سياسة

“إسكوبار الصحراء”.. الفساد يُطوِّق عُنق “البام” ويُعيد خطيئة النشأة للواجهة

“إسكوبار الصحراء”.. الفساد يُطوِّق عُنق “البام” ويُعيد خطيئة النشأة للواجهة

أعادَ اعتقال قياديين بحزب الأصالة والمعاصرة على خلفية قضية بارون المخدرات المالي، الذي أصبح يعرف إعلاميا بـ”إسكوبار الصحراء”، إلى الواجهة خطيئة النشأة التي ظلت تطارد “الجرار” عبر مساره السياسي، وذلك بفعل إغراقه للمؤسسات المنتخبة بالأشخاص المتابعين في قضايا فساد واختلاس وتبديد أموال عمومية.

وإلى جانب الناصيري وبعيوي المتابعين بتهم جنائية في ملف البارون المالي، هناك برلمانيون ومنتخبون في صفوف الحزب تطاردهم قضايا فساد وتبديد أموال عمومية، حيث مثل النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، هشام المهاجري، بحر هذا الأسبوع أمام محكمة الاستئناف بالدار البيضاء للاستماع لأقواله في ملف معروض أمام أنظار المحكمة، متعلق بـ”تبديد واختلاس أموال عمومية”، تعود فصوله إلى سنة 2015، بينما من المقرر أن يمثل رئيس الفريق النيابي للبام، أحمد التويزي، بدوره أمام القضاء في ملف يتعلق أيضا بتبديد أموال عمومية.

وعلمت جريدة مدار21 من مصادر مطلعة أن الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي، رفض إصدار بلاغ بإسم المكتب السياسي للحزب يعلن من خلاله وضع مسافة بين التنظيم السياسي وكل من سعيد الناصيري وعبد النبي بيوي، بعدما أمر قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء إيداعهما سجن عكاشة وقرر متابعتهم في حالة اعتقال بتهم ثقيلة.

القياديان المتابعان على خلفية قضية بارون المخدرات المعروف بـ”المالي”، سبق أن أعلنا تجميد عضويتهما في الحزب، لكن وهبي، وفق مصادر “مدار21″، وبمساندة قوية من القيادي بالحزب ورئيس مجلس جهة مراكش آسفي، سمير كودار، رفض أن يصدر بلاغا باسم المكتب السياسي للحزب، لوضع مسافة بين المتابعة والحزب.

أخطبوط المصالح

وإذا كان الحزب قد سارع إلى وضع مسافة مع واقعة اعتقال قياديين ومتابعتهم بتهم ثقيلة، مؤكدا أن الصفة الحزبية أو الانتدابية لا تمنح أي امتياز ولا تخول أي حصانة من المتابعة أو ترتيب المسؤولية، فإن السقوط المدوي لقيادات بارزة في صفوف “البام” على نحو متزامن يطوق عنق الحزب “الحداثي” الذي نشأ بناء على فكرة محاربة الإسلاميين، ويضعه موضع اتهام بشأن إفساد الحياة الحزبية والسياسية.

وكان حكيم بنشماش، الأمين العام الأسبق لحزب الأصالة والمعاصرة، فجّر قُنبلة من العيار الثقيل، حين تحدث عن وجود تحالف مصلحي “لبعض مليارديرات الحزب الجشعين” والموزعين من حيث المنشأ والامتداد، على مناطق طنجة والنواحي، الحسيمة والنواحي، وبني ملال والكثير من النواحي، آسفي مراكش والكثير من النواحي أيضا.

وكشف بنشماش في رسالته التي كتبها من خارج المغرب خلال سفره للإكوادور، توظيف ما أسماه بـ”الأخطبوط” لـ”كتبة جاهزين للدفع والاستلام، وصحافيين ‘منتحلي صفة، ونشطاء في فيسبوك، فضلا عن تريتورات لاستدراج البسطاء من عمال المعامل والضيعات والأوراش وملء بطون بعض الجياع”.

وعبر بنشماش ساعتها عن أسفه لكون “هذا الأخطبوط” يستدرج “بعض الشرفاء والشريفات من مناضلينا ومناضلاتنا الذين اختلطت عليهم الأمور”.

وفي قراءته لملف “إسكوبار الصحراء” الذي هزّ الرأي العام الوطني، في أعقاب سقوط رؤوس كبيرة ضمنها قياديون بارزون في صفوف الأصالة والمعاصرة، قال عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات، إن نوعية المتابعين في هذا الملف تختلف عن سابقاتها بالنظر لطبيعة الاتهامات الموجهة للمشتبه فيهم، من خلال تحريك المتابعة القانونية بحق شخصيات عمومية تضطلع بمهام انتدابية ينتمي معظمها إلى طبقة الأعيان ضمن المناطق التي يمثلونها.

ويرى اليونسي في حديثه لـ”مدار21″ أن المتتبع للشأن العام الوطني لا يملك إلا أن يعبر عن تفاؤله من تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وكذا مبدأ المساواة أمام القانون، مما من شأنه تعزيز الثقة في مؤسسات الدولة سواء تلك المتعلقة بمؤسسات إنفاذ القانون أو السلطة القضائية، مسجلا أنها “ثقة في المحصلة النهائية تُقوي مشروعية وشرعية النظام السياسي المغربي وتكرس مبدأ سمو القانون في مواجهة مخالفات المسؤولين”.

