سياسة

دبلوماسية المغرب في 2023.. قياس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات الخارجية

دبلوماسية المغرب في 2023.. قياس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات الخارجية

إذا ما كانت جملة تلخص أهم الأحداث التي طبعت علاقات المغرب الدولية وتحركاته الدبلوماسية خلال عام 2023، فلا شك أنها تلك التي عبر عنها الملك محمد السادس في خطابه العام الفارط وتم تطبيقها خلال العام الذي يشرف على الانتهاء، بقوله إن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”.

لقاءات واجتماعات وزيارات وشراكات أتبث المغرب من خلالها أنه يستطيع استغلال قدر الجغرافيا وإرث التاريخ و”نية” التنمية، لبناء علاقات استراتيجية مع عدد من البلدان الغربية والعربية، العامل الحاسم فيها هو دعم سيادة المملكة على صحرائها وتأييد مبادرة الحكم الذاتي بشكل صريح “لا يقبل التأويل”.

ويجمع الخبراء والباحثون الذين تواصلت معهم جريدة “مدار21” الإلكترونية على هيمنة تزايد دعم مغربية الصحراء دوليا على باقي الأحداث الأخرى، إضافة لزيارة الملك محمد السادس في الرابع من دجنبر الجاري لدولة الإمارات العربية.

عزلة الجزائر وتزايد الدعم

واعتبر الخبير في العلاقات الدولية، أحمد نور الدين، أن تقييم التحركات الدبلوماسية المغربية في 2023 هو تقييم إيجابي في العموم، يطبعه تزايد المؤيدين للموقف المغربي داخل أوربا وإفريقيا وعبر العالم، مسجلا أن هذه السنة تميزت بدينامية ملحوظة للدبلوماسية المغربية كان من مظاهرها احتضان المغرب لعدة مؤتمرات دولية كبرى منها اجتماع البنك وصندوق النقد الدوليين في مراكش والذي حضره حوالي 190 بلداً، ولم تتغيب غير جارة السوء الجزائر.

وقال في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، إن الإعلان عن احتضان المغرب لاجتماع الإنتربول العالمي في مراكش شهادة على الدور المتعاظم للمملكة في تعزيز الأمن والسلم العالميين. بالإضافة إلى اجتماع دول الساحل الأربعة في مراكش مع المغرب والذي سيعزز الاندماج الإقليمي ويكرس مكانة المغرب كفاعل مهم في المنطقة. وهناك العديد من التظاهرات القارية والعالمية الأخرى همت الدفاع والحقل الديني والفنون والرياضة ومؤسسات التفكير والسياحة والبيئة وغيرها.

ومن النتائج غير المباشرة لهذه الدينامية، بحسب نور الدين، عزلة الجزائر دولياً، وانهيار مشروعها الانفصالي الذي أصبح منبوذاً ومحاصراً. ومن أبرز معالم هذه العزلة التوتر الذي يسود علاقات الجزائر مع كل الدول المجاورة لها، واضطرار الجزائر إلى الانكماش عربيا وإفريقياً من خلال مقاطعتها المنتدى الروسي العربي المقام في المغرب، علماً أن روسيا هي أكبر حليف عسكري لها.

كما لفت إلى اضطرار الجزائر مرغمة وفي خطوة أحادية تدل على هزيمة دبلوماسية نكراء، إلى إعادة سفيرها إلى مدريد دون أن تغير مدريد أي شيء في موقفها الداعم للمقترح المغربي في الصحراء، والذي كان السبب في سحب السفير الجزائري سنة 2021 وتجميد معاهدة التعاون والصداقة وغيرها من الإجراءات وردود الأفعال المتشنجة التي تدل على فقدان التوازن وضياع البوصلة.

