سياسة

تحليل.. هل أنهى “السقوط المدوي” للبيجيدي “ربيع الإسلاميين” في المغرب؟

تحليل.. هل أنهى “السقوط المدوي” للبيجيدي “ربيع الإسلاميين” في المغرب؟

يوم مفصلي عاشه الحقل السياسي المغربي في انتخابات 8 شتنبر الجاري. فمن كان بالأمس يتربّع على عرش النتائج أصبح اليوم ما دون الدرك الأسفل منها؛ خسارة وتقهقرا، لتطوي البلاد آخر قلاع إسلاميي الربيع في العالم العربي رغم اختلاف السقوط عما جرى في بعض الدول العربية التي أطاحت بهم عبر انقلابات عسكرية.

اعترت العدالة والتنمية عدة مخاوف قبيل الانتخابات، وكان الرهان أساسا على البقاء في مركز قوة ضمن المشهد السياسي الوطني، لكن لم يتوقع الحزب ولا حتى خصومه، ولا متتبعي الشأن السياسي بالمغرب أن يصل به الحال إلى هذه المراتب المتدنية، إذ حل حزب “المصباح” في المرتبة الثامنة ضمن ترتيب الأحزاب إثر حصده 13 مقعدا برلمانيا فقط، فشكّلت النتائج صدمة من العيار الثقيل بعد أن حاز على 125 مقعدا في الاستحقاقات التشريعية السابقة.

رغم ذلك، فخروجه السلس من السلطة بالمغرب يعد أكثر نعومة مقابل تجارب في دول عربية أخرى، إذ احتكمت مغادرته لإرادة الناخب لا غير. ورغم هذا “السقوط المدوي”، كما يصفه البعض، فما يعزِّيه أن الحزب مازال لديه موطئ قدم في الساحة السياسية، فالأبواب تبقى مشرعة لإثبات حضوره من جديد وفق الأسس ذاتها التي جاءت به إلى سدة الحكم.

وعلى ضوء هذه النتائج، طرح العديد من الملاحظين السياسيين والمتتبعين للشأن العام في المملكة سؤال: “هل أفضت هذه الانتخابات إلى وضع حد لاستحواذ الإسلاميين على الساحة السياسية في المغرب؟”

وفي قراءة لتقهقر حزب العدالة والتنمية، ذو التوجه الإسلامي، صرح  أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، تاج الدين الحسيني، لجريدة “مدار21” قائلا: “كلمة ذو توجه ديني ليست قطعية بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، وأيضا غير مرتبطة بمدى قوته ودوره في ممارسة الحكم خلال السنوات العشر الماضية”، مضيفا “البيجيدي شكل منذ أحداث الربيع العربي نوعا من البديل المناسب لتجاوز الآثار الصدامية لرياح التغيير العاتية في عدة بلدان غربية التي أدت إلى كوارث كثيرة في عدة مناطق عربية في مصر أو سوريا أو العراق تونس،
كما أن الجزائر عاشت قبل ذلك فترة رهيبة خلال ما يسمى بالعشرية السوداء وكان السبب في ذلك أن المؤسسة العسكرية رفضت إعطاء السلطة للإسلاميين.”

وأضاف المتحدث نفسه أن “وصول “البيجيدي” إلى رئاسة الحكومة جاء في سياق تجاوز تحديات الربيع العربي وفي الوقت نفسه إعطاء هذا الحزب فرصته ليمارس السلطة وليختبر نفسه أمام أطياف الشعب المغربي وبطبيعة الحال هذه التجربة لم تكن ناجحة”، واعتبر الحسيني أن تجربة العدالة والتنمية “تجربة محدودة على مستوى مسؤوليتها عن الفشل من عدمه نظرا لكونها ليست هي الممارسة بمفردها للحكم، ثم ثانيا أنها تمارس السلطات الحكومية في إطار ائتلاف تفوض فيه الوزارات لأحزاب أخرى.”

وعزا أستاذ العلاقات الدولية أسباب إخفاق “البيجيدي” في استحقاقات 8 شتنبر الجاري إلى “الصراعات الداخلية التي شهدها الحزب ابتداء من  إبعاد عبد الإله بن كيران من رئاسة الأمانة العامة للحزب، إذ أثر التشرذم الداخلي بين مناصري بنكيران والراغبين في طي صفحته على قدرة الحزب على مجابهة التحديات التي واجهته”، مردفا أن “هذه الصراعات تفشت بشكل جعل وحدة الحزب تتعرض في كثير من المراحل للخطر،
ثم إن الطاقات المكوّنة للبيجيدي بشكل عام ليس لها تكوين ثقافي وعلمي يبقى محدودا فقط في استثناءات معينة، إذ إن أغلبية أطر الحزب تتكون من المعلمين وأساتذة السلك الثاني وكذلك بعض الموظفين المتوسطين وبالتالي الكفاءات الكبرى ظلت مرتبطة بأحزاب أخرى وهذا ما أعطى للحزب نوعا من الخصاص على مستوى الأشخاص المدبرة للقطاعات الحيوية.”

