فن

تتويجات بين الاستحقاق والإخفاق.. “المثلية الجنسية” تتألق بالمهرجان الوطني للفيلم بطنجة

تتويجات بين الاستحقاق والإخفاق.. “المثلية الجنسية” تتألق بالمهرجان الوطني للفيلم بطنجة

أجمع نقاد سينمائيون ومهتمون بالفن السابع على أن نتائج المسابقة الرسمية للأفلام الروائية بالدورة الـ23 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة تراوحت بين الاستحقاق والإخفاق في عدم تتويج بعض الأفلام المستحقة ومنح أبطال بعضها جوائز تعكس تميزهم في التشخيص.

في المقابل، يرى النقاد أن نتائج باقي المسابقات كانت “منصفة” و”مستحقة”، تعكس قوة وتميز الأفلام المتوجة سواء في صنف الأفلام القصيرة، أو الوثائقية، أو أفلام المدارس.

وأسدل الستار، مساء السبت، على فعاليات المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، بالإعلان عن الأفلام المتوجة خلال هذه النسخة عن أصناف الفيلم الروائي الطويل، والشريط القصير، والفيلم الوثائقي، وأفلام المدارس، بعد أسبوع من المنافسة.

تتويجات بين الاستحقاق والإخفاق 

ويرى الناقد السينمائي عبد الكريم واكريم أن نتائج جوائز الأفلام الروائية الطويلة كانت أغلبها مستحقة باستثناء منح جائزة التشخيص للممثل صالح بكري وعدم منح أي جائزة للفيلم الجميل “أيام الصيف” لفوزي بن سعيدي.

وعلل رأيه بكون “صالح بكري من الممثلين الموهوبين لكنه لم يتمكن من إتقان نطق الدارجة المغربية في فيلم “أزرق القفطان”  الأمر الذي انعكس على جسده وأدائه التشخيصي”، مشيرا إلى أن عادل أبا تراب كان يستحق أكثر نيل جائزة أفضل ممثل أو على الأقل جائزة ثاني دور رجالي عن دوره في فيلم “كاس المحبة” لنوفل براوي.

وفي السياق ذاته، لفت واكريم إلى أن المخرج فوزي بن سعيدي، الذي أصبح واحدا من بين أهم المخرجين المؤلفين في العالم، لم يتم إنصافه في بلده بفيلم تميز فيه إخراجيا عن كل الأفلام الأخرى حتى تلك التي نالت الجوائز.

وبخصوص الفيلم الروائي الطويل “أبي لم يمت” لعادل الفاضيلي، الذي نال الجائزة الكبرى إلى جانب خمس جوائز أخرى، يرى واكريم أنها كانت مستحقة، لاسيما جائزتا الإنتاج والجائزة الكبرى نظرا للمجهودين الإبداعي والإنتاجي اللذين بذلا فيه، بينما وجد أن الجائزة الكبرى هي جائزة شاملة مانعة فلم يكن من الداعي أن تمنح له أيضا جائزة الإخراج التي كان يستحقها فيلم “أيام الصيف” لفوزي بن سعيدي”.

وعدّ واكريم أن جائزة العمل الأول لفيلم “ملكات” لياسمين بن كيران كانت أيضا مستحقة وفي محلها إذ لم يكن هناك فيلم آخر ينافسها داخل المسابقة، مشيدا أيضا بفيلم “المحكور مكايبكيش” لفيصل بوليفة الذي في رأيه يستحق عن جدارة جائزتي السيناريو ولجنة التحكيم الخاصة إضافة لجائزة التمثيل التي انتزعتها عائشة التباع، لكون الفيلم جاء متكاملا من جميع جوانبه.

وأكد واكريم أن فيلم “شظايا من السماء” كان يستحق الجائزة الكبرى في صنف الوثائقي، كما كانت جوائز الأفلام القصيرة كلها مستحقة، مبرزا أن فيلم “بلا مفتاح” لوليد المسناوي الذي حصل على جائزة لجنة التحكيم، و”على قبر أبي” لجواهر زنتار التي نالت الجائزة الكبرى، كانا أقوى فيلمين من الناحية الفنية على الإطلاق، إضافة إلى فيلم “الحيوانات المنوية” الفائز بجائزة السيناريو.

بدوره الناقد السينمائي أحمد سيجلماسي يرى أن نتائج المسابقات الأربع كانت مقبولة ومستحقة نسبيا، لاسيما الجائزة الكبرى التي فاز بها فيلم “الفزاعة” للمخرج الشاب أنس الزماطي (مسابقة أفلام المدارس) والجائزة الكبرى التي حصل عليها الفيلم القصير “على قبر أبي” للمخرجة الشابة جواهين زنتار والجائزة الكبرى للفيلم الوثائقي التي كانت من نصيب عدنان بركة عن فيلمه المتميز “شظايا السماء”.

وواصل سيجلماسي تقييمه للنتائج قائلا: “جائزة أول دور نسائي، التي فازت بها الممثلة غير المحترفة عائشة التباع عن دورها التلقائي في فيلم “المحكور ما كيبكيش” لفيصل بوليفة كانت أيضا مستحقة، والتي كان من الممكن أيضا أن تحظى بها الممثلة المحترفة لبنى أزابال نظرا لقوة أدائها في فيلم “أزرق القفطان” لمريم التوزاني، وجائزة