزاء الطائرات، غير أن الوزير يحصر هذه القيمة فقط في مناصب الشغل التي يتم خلقها، وذلك في عدد من لقاءاته الإعلامية، في يحتاج الاقتصاد الوطني إلى ما هو أكثر من ذلك.

في هذا السياق، يورد الخبير الاقتصادي عمر الكتاني أنه “بخصوص صناعة السيارات التي يستعرض وزير الصناعة والخدمات أرقامها في كل مناسبة، بأنها تتعلق بالرأسمالية التي لا تخلق فرص الشغل الكبيرة بالمغرب بالرغم من أن تلك الاستثمارات تبقى مهمة بالنسبة للمغرب”.

ويضيف المتحدث ذاته أن القيمة المضافة لهذه “الصناعة رأسمالية ولا يتم توزيعها على المجتمع، ولهذا ينبغي التفريق ما بين الاقتصاد الاجتماعي والاقتصاد الرأسمالي، لأن هذا الأخير تستفيد منه فئة قليلة، ذلك أن بعض الشركات تستفيد من دعم الدولة والأبناك مما يوفر لها أرباحا مهمة لا تنعكس على المجتمع”.

وبخصوص عدم انعكاس النجاح الصناعي على القيمة المضافة ونسب النمو، أبرز الخبير الاقتصادي أن المشكل “يوجد في الأصل في عدم انعكاس النمو على المجتمع، ذلك أن التوزيع سيء”، مضيفا أن “سيادة الريع تهدر نقاط في النمو، لأن هناك بلدان تستثمر مثلنا ما بين 30 و35 في المئة من الدخل الوطني وتحقق نمو يصل إلى 7 في المئة، بينما يحقق المغرب 3.5 في المئة، مما يطرح السؤال حول اختلاف المردودية، مشددا على ضرورة تخليق الحياة الاقتصادية”.

ومن جهة أخرى، أفاد الكتاني بأن “القطاع غير المهيكل تشجعه الجهات المسؤولة، ذلك أن الضغط الضريبي في المغربي مرتفع جدا ويقتل القطاع المهيكل ويدفع المقاولات إلى مغادرته نحو القطاع غير المهيكل”، مضيفا أنه “عوض أن يكون الضغط الضريبي على الكبار فهو يوجه أكثر إلى الفاعلين الصغار، إضافة إلى مشاكل الرخص وتعقد المساطر، إذ يشعر المستثمر أنه مُحاصر”.

غلاء الأسعار

منذ تشكيل حكومة  عزيز أخنوش شهدت البلاد توالي العديد من الأزمات أبرزها غلاء الأسعار والتضخم، غير أن الوزير رياض مزور تمادى خلال هذه الأزمات في لغة الصمت تارة ولغة الأرقام تارة أخرى، مضيفا للمغاربة حيرة جديدة لاستيعاب أرقامه ومنطلقات رؤيتها بينما كانوا محتارين فقط مع طريقة ملء القفة في ظل الغلاء.

التبريرات التي ساقتها الحكومة في أكثر من مناسبة أن مسببات الغلاء الذي شهدته معظم السلع والمواد الأساسية خارجية وأن التضخم مستورد، ما يُعد ثقلا إضافيا على الوزير رياض مزور الإضطلاع بدوره في مواجهته، لا سيما وأن محااربة الغلاء وتوفير المنتوجات للمغاربة بأثمنة مناسبة وجودة يعد من صميم عمل وزارته.

ولعل موجات الغلاء التي تضرب المغرب بين الفينة والأخرى، سواء بسبب بالتقلبات العالمية وتأُثيرات الصراعات الجيوسياسية، أو بسبب العوامل الداخلية المتجلية في انتشار السماسرة والوسطاء، وغياب الرقابة الكافية على سلاسل التجارة الوطنية، تُعد بمثابة اختبار حقيقي لوزارة يظهر إلى أي مدى تقدمت البلاد في تحقيق السيادة وتعزيز الإنتاج الوطني، عبر التحرك على مختلف الأصعدة، وأهمها ما يخص تأهيل الموارد البشرية وتكوينها والرفع من أجور اليد العاملة وكفل حقوقها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News