وأكد أستاذ العلوم السياسية أن أغلب الملفات المرتبطة بالفساد إما تلك التي بتّ فيها القضاء أو الرائجة أمام المحاكم، فيها متهمين أو مدانين مرتبطين بالعمل السياسي والانتدابي، مضيفا “وهو مؤشر على طبيعة النخب السياسية التي ينتجها نظامنا الانتخابي أو مشهدنا الحزبي حيث اللجوء الأعيان لحسم الحصول على المقعد وليس القيام بوظائف الحزب السياسي الدستوري.

حماية الفساد

واعتبر اليونسي، أن تفسير ارتباط المدانين أو المتهمين بأحزاب بعينها ومنها الأصالة والمعاصرة لا يخرج عن أمرين، يتمثل الأول منهما في أن هذا الحزب يقدم نفسه لهؤلاء الأعيان بكونه يوفر لهم الحماية، وبالتالي لابد من مقابل لتمويل الحزب خصوصا في المحطات الانتخابية، بينما يتمثل الأمر الثاني في أن هذا الحزب يؤدي وظيفة تجميع هذا النوع من الأعيان لتشكيل قوة انتخابية ناتجة عن شراء الأصوات الانتخابية، وبالتالي هذه القوة قائمة وجودا وعدما بهذه النخب.

ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة سطات أنه رغم الرجات التي تعرض لها حزب الأصالة والمعاصرة، سنتي 2011 و2016، لم يستطع القطع مع ظروف نشأته التي حددت له وطائف بعينها في المشهد الحزبي، مؤكدا أن حملة التطهير الحالية هي نتيجة طبيعية لأخطاء ارتكبت في تدبير السلطة في البلد منذ 2016.

وسجل اليونسي أن “البام” كحزب لن يتأثر موقعه ووظيفته بناء على المتابعات الأخيرة، لأنه ربما هناك توجه لإعادة إحيائه بمنطق نشأته الأولى المعبر عنها من خلال حركة لكل الديمقراطيين، قبل أن يستدرك “لكن هذا التوجه يحتاج إلى حركة تصحيحية تقوم بها الدولة لهذا الحزب لتخفيف وزنه من خلال التخلص من الأعيان، لكن ربما تكون ضريبة تراجعه انتخابيا هي معادلة صعبة حلها مرتبط بمدى رغبة الدولة في دمقرطة المشهد السياسي بدل التحكم فيه”.

تبرؤ من المسؤولية

وسارع الأصالة والمعاصرة عبر بوابة مجلسه الوطني إلى تطويق الأزمة التي كان لها وقع الصدمة في صفوف الحزب، من خلال التأكيد بأنه أخذ علما بتجميد الانتماء الحزبي للمعنيين بالأمر بعد مباشرة البحث معهما، موضحا أن الغاية من الإجراء المذكور عدم التشويش على مسار البحث، وغاية الحقيقة التي يتوق الوصول إليها، وإبعاد الحزب ومؤسساته عن التصرفات الشخصية لبعض من أعضائه، والمتخذة في سياقات لا تحضر فيها صفتهم الحزبية أو الانتخابية.

وفي محاولة منه للتبرؤ من قضايا الفساد أكد “برلمان البام” أن مؤسسات الحزب، استحضارا منه لموقعه ضمن “الأحزاب الوطنية الجادة، الممارسة للسياسة في إطار القوانين وضوابطها، لم يصدر عنها، صراحة أو ضمنيا، ما يسيء إلى مسار البحث أو يؤثر عليه، لتنافي ذلك مع مبدأ المساواة مع القانون، وسيادية هذا الأخير”.

وإيمانا منها بأن الصفة الحزبية أو الانتدابية لا تمنح أي امتياز ولا تخول أي حصانة من المتابعة أو ترتيب المسؤولية، أكد المجلس الوطني أن “مناضلات ومناضلي الحزب لا يتوفرون على أي امتياز، ويظلون قبل كل شيء مواطنات ومواطنين يتمتعون بالحقوق نفسها، وأداء الواجبات نفسها، على شاكلة باقي المواطنات والمواطنين”.

واعتبر المصدر ذاته أن ذلك يعد “دليلا آخر على أن الحزب ليس ملاذا لأحد ولا يقدم أي حماية ضد إعمال القانون ونفاذه”، وشدد المجلس الوطني ذاته على أنه على غرار باقي مؤسسات الحزب “سيحترم قرار القضاء العادل والنزيه، وسيتقيد بمنطوقه لأنه عنوان الحقيقة، وسيرتب من جانبه الآثار التي يتطلبها”.

وأشار أن حزب الأصالة والمعاصرة، الذي “حمل منذ تأسيسه هم ممارسة السياسة بشكل مغاير، ويدبر من موقعه بالأغلبية الحكومية الشأن العام، يعطي الدليل من جديد، للذين مازالوا يشككون في ذلك، على أنه نموذج للحزب الشرعي المحترم للقانون، والمتقيد بقرارات السلطة القضائية، والذي لا يعقب على مؤسسات الدولة، وما يصدر عنها في حق أعضائه، إلا بما يتيحه القانون ويسمح به”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News