مجتمع

اتساع دائرة الجرائم.. برلمانيون يحذرون من نتائج عكسية للعقوبات البديلة

اتساع دائرة الجرائم.. برلمانيون يحذرون من نتائج عكسية للعقوبات البديلة

حذّر مستشارون برلمانيون من نتائج عكسية لمشروع قانون العقوبات البديلة، الذي يمكن أن يؤدي إلى اتساع دائرة الجرائم، مؤكدين أن تنزيل هذا المشروع على المستوى العملي يطرح عدة إشكاليات تتعلق أساسا باعتماد إصلاح شامل سواء تعلق الأمر بمجموعة القانون الجنائي أو غيرها من القوانين الجنائية الخاصة.

ويُثير مشروع قانون العقوبات البديلة إشكاليات على مستوى التطبيق تتمثل في الجهة التي أوكل إليها المشروع صلاحية تتبع تطبيقه وهي قاضي تطبيق العقوبة، حيث تثار عدة أسئلة حول مدى توفر هذه المؤسسة على صلاحيات كافية تضمن فعالية أدائها للدور المنوط بها، دون إغفال مدى مراعاة مشروع القانون لوضعية بعض الفئات وعلى رأسها الأحداث، والأشخاص في وضعية إعاقة، والأجانب، واستحضاره أيضا لمقاربة النوع الاجتماعي.

وبينما قلّل المندوب العام لإدارة السجون من تأثير قانون العقوبات البديلة الذي صادق عليه البرلمان مؤخرا في الحد من معضلة “اكتظاظ السجون” التي تحد من جهود أنسنة المؤسسات السجنية بالمملكة، دافع وزير العدل عن جدوى تطبيق هذا القانون الرامي لتجاوز الإشكالات التي تطرحها العدالة الجنائية، خاصة ما يرتبط بالعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة في علاقتها بمعضلة الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية.

وقال خليهن لكرش عضو مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، خلال مناقشة مشروع قانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان بمجلس المستشارين، إن هذا المشروع يطرح إشكاليات عميقة تتعلق بمدى مواكبته لرهانات السياسة العقابية ومدى مراعاته لمراكز مختلف الأطراف المتدخلة في المنظومة الجنائية.

وشدد لكرش بحضور وزير العدل عبد اللطيف وهبي، على ضرورة التوفيق بين حق المحكوم عليه في إعطائه فرصة ثانية، وحق المجتمع في حماية نفسه من الظاهرة الإجرامية من جهة، ثم حق المتهم في مواجهة حق الضحية والذي يبدو أنه قد تم تغييبه تماما من المشروع.

ويرى المستشار البرلماني، أن هذا المشروع يطرح إشكاليات أخرى تخص بالدرجة الأولى ما يتعلق بنوعية الأفعال الجرمية ووصفها الجرمي سواء تعلق الأمر بجنح، ضبطية أو تأديبية، ومدى إمكانية توسيع نطاق التطبيق ليشمل أيضا أفعالا توصف بكونها جنايات بسيطة.

وسجل لكرش أن التدخل الدائم الذي يعتمد على العقوبات الحبسية كدواء ناجع للجنح البسيطة أدى إلى اتساع نطاق التجريم ليشمل أفعالا ليست بتلك الخطورة التي من شأنها أن تهدد أمن المجتمع، مؤكدا أنه فشل فشلا ذريعا في تحقيق الهدف من العقوبة، حيث أكدت الإحصائيات الرسمية أن مؤشر الجريمة خاصة في المجال الجنحي عرف ارتفاعا مهولا فاق في معدله كل التوقعات.

وقال البرلماني ذاته إن هذا الوضع يستدعي التخلص تدريجيا من الحلول العقابية التقليدية التي تقوم بشكل أساسي على العقوبات السالبة للحرية، مُبديا تخوف مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل من أن يؤدي هذا النهج التجزيئي إلى تطبيق العقوبة البديلة كبديل للسجن موقوف التنفيذ، “وهو ما قد لا يحقق الأثر المرجو منها من مواجهة ظاهرة اكتظاظ السجون وتزايد حالات العود، أو التنصيص على العقوبات البديلة في القانون وبقاء تفعيلها محتشما على أرض الواقع”، يؤكد لكرش.

ونبّه المستشارون إلى إشكاليات أخرى تتعلق بمنع تطبيق العقوبات البديلة في حالة العود، أو في بعض الجرائم المنصوص عليها دون تبيان المبررات والمعايير التي اعتمد عليها المشروع في استثناء الجرائم المذكورة في ظل نصوص جنائية ما تزال تثير على مستوى الممارسة القضائية الكثير من التداخل في توصيف الأفعال الجرمية.

من جهته، سجل يوسف إيدي رئيس الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية بمجلس المستشارين، أن رفع مدة العقوبة السالبة للحرية التي يمكن للمحكمة أن تحولها إلى عقوبة بديلة من سنتين الى خمس سنوات، عملية من شأنها أن تعمل  على توسيع نطاق إعمال العقوبات البديلة لتشمل جرائم ضبطية وتأديبية.

وأوضح إيدي أنه كان بالإمكان توسيع نطاق إعمال هذه العقوبات لتشمل أيضا بعض الجنايات البسيطة، في انتظار المراجعة الشاملة للقانون الجنائي وتغيير أوصاف بعض الجرائم أو رفع التجريم عن بعض مظاهر الجنوح البسيط، خاصة ما يتعلق ببعض جرائم السرقات وإضرام النار وجرائم المحاولة.

وعلى مستوى الجرائم المستثناة، أكد المستشار البرلماني أن حذف جرائم الإتجار في المخدرات من نطاق الجرائم المستثناة من تطبيق العقوبات البديلة والإبقاء على حظر تطبيق هذه البدائل فقط في جرائم الإتجار الدولي، يفتح إلى حد ما المجال على مصراعيه لامكانية اعادة الإدماج ومعالجة العالقين في بعض قضايا الاتجار البسيط بالمخدرات والمرتبطة بالإدمان على استهلاكها.

وشدد رئيس فريق “الوردة” على الرفع من أعداد الأطباء المختصصين في معالجة مختلف أنواع الإدمان، وإنشاء مراكز كافية بجودة عالية في هذا المجال، وذلك عبر جعل تمازج السياسة الصحية ومستجدات السياسة الجنائية ببلادنا، منبها إلى إغفل الإشارة إلى المركز القانوني للضحية من خلال عدم اشتراط جبر ضرره أو إصلاح الخطأ، الأمر الذي من شأنه تغييب الضحية من  مسار تطبيق العقوبة البديلة إلى غياب إحساسه بالانتصاف.

وفي معرض ردّه الانتقادات التي طالت قانون العقوبات البديلة، قال وهبي خلال المناقشة العامة لمشروع ميزانية وزارة العدل، إن المغرب ليس البلد الوحيد الذي قرر اعتماد العقوبات البديلة بل يجري تطبيقها في أكثر من 90 دولة، ما يعني أنه لسنا أول من سنها حتى يمكن إصدار أحكام حول فشلها أو نجاحها”.

واعتبر وهبي أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان ، أنه “إذا كانت العقوبات البديلة ستخفف على شخص واحد في المغرب وسأعمل على إقرارها فما بالك إذا تعلق الأمر بـ2000 مواطن أو أكثر”، مسجلا أن “الحكم على هذا القانون بأنه سيأتي بنتائج إيجابية أم سلبية يتوقف على مدى قدرتنا على الإبداع والتفكير في اللجوء إلى العقوبات البديلة من أجل التخفيف من معاناة المواطنين، وهذا هو التحدي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News