ولفت الحسيني إلى أن “عملية التدبير لا تهم فقط الحكومة بمفردها ولكنها تتوسع لتشمل في آن واحد الجهات، وكان للبيجيدي دور كبير في تسييرها علاوة على الجماعات المحلية والمقاطعات، وكل المؤسسات المنتخبة وبالتالي غياب مستوى رفيع لمتخذي القرار، أفضت إلى حدوث آثار سلبية على مستوى أداء حزب العدالة والتنمية، ما جعله محط الاتهامات في ما يتعلق ببعض التحالفات بين السلطة والمال
ومن قبيل المحسوبية وضعف الأداء في المجال الإداري، وهذه التراكمات مجتمعة أدت إلى هذا التدهور خاصة وأن القيادة المركزية للحزب عرفت تراجعا في أعضائها بعد انتقال العثماني إلى سدة القيادة والذي لم تكن تتميز شخصيته بذلك القدر من الكاريزما ومن خصوصيات رجل الدولة الذي تؤهله إلى أن يتوفر على الشجاعة الأدبية والقدرة على متابعة القضايا الأساسية وضبط آلية اتخاذ القرار”.

لم تكن هذه الأمور مجتمعة سوى مؤشرات قوية على وجود أزمة عنيفة تعصف بمكانة الحزب، واستطرد الحسيني بالقول “العقد الكامل الذي قضاه البيجيدي في الحكم كاف لكسر شوكته، فالسلطة هي شبيهة بطاحونة تمارس الاستنزاف على أصحابها قبل غيرهم، وبالتالي لم يمكن هناك مناص من التدهور، لكن لا أحد كان يظن ولو على سبيل التشاؤم أن هذه النسبة ستنزل إلى هذا النوع من السقطة المدوية من 125 إلى 13 مقعدا فقط وكنا جميعا نظن أن الأمر يتعلق بالنزول إلى 50 أو 60 مقعدا، وبذلك سيتبوأ الحزب المرتبة الثانية أو الثالثة في أسوء الاحتمالات.”

ويجد البعض أن التغير الملحوظ في اللّون السياسي للبيجيدي، وتبدل مواقفه في بعض القضايا ساهم في انعدام ثقة الناخبين بمشروعه، وكذا بعض مناضلي الحزب كذلك، ومن ثم خروجه من الباب الخلفي بعد عقد على رأس الحكومة، وهو ما أشار إليه الحسيني قائلا: “أعتقد أن هذا السقوط ارتبط باعتبار بعض الجهات المتطرفة أنه وافق على اتفاقيات أبراهام التي أدت إلى الاعتراف بإسرائيل، وكذلك كون هذه الأطر التي تمارس القرار، ربما بعض منها، اتجه نحو الانسحاب. وإذا ما قارنا بين مستوى الدعاية الانتخابية التي قام بها الحزب قبيل سنة 2016 وتلك التي قادها في هاته الانتخابات نلاحظ أنها أصبحت ضعيفة جدا، ففي السابق كان الحزب يتوفر على قوة مهيمنة في وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك على مستوى التجمعات التي تعقد في كل مكان وكذلك على مستوى تسخير صحافته وهذه الأشياء لم تحدث هذه المرة إذ ذهب بعض من الإعلاميين إلى القول: كما لو أن للحزب إرادة في السقوط هذه المرة.”

بعيدا عن النتائج “الصادمة” التي أحرزها الإسلاميون، ظهر جليا استفادة حزب التجمع الوطني للأحرار من تعثر “البيجيدي” لضخ دماء جديدة إلى حياته السياسية، وبهذا الصدد قال المتحدث ذاته: “سارع حزب التجمع الوطني للأحرار منذ 2017 في حملات قوية ليس فقط على مستوى الترويج لبرنامجه المستقبلي ولكن على مستوى استقطاب الأعيان ورجال الأعمال في جل مناطق المغرب، ويقول البعض بأن الحزب لجأ كذلك إلى استشارة متخصصين أمريكيين كانوا قد ساهموا في دعم حملة أوباما الانتخابية ووظف كفاءاتهم في عملية الاستعداد لهذه المرحلة.”

وعن التحفظات التي قدمها البيجيدي بخصوص سلامة الانتخابات وسلامة استعمال صناديق التصويت أردف الحسيني: “أعتقد ألا أحد له الحق في التحدث في هذا الأمر، لأنه يُطرح على المحكمة الدستورية لتقول كلمة الفصل فيه.”

في المقابل وظف بعض المحللين توصيف “التصويت العقابي” كنتيجة لما آلت إليه نتائج الاقتراع “الكارثية” للعدالة والتنمية، واعتبر المتحدث ذاته أن لهذا التوظيف أسبابه “أولها التصويت العقابي الصادر ممن ينتمون إلى أحزاب أخرى أو المستقلين، وهؤلاء اعتبروا “البيجيدي” لم يف بالتزاماته التي قطعها على نفسه خلال الحملة الانتخابية لسنة 2016، وهذا في حد ذاته سبب كاف لكي تكون العملية عقابية من طرف هؤلاء، لكن الشيء المثير للاهتمام هو أن هذه العملية العقابية جاءت من ذوي القربى بالأساس، أي من طرف مناضلي الحزب ذاته.”