ويرى نور الدين أن من بين مظاهر عزلة النظام العسكري الجزائري الذي يعادي المغرب مجانا، أن مجلس الأمن صوت بثلاثة عشر صوتا بما فيهم الصين مع القرار 2703، في حين لم يصوت ضده أي بلد على الإطلاق. ونضيف إلى ذلك سحب مالي سفيرها من الجزائر، وإصدار النيجر بياناً يكذب مزاعم الخارجية الجزائرية، وهناك توتر آخر مع ليبيا حول رسم الحدود وغير ذلك من المشاكل. بقي أن نقول أنّ الدبلوماسية المغربية مازالت لم تحقق الأهداف المنتظرة منها في الاتحاد الإفريقي واللجنة الرابعة في الأمم المتحدة، وعلى الخارجية أن تتدارك التأخير.

أما حسن بلوان، الباحث في العلاقات الدولية، فقد أشار إلى أن الدبلوماسية المغربية راكمت خلال سنة 2023 مجموعة من النجاحات والانتصارات سواء على مستوى مكانة وريادة المملكة إقليميا ودوليا، وكذلك على مستوى التبادلات السياسية والاقتصادية والثقافية مع دول العالم، بالإضافة إلى استمرار الاختراقات الكبيرة في ملف الصحراء المغربية.

وعلى المستوى الإفريقي، سجل بلوان في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، استمرار الإشعاع الدبلوماسي المغربي داخل أروقة ومؤسسات الاتحاد الإفريقي، إضافة للحفاظ على علاقاته الطيبة مع معظم دول القارة حيث توسعت دائرة الدول المؤيدة لسيادة المملكة ووحدته الترابية كان آخرها دولة البنين التي عبرت عن رغبتها في فتح قنصلية بالأقاليم الجنوبية المغربية.

كما أشار إلى أن الدبلوماسية المغربية استمرت في انتزاع المواقف المؤيدة لمغربية الصحراء في أوروبا خاصة الموقف الإسباني والألماني بالإضافة إلى باقي الدول في أوروبا الغربية والشرقية مما ساهم في عزل أطروحة الانفصال داخل مجموعة من البلدان التي كانت معاقل للفكر الانفصالي المدعوم جزائريا.

وأوضح أنه ورغم بذل الجزائر جهودا مالية ودبلوماسبة مضنية في تغيير الموقف الأمريكي الداعم للصحراء المغربية دون جدوى، لكن في المقابل تقوت الشراكة الاستراتيجية المغربية الأمريكية دبلوماسيا وسياسيا وثقافيا وكذلك عسكريا وأمنيا.

وبالنسبة لخالد الشيات، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية، فإن أبرز الأحداث التي طبعت هذه السنة هي تزايد الدول المعبرة عن دعمها لمقترح الحكم الذاتي وهذا أمر له دلالة، بحسب المتحدث، على مستوى القانون الدولي لأنه يحدد طبيعة النزاع على المستوى القانوني في إطار مجموعة من المنظمات الدولية بما فيها منظمة الأمم المتحدة.

ولفت إلى أن عدد الدول الداعمة لمقترح الحكم الذاتي تجاوزت المئة، “في حين أنه أكثر من 84 في المئة من دول العالم لا تعترف بأي صيغة من الصيغ بالجهة المقابلة، لا تقرير المصير أو صيغة موازية مسايرة لأطروحة الانفصاليين”، مبرزا في الوقت نفسه أن 25 في المئة فقط من الدول ذات ارتباطات استراتيجية مع الجزائر هي التي تعتمد هذه الصيغة، إما بالدعم أو الاعتراف أو شيء من هذا القبيل.

الملك بالإمارات

ومن بين الأحداث التي طبعت هذا العام، زيارة العاهل المغربي للإمارات في الرابع من دجنبر، والتي وقع خلالها الملك محمد السادس والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إعلانَ “نحو شراكة مبتكرة ومتجددة وراسخة بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة”، الذي يروم الارتقاء بالعلاقات والتعاون الثنائي إلى آفاق أوسع، عبر شراكات اقتصادية فاعلة، تخدم المصالح العليا المشتركة وتعود بالتنمية على الشعبين الشقيقين.

