رأي

60 عاما من العمل البرلماني المغربي

60 عاما من العمل البرلماني المغربي

بحر الأسبوع الماضي، شهد المغرب تخليد الذكرى الستين لتأسيس البرلمان المغربي، حيث تم انتخاب أول برلمان من مجلسين سنة  1963 في ظل دستور 1962، بعد عدة مخاضات دستورية وسياسية، كان أكبرها آنذاك حصول المغرب على إستقلاله.

من المؤكد أن ستين عاما من العمل البرلماني المغربي بمالها، وبما عليها، قد راكمت تجربة غنية، زادت من غناها بالإضافة إلى ما حمله البرلمان بين دفتيه من نخب برلمانية، وممارسة تشريعية وغير تشريعية، وعلى كل ذلك عنى تطور التجربة الدستورية المغربية، المرتبطة أساسا بسياق التعديلات الدستورية التي مرت منها المملكة والتي بالأساس ترخي على المؤسسة التشريعية بظلالها سواء من حيث التكوين والتركيب ( نخب، أحزاب،نقابات عمالية، ممثلي مشغلين…)، وأيضا من حيث الإختصاصات ونطاقها.

من كل ما سبق يبدو جليا، بل من المهم الوقوف والنظر في مكامن الجودة قصد تثمينها ومكامن الضعف قصد النهوض بها وتداركها.

الانتقادات الموجهة للبرلمان.. بين المستحق وغير المستحق

يتلقى البرلمان المغربي على الأقل إعلاميا جملة من الإنتقادات، سواء فيما يهم   تأليفه، أي النخب من جهة  ـ ومن جهة أخرى نهوضه بإختصاصاته.

الأكيد أن هذه الإنتقادات من وجهة نظر متبنييها، تبدو منطقية بالنسبة لهم خاصة أنهم يرتكزون في بناءها إلى نسبة حضور النواب والمستشارين لأطوار الجلسات العامة سواء الشهرية أو غيرها، وإلى عدد المصوتين على النصوص التشريعية، ويذهب بعض الباحثين إلى توجيه سهام الإنتقاد، إلى تكوين النخب وضعف إلمامها بمختلف الجوانب التشريعية من نصوص ومعطيات، خاصة المالية منها، نظرا لتردد مناقشة والتصويت على مشاريع قوانين مالية السنة نهاية كل سنة مالية، مما يجعل عمل النخب البرلمانية تحت مجهر العموم، ويلفت النظر أيضا إلى معطى الحضور والغياب والتدخل بين النواب و المستشارين.

غير أن ما يغيب، هو ان تدخل النائب أو  المستشار البرلماني، ليس بالضرورة أن يحضر جميع الفعاليات، ولا أن يتدخل في جميع المناسبات، فالعمل البرلماني مؤطر بقواعد تحددها أنظمة داخلية للمجلسين حسب الفصل 69 من الدستور المغربي الذي نص على أنه ( يضع كل من المجلسين نظامه الداخلي…. يحدد النظام الداخلي بصفة خاصة: • قواعد تأليف وتسيير الفرق والمجموعات البرلمانية والانتساب إليها، والحقوق الخاصة المعترف بها لفرق المعارضة)، بالتالي يكون النائب أو المستشار منضويا في فريق او مجموعة، حيث تقدم الأسئلة والتدخلات والتعقيبات في نطاق فريق، كما أن الفريق أو المجموعة يمثله رئيس او منسق حسب الحالة  ( حسب الأنظمة الداخلية لكل مجلس )، بل حتى أماكن جلوس كل فريق محددة ومضبوطة سلفا بعدة معايير كحجم الفريق وكونه في الأغلبية أم المعارضة.

كما أن الحديث عن الحضور والغياب، لا يستحضر في الذهن أن النواب والمستشارين يضطلعون بمهام أخرى، قد لا تسلط عليها الأضواء نظرا لطبيعتها، أو لا تسلط عليها الأضواء بالشكل الكافي،  من قبيل العمل باللجان الدائمة والتي تكون إجتماعاتها سرية بالأساس عدا إذا في حالات معينة رهينة بإجراءات أساسها تقديم طلب في الموضوع من رئيس المجلس أو مكتبه او رئيس الفريق أو من الحكومة أو ثلث أعضائها أو بمبادرة من مكتبها، أو القيام بالعمل ضمن لجان موضوعاتية فرعية تعنى بموضوع يستأثر بإهتمام الراي العام او دراسة قانونية، أو القيام بمهام إستطلاعية. بالتالي لا يقتصر عمل النائب أو  المستشار على الحضور بالجلسات العامة فقط والقيام بإلقاء الأسئلة الشفهية، غير أن هذا الأمر، لا  يمكن إعتباره ذريعة لتبرير غياب النواب والمستشارين، فالملاحظ أن مجلسي البرلمان حاربا غياب الأعضاء وذلك من خلال عدة إجراءات من قبيل النداء الإسمي، والتوقيع، ونشر لوائح المتغيبين بعذر وبدون عذر، وإمكانية تنبيه المتغيب بدون عذر ،  وإمكانية الإقتطاع من التعويضات الشهرية.