ثانيها، حسب متحدثنا، أن الحزب الإسلامي “لم يعد يلائم تطلعات وقناعات مؤيديه سواء الدينية أو السياسة بعد قبول إعادة العلاقات بين المغرب وإسرائيل.”

وعن تقهقر سياسات الحركات الإسلامية عربيا ونجاحها في تركيا، أكد الأكاديمي المغربي أن “هناك بعض النماذج التي تراوح مكانها وأخص بالذكر ما حدث في تونس لأن حزب النهضة أخذ اتجاها حاول من خلاله أن يتفادى الصدمة التي وقعت في مصر للإخوان المسلمين، وحاول في البداية أن يبتعد عن المباركة المباشرة للسلطة وأن يدخل في تحالفات، فالغنوشي اليوم أصبح مرفوضا لدى المواطن التونسي وحتى مقترحه بإقامة ندوة وطنية للإصلاح لم تكلل بالنجاح، وهو اليوم يقول في مقال نشره مؤخرا بعنوان هل انهار الإسلام السياسي حقا؟ فيجيب بأن الانهيار لم يتحقق لكن الأحزاب الإسلامية هي فقط بصدد إصلاح الأخطاء التي ارتكبتها”.

وأشار الحسيني إلى أن النموذج المغربي له خصوصيته على اعتبار أن المقارنة تبقى نسبية، قائلا: “إذا أخدنا بمفهوم الحركات الدينية الإسلامية سنجد على رأسها جماعة الإخوان المسلمين التي كانت انطلاقتها من مصر عندما أسس حسن البنا الجماعة سنة 1928، وكان هذا التأسيس يرتبط بفكر قوي هدفه الربط بين الدعوي والسياسي إضافة إلى الاجتماعي والاقتصادي.”

أما حزب العدالة والتنمية، بحسب المتحدث نفسه، لا يخلط بين الدعوي والسياسي، وأوضح أن “جانبا مهما لدى الحزب هو جمعية التوحيد والإصلاح، الجناح الدعوي للحزب، وأكاد أقول أن الرابط الأساسي للطرفين هو أن جل الأطر التي تقود اليوم البيجيدي منبعها هذه الحركة، لكن العملية في الفصل تحققت كذلك بمطالب سياسية وقانونية لأن الدستور المغربي يمنع الخلفية الدينية كأساس لأي حزب سياسي، لكن أن نقول بأن حركة التوحيد والإصلاح تسيّر الحزب من وراء حجاب فهذا يبقى حتى من طرف قيادات الحزب مردودا عليه وبالتالي أعتقد أن المقارنة غير ممكنة.”

بالنسبة لنجاح النموذج التركي مرده وفق تاج الدين الحسيني إلى أسباب تاريخية قبل أن تكون واقعية، وجاء في تصريحه للجريدة: “اليوم عندما جاء أردوغان ونجح كمحافظ لإسطنبول نجاحا انبهر له الأجانب قبل الأتراك أصبح له نوع من الكاريزما التي أهلته لأن يكون رئيس دولة وليتابع عملية إعادة الأمور إلى نصابها بشكل لم يسبق له مثيل، كما أن أردوغان هو الآخر تعرض لكبوات ومحاولة انقلاب قوية لكن الحزب استمر على نهجه الحالي، علما أن هذا الأخير كذلك لا يخلط بين الدعوي والسياسي فهو يمارس نشاطه في إطار قبول النظام العلماني وما زالت علمانية الدولة تفرض نفسها حتى في عهد أردوغان.”

وأشار الحسيني في ختام حديثه إلى أن النموذج المغربي، بغض النظر عّن الفصل الواضح بين الدعوي والسياسي، فلا يجب إغفال أن المغرب يبقى دائما في إطاره التقليدي والأصلي وهو ألا يحق لأحد تبني الدين على أساس أن الملك يمارس دوره أميرا للمؤمنين ورئيسا لهيئة العلماء، وبالتالي لم يترك مجالا لطرف آخر ليتبنى أطروحة جديدة، خاصة وأن المغرب ملتزم بالمذهب المالكي والسير في إطار تطبيق ديني يتميز بالمرونة والوسطية والعقيدة الأشعرية.. ويرفض أي تطرف أو تعقيد في الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وبالتالي لا يحق لنا أن نقول إن هناك انهيارا للأحزاب الإسلامية في العالم العربي ونعطي المغرب مثالا على ذلك”، مستطردا: “ليس هناك أي تطرف أو انزلاق بحجة أن السنوات العشر التي قادها البيجيدي لم تذهب بنا إلى أي تغييرات تشبه لما يمارسه طالبان في أفغانستان ولا لما مارسه الاخوان المسلمون في مناطق أخرى في العالم.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News