نور الدين، الخبير في العلاقات الدولية، قال إن هذه الزيارة والشراكة الاستراتيجية العملية التي ترتبت عنها لا تشكل تحولاً في العلاقات المغربية الخليجية فقط، بل ستعطي لكل الشعوب العربية الأمل في مستقبل أفضل مختلف عن واقع انهيار الأنظمة وتساقطها كأوراق الخريف، والذي تعيش على وقع مأساته المؤلمة نصف الدول المنضوية تحت لواء الجامعة العربية منذ بداية الربيع العربي الذي تحول مبكراً إلى مجرد خريف.

وأكثر من ذلك، شدد على أن نجاح النموذج العملي للشراكة المغربية الإماراتية الموجهة نحو المستقبل سيعطي الدليل على أن التعاون العربي ممكن بشكل آخر عما ألفناه من شعارات قومجيّة وإيديولوجية لم تنتج غير العداوة بين الإخوة العرب، وأدت إلى هدر الزمن السياسي والتنموي للشعوب العربية مشرقا ومغربا.

وقال إنها شراكة تحمل في طياتها حلم الأجيال الصاعدة في أن يكون لها “مكان تحت الشمس” بين الأمم المتقدمة صناعيا وتكنولوجيا، المستقرة اجتماعياً، المزدهرة ثقافياً واقتصاديا، ولذلك فقد ركزت في الاتفاقيات المبرمة على الاستثمار في اقتصاد المستقبل، الذي تمثله الطاقات المتجددة وإنتاج الهيدروجين الأخضر، والتحكم في التكنولوجيات الرقمية والاتصالات وقواعد البيانات العملاقة؛ وعلى خارطة اللوجستيك العالمية؛ وربط الأسواق المالية والصناديق السيادية في البلدين؛ والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي والمائي إقليميا وقارياً؛ وضمان كل ذلك بالاستثمار في الإنسان عبر تطوير المؤسسات التعليمية والجامعية والصحية. إنها رؤية مندمجة ترسم طريقا ملكية نحو المستقبل.

في المقابل، نبه بلوان إلى أن الدول العربية شكلت على الدوام حصنا حصينا لدعم السيادة المغربية، ولم تستطع مناورات الجزائر شق الصف العربي الداعم لوحدة المملكة المغربية، وتبقى العلاقات المغربية الخليجية نموذجا في هذا الباب، كان آخرها المواقف الواضحة للقمة الخليجية بقطر التي أشادت بجهود الملك محمد السادس ودعم المملكة المطلق في قضية وحدتها الترابية.

وسجل أن الزيارة الملكية التاريخية لدولة الإمارات شكلت منعطفا حاسما في استراتيجيات الدبلوماسية المغربية بالنظر إلى استقبال العظماء الذي خصص للملك محمد السادس، وكذلك بالنظر إلى حجم الاتفاقيات والتعاون المتجدد بين البلدين، مما يؤكد مرة أخرى أن المملكة فضاء آمن للاستثمار الأجنبي العربي والدولي، وتتمتع بجاذبية استثمارية جعلها قبلة لتدفق مجموعة من الرساميل الحكومية والخاصة.

ووصف أستاذ العلاقات الدولية، خالد الشيات، زيارة الملك لأبو ظبي بالقفزة النوعية في مسار تصاعدي من العلاقات مع دول الخليج، عرف تذبذبات وأحيانا صعودا ونزولا وأزمات صامتة، لكنه لم يصل أبدا إلى مستوى القطيعة أو العداء، مؤكدا أهمية زيارة الملك لأبو ظبي، نظرا لأنها تؤسس لمفهوم جديد للشراكة والعلاقات الاستراتيجية بين المغرب والإمارات التي يربطها بالرباط أيضا اتفاقية للتبادل الحر.

ونبه إلى أن هذه الشراكة قائمة على بعدين، أولها بعد حضاري متعلق بالانتماء العربي الإسلامي والإنساني للدولتين معا وتقاسمهما لقيم مشتركة كثيرة وبعد ذو طبيعة مصلحية اقتصادية يرتبط أولا بالتنمية في المغرب والعوائد المالية لدولة الإمارات المتوسطة وبعيدة المدى، معتبرا أن الرؤية الجديدة يمكن أن تؤسس لمسارات وشراكات أخرى مع مجموعة من دول الخليج لتكثيف التنمية على مستوى البنيات التحتية للمغرب والاستعداد التظاهرات التي سيحتضنها المغرب، أبرزها كأس العالم 2030.

