تربية وتعليم

المالكي يؤكد ضرورة ملاءمة إدارة وحكامة منظومة التربية للمعايير التكنولوجية المتجددة

المالكي يؤكد ضرورة ملاءمة إدارة وحكامة منظومة التربية للمعايير التكنولوجية المتجددة

قال رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الحبيب المالكي، إنه لتحسين إدارة وحكامة منظومة التربية والتكوين بأكملها وأدائها الخارجي من حيث قدرة الإدماج في الحياة العملية، يتعين اعتماد نموذج بيداغوجي يتميز بالتنوع والابتكار والانفتاح مع القدرة على استيعاب التطورات الجديدة في التكنولوجيا سيما الذكاء الاصطناعي.

وأوضح المالكي، اليوم الثلاثاء بالرباط، في كلمة خلال ندوة دولية حول “الذكاء الاصطناعي: رافعة من أجل تحولات التربية والتكوين والبحث العلمي”، أن “تحسين جودة المدارس وأدائها على جميع مستويات النظام التعليمي، والذي يشكل أحد الأهداف الجوهرية للإصلاح، لا ينفصل عن تجديد وإعادة تأهيل مهنتي التدريس والتأطير البيداغوجي، وينطبق نفس الشيء على أساليب الإدارة والحكامة لمنظومة التربية والتكوين بأكملها والتي يرى أنها “يجب أن تتلاءم مع المعايير المتجددة في هذا المجال من حيث الأداء والكفاءة”، مشيرا إلى أنه “لتحسين الكفاءة الداخلية للنظام وأدائه الخارجي من حيث قدرة الإدماج في الحياة العملية ، يتعين اعتماد نموذج بيداغوجي يتميز بالتنوع والابتكار والانفتاح مع القدرة على استيعاب التطورات الجديدة في التكنولوجيا”.

وأكد رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أهمية التقنيات الجديدة للذكاء الاصطناعي كأداة توفر فرصا غير مسبوقة لتحسين التعلم وتحول المدرسة والمجتمع والمنظومة التربوية بأكملها.

وعدّد المتحدث ذاته بعض الفرص التي يتيحها الذكاء الاصطناعي لتحسين التعلم على غرار “تمكين أنظمة الذكاء الاصطناعي من تحليل البيانات الخاصة بكل طالب وسلوكه وأدائه لإجراء التعديلات اللازمة على تعلمه فيما يتعلق بالمحتوى أو الأساليب أو وتيرة الدروس التي يراد تلقينها، إضافة إلى سماح هذه الإمكانية للطالب بالتقدم بالسرعة التي تناسبه مع توفير مراقبة شخصية لتعلمه، والمساعدة في القيام بالأشغال المتكررة ذات الطبيعة البيداغوجية أو الإدارية المحضة والتي يتعين إنجازها في وقت محدد زيادة على المساهمة في تحسين البرامج التعليمية لأنها تتيح فحص كميات كبيرة من البيانات لتحديد الاتجاهات والصعوبات والفجوات في أنظمة التعلم وذلك قصد إجراء التعديلات اللازمة.

وشدد المالكي على أن الذكاء الاصطناعي “مهم لتغيير نظام التعليم، وأن التطبيقات الملائمة لهذه التكنولوجيات المتجددة في مجال الذكاء الاصطناعي تمهد لبزوغ مدرسة أكثر تكيفا مع التحولات الجارية، ويتعين رغم ذلك الالتزام ببعض الضوابط الاحترازية لتأمين الاستخدام المتوازن لتقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل تجنب المخاطر المتعلقة بشكل خاص بأمن النظام وسرية البيانات والاعتماد المفرط على التكنولوجيا”.

وأكد المالكي أن الذكاء الاصطناعي “بحضوره المتزايد والمؤثر في مختلف الأنشطة الاقتصادية، بل وفي مناحي متعددة من الحياة اليومية، يمكن أن يصنف بإنجازاته الحالية والمتوقعة كواحدة من أعظم الثورات التكنولوجية في عصرنا الحالي”، موضحا “ذلك أن هذا التطور يتجاوز حدود التخصصات المتعارف عليها ويؤثر في جميع جوانب حياتنا، كما يتسبب في تحولات عميقة في مختلف القطاعات الإنتاجية، بل هو بصدد تشكيل العالم من حولنا بسرعة كبيرة، أمام أعيننا”.