تبقى مسألة ضعف الإنتاج التشريعي، كمحدد لمردودية البرلمان. فكرة – في نظري – لا يجب أن تؤخذ على إطلاقها. ذلك أن الإنتاج التشريعي لمؤسستي البرلمان مرتبط بعدة أمور أكثر عمقا من التصويت على نص  كيفما كان شكله. فكما هو معلوم فالمبادرة التشريعية يتقاسمها البرلمان مع عدة أطراف يأتي من بينها الحكومة ـ بالتالي تصير هذه الأخيرة دولابا أساسيا في عربة التشريع. كما أن سؤال الحصيلة التشريعية كمقياس للأداء يعتبر – في نظري – معيبا إن أخذ المعطى العددي للنصوص المصادق عليها فقط كمؤشر عليها. فليس المهم كم النصوص – دوما في إطار وجهة نظري – المصادق عليها بل الأهم نجاعتها وجودة تأطيرها للحقل المنظمة له.

أما مسألة تكوين البرلمانيين، فالبرلمانيين ليس مطلوبا منهم، معرفة دقائق الأمور عن كل المجالات، وهو ما يبرر لجوء العديد من البرلمانات الوطنية إلى الإستعانة بمكاتب  دراسات، وتعيين مستشارين تتجلى مهامهم في الدعم التقني للبرلمانيين، بالإضافة إلى سياسة التكوين التي تنظمها تلك البرلمانات.غير أن هذه التدابير لا تعفي من ضرورة سبقية توافرهم على حدود دنيا من المعارف والتكوين.

رسالة ملكية.. تثمين وخارطة طريق لبرلمان مغربي أجود

تحتل الرسائل الملكية مكانة أساسية النظام المغربي، فهي إلى جانب عدة آليات وأساليب متعددة تجسد آلية من آليات التعبير عن الإرادة الملكية، كما أنها تعد مكونا من  مكونات بناء النصوص القانونية بالمغرب، سواء من الناحية العضوية وأقصد هنا من حيث الطبيعة( دستور، قوانين تنظيمية، قوانين. والنصوص التنظيمية وما ينحدر من هرمها ). ومن ناحية المضمون، بحيث أن الرسائل الملكية تمثل توجيهات للمخاطبين بها وللفاعلين العموميين ككل،  سواء كإشارة للمبادرة التشريعية سواء في صياغة النصوص القانونية او المبادرة في صنع السياسات او إتخاذ القرارات.

الملاحظ أن الرسالة الملكية ( الموجهة إلى المشاركين في الندوة الوطنية للذكرى الستين لإحداث البرلمان المغربي) كانت كعادة الرسائل الملكية، مشخصة لوضع البرلمان ومثمنة لجهوده سواء من حيث التشريع، أو من حيث الوظائف البارابرلمانية والتي تأتي على رأسها الديبلوماسية البرلمانية التي شهد لها صاحب الجلالة، بكونه مرتاح لها. كما أن الرسالة الملكية جاءت كخارطة طريق للعمل البرلماني المغربي مستقبلا، تروم تجويد عمل هذه المؤسسة وتعزيز النهوض بأدواره.

في نظري أن الرسالة الملكية أطرت تجويد العمل البرلماني بعدة مداخل ؛

  • مدخل تغليب المصالح العليا للوطن،
  • مدخل تخليق الحياة البرلمانية مدخل الرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة،
  • مدخل الربط بين مبادئ الديموقراطية الثمثيلية وغيرها من المبادئ الديموقراطية، على رأسها الديموقراطية التشاركية.
  • مدخل تعزيز التشبيب وتمثيلية النساء،
  • مدخل تعزيز الإنفتاح المؤسساتي،

إن تفعيل العمل على هذه المداخل، مسؤولية عدة فاعلين. بالإضافة إلى مؤسستي البرلمان. لاسيما، الأحزاب بالدرجة الأولى وإلى جانبها المنظمات المهنية وأيضا الحكومة.

فمن الأساسي نهوض الأحزاب والمنضمات المهنية بأدوارها الوطنية والدستورية. والتي يأتي على راسها تأطير المواطنين والمواطنات وتكوينهم سياسيا والدفاع عن مصالحهم إقتصاديا وإجتماعيا،و تعزيز إنخراطهم في الحياة الوطنية والمشاركة في التدبير. لكن بالأساس إختيار النخب التي يمكنها النهوض بمسؤوليات التمثيل والتدبير من ناحية. ومن ناحية أخرى، ومتسلحة بالكفاءة وبحس الإنتماء الوطني وتغليب المصلحة العليا للبلاد.

هذه النخب التي يمكنها أن تنهض بمسؤولية تعزيز تخليق العمل البرلماني الذي دعت له الرسالة الملكية، وبإمكانها المساهمة بشكل فعال إلى جانب السلطات الأخرى في إطار مبدأ تعاون السلط من الوصول إلى الأهداف التي رسمتها الرسالة الملكية، من نشر لقيم الديموقراطية وثقافة الحوار وتعزيز الثقة في المؤسسات، وتقوية اللحمة الوطنية.

*باحث جامعي في الحكامة القانونية والقضائية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News