شركاء.. بين الحزم والتعاون اللا مشروط

وأبرز حسن بلوان، في تصريحه للجريدة، أن المغرب وبعيدا على التقاطبات والتجادبات السياسية والعسكرية التي يعرفها العالم اختار سياسة الحياد الإيجابي في مجموعة من الملفات الساخنة، حيث حافظ على مسافة واحدة بين شركائه الجدد في الصين وروسيا وبين شركائه التقليديين في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية خاصة مع تداعيات الحرب الدائرة في أوكرانيا.

وبحسب بلوان، وبالموازاة مع سياسة تنويع الشركاء التي نهجتها الدبلوماسية المغربية، انفتحت المملكة المغربية على معظم القوى الإقليمية الأخرى من خلال المحافظة على علاقات ودية مع تركيا والتوازن في استئناف العلاقات مع إسرائيل رغم الآثار السلبية التي خلفها العدوان الإسرائلي على فلسطين والتي عبر المغرب عن رفضها وإدانتها بشكل حازم وقوي. وفي المقابل ثمن المغرب بشكل حذر وواقعي المصالحة العربية (بمبادرة من السعودية) مع إيران رغم أنشطتها المشبوهة في مجموعة من الدول العربية.

ولعل ما ميز علاقات المغرب مع شركائه، وخاصة فيما يتعلق بفرنسا، تعيين سميرة سيطايل سفيرة للمملكة بباريس، بعد 9 أشهر من شغور المنصب، وهو ما فسره متابعون لمسار العلاقات بين البلدين ببدء ذوبان الجليد بين البلدين، اللذين تمر علاقاتهما بأزمة عميقة منذ أكثر من عامين. خاصة أن هذا التعيين وضع حداً لشغور في منصب سفير المغرب لدى باريس استمر منذ يناير الماضي. وجاء بعد أسبوعين من تقديم كريستوف لوكوتييه، السفير الفرنسي لدى المغرب، أوراق اعتماده للملك محمد السادس.

وفقدت العلاقات الفرنسية المغربية خلال السنوات الفارطة جزءا كبيرا من بريقها، وأقر مسؤولون من البلدين، بذلك، بل يمكن اعتبارها أنها دخلت مرحلة من الجمود لأسباب مختلفة، أبرزها قضية الصحراء المغربية التي قررت الرباط بناء شراكاتها بالاعتماد على مواقف الدول منها وتنتظر خروج باريس من “المنطقة الرمادية”.

مقابل “الحزم” مع فرنسا، كان التعاون اللا مشروط عنوان العلاقات المغربية الإسبانية في 2023، حيث وضع الاجتماع رفيع المستوى، الذي انعقد يومي 1 و2 فبراير الماضي في الرباط، أسس وملامح التعاون بين الجارين وشكل فرصة لاستعراض أهداف خارطة الطريق والنتائج التي تم تحقيقها من جهة، ومن جهة أخرى، لتجديد عزم البلدين على العمل، بشكل مشترك، من أجل مواصلة هذه الدينامية الجديدة، في عدد من المجالات، خاصة فيما يتعلق بالتبادل التجاري ومحاربة الهجرة غير النظامية.

وكانت عودة بيدرو سانشيز إلى رئاسة الحكومة الإسبانية لولاية ثانية “دفعة” في مسار العلاقات بين مدريد والرباط، وتقوية لمغربية الصحراء بإسبانيا، لاسيما أن الحكومة السابقة التي يرأسها استطاعت توطيد العلاقة مع المملكة ونقل الشراكة إلى المستوى الإستراتيجي الذي يتمثل في بناء علاقات اقتصادية وسياسية قوية تستوعب كل المتغيرات المرتبطة بالمنطقة، وهو ما أكده وزير خارجية البلاد خوسي مانويل ألباريس، في زيارة له للرباط قبل أسبوعين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News