وشدد على أنه لا يمكن اختزال الذكاء الاصطناعي “في بعده التكنولوجي البسيط لأن دوره أصبح أكثر من ذلك، بل أصبح مؤثرا في سلوكنا وهياكلنا الاقتصادية وتنظيماتنا الاجتماعية وثقافتنا المجتمعية”، مضيفا “من المنتظر أن تساهم هذه الثورة التكنولوجية، بشكل حاسم، في تغيير الطرق التي نشتغل بها، والأساليب التي ننهجها في مختلف الأنشطة التي نقوم بها، بل وحتى الأشكال والصيغ التي نعتمدها في التفاعل مع بعضنا البعض”.

وأشار رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين إلى أن التطورات المتسارعة التي تعرفها التطبيقات المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي من المنتظر أن “تمكن من إيجاد حلول مبتكرة للصعوبات التي تواجهنا في الحياة اليومية بطرق متعددة، سواء من خلال المساعدة على الاستغلال الأمثل للموارد، أو من خلال دعم أنظمة الإنتاج، أو من خلال المساعدة في معالجة الإشكاليات المعقدة، أو من خلال الانفتاح على أشكال جديدة من الإبداع وتحسين مستوى الخدمات الأساسية في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية”.

ولفت بهذا الصدد إلى أن أزمة “كوفيد 19” كشفت أهمية التكنولوجيات الرقمية والذكاء الاصطناعي في ضمان استمرار الخدمات العمومية في سياق الأوبئة والكوارث الطبيعية من خلال تطوير برامج تكوينية مخصصة للمهن الرقمية الجديدة والبنيات التحتية اللازمة، وعلينا اليوم تعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في التعلم استخداما منصفا وشاملا للجميع، يعزز المساواة بين الجنسين وبين مختلف الشرائح الاجتماعية ويمكن من تقاسم ونشر الدروس بشكل مجاني واستثمار الذكاء الاصطناعي لإتاحة فرص التعلم مدى الحياة للجميع.

ونبه المتحدث ذاته إلى أنه رغم التقدم التكنولوجي الذي أصبح ممكنا اليوم بفضل الذكاء الاصطناعي الذي أصبح يمثل اللبنة الأساسية لتسريع التقدم الاقتصادي على مختلف الأصعدة “فإن التطور المذهل لهذه التقنيات ونشرها في جميع مجالات النشاط البشري لا يخلو من مخاطر قد تطال التطبيقات المختلفة للتكنولوجيات الجديدة في عدة ميادين والتي يتحتم استشرافها لتجنب أثرها”.

وأوضح أن فقدان التحكم في الأنظمة الناتجة عن الذكاء الاصطناعي يحتل مركز الصدارة من بين المخاطر الرئيسية الأكثر تداولا عند المحللين في هذا المجال، ذلك أنه يصبح من الصعب، في مراحل معينة، التنبؤ بسلوك الأنظمة التي يطورها الذكاء الاصطناعي نظرا لحجم هذه الأنظمة وتشابكاتها التقنية وشدة تعقيداتها”.

 

وتابع “كما أن الأخطاء المحتملة في تركيب البرمجيات وتصميم الخوارزميات وحتى في تقدير ردود الفعل غير المتوقعة يمكن أن تشكل تهديدات حقيقية ذات عواقب وخيمة على أمن الأنظمة القائمة، وفي حالة انعدام آليات الترقب أو التحكم، لا يمكننا مسبقا استبعاد السيناريوهات التي يتم فيها استخدام التطورات السلبية في الذكاء الاصطناعي لأغراض زعزعة الاستقرار من خلال تعطيب الأنظمة التكنولوجية وتخريب الآليات المرتبطة بها”.

من جانب آخر، يضيف المالكي، فإن “تطوير أنظمة تكنولوجية، عن طريق تقنيات الذكاء الاصطناعي، قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة تماما عن إرادة الإنسان مما يثير دون شك أسئلة جوهرية فيما يخص تحديد المسؤولية وما يترتب عنها من عواقب في حالة حدوث أخطاء أو أفعال ضارة”، مردفا “بالإضافة إلى أن “الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي يعرض المجتمع لمخاطر جديدة يمكن أن تؤثر على البنية التحتية الحيوية وشبكات الكمبيوتر وحتى الآليات ذاتية القيادة؛ مما يحتم تعزيز الأنظمة الأمنية وترسيخ بروتوكولات الوقاية”.

وأشار إلى أن المخاطر الناجمة عن تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي تتمثل أيضا في الصعوبات الخاصة بالمحافظة على سرية المعطيات، إذ إن “الكمية الكبيرة من البيانات التي تجمعها أنظمة الذكاء الاصطناعي للتعلم أو اتخاذ القرار تثير تساؤلات عدة حول حساسية المعلومات المستخدمة وطرق حمايتها، ذلك أن احتمال تسريب البيانات المتوفرة أو استخدامها لغير الأغراض التي أحدثت من أجلها قد تترتب عنه عواقب سيئة سواء على المجتمع ككل أو على فئات اجتماعية بعينها أو حتى على الحياة الخاصة للأفراد”.

وذكر رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين أن المحللين “يحذرون من الانعكاسات القوية للتطورات المستقبلية في تقنيات الذكاء الاصطناعي على الهياكل الإنتاجية وتنظيم العمل والتوظيف، وذلك على الرغم من المكاسب المتوقعة في تحسن الإنتاجية والكفاءة التي يتيحها تسارع التطورات التكنولوجية والتي لا يمكن إنكارها”، مضيفا “كما أنه من المتوقع جدا أن يؤدي احتمال استبدال الوظائف على نطاق واسع بآلات ذكية إلى اضطرابات كبيرة في سوق العمل، مع كل ما قد يترتب على ذلك من عواقب على توازن النظام الاقتصادي والاستقرار المالي والتماسك الاجتماعي”.

وشدد على أنه “سيصبح من الضروري مواجهة هذا الخطر الداهم على المستوى الاجتماعي بالاعتماد على تطوير أنظمة جديدة للتعليم والتكوين وإعادة التدريب والتأهيل، مما يتيح إدخال المرونة اللازمة في مؤهلات اليد العاملة قصد التخفيف من الآثار السلبية على التوظيف والاستقرار الاجتماعي”.

واستنتج المالكي أن التطورات التكنولوجية التي يتيحها الذكاء الاصطناعي اليوم “تحمل، إلى جانب الفرص الكبيرة التي توفرها في مجالات متعددة، مخاطر كبيرة على الاقتصاد والمجتمع”، مؤكدا ضرورة مواجهة هذه المخاطر وتقييم انعكاساتها المحتملة وفق مقاربة استباقية للتمكن من الحد من آثارها بأنسب الطرق وأكثرها فاعلية.

وفي هذا السياق، ذكر بأنه من المبادرات الأساسية التي يتعين اتخاذها في هذا الصدد إعطاء الأولوية القصوى لاعتماد منظومة أخلاقية متكاملة وآليات مراقبة مناسبة للإشراف على جميع أنشطة التطوير في مجال الذكاء الاصطناعي من أجل ضمان المساهمة الإيجابية لهذه التقنيات الجديدة في التنمية البشرية دون المساس بضرورات الأمن وبالثوابت الأخلاقية للمجتمع، المتمثلة أساسا في الحرية والمساواة والعدالة والتضامن بين الأفراد والفئات الاجتماعية.

وأكد المالكي أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، كمؤسسة استشارية، يعتبر نفسه معنيا بصفة مباشرة بجميع المسائل المتعلقة بالمعايير الأخلاقية وآليات التنظيم والرقابة التي يجب أن تحكم تطوير التقنيات الجديدة للذكاء الاصطناعي بشكل عام وعلى الخصوص في مجال التربية والتكوين، مبرزا أن “الانشغال الخاص للمجلس بهذه المسائل نابع من كونه منخرطا كل الانخراط في مشروع إصلاح المنظومة التربوية بكل مكوناتها لتحقيق الأهداف المحددة طبقا لمضامين الرؤية الاستراتيجية للفترة 2015 – 2030”.

وذّكر بأن “استراتيجية الإصلاح التي تنطلق من كون المدرسة تشكل إحدى الركائز الأساسية لمشروعنا المجتمعي، تهدف إلى التأسيس لمدرسة جديدة توفر فرص التعلم الجيد للجميع، على أساس العدالة وتكافؤ الفرص كما تيسر شروط الانفتاح وتضمن اندماجا اجتماعيا أفضل للمتعلمين”، مؤكدا تعهد المجلس، وفقا لوضعه وفي إطار صلاحياته الاستشارية، بمرافقة وتشجيع وتقييم كافة المبادرات التي تساهم في تحقيق هذه الأهداف، من خلال دعم أدوات السياسات العمومية الأكثر ملائمة في هذا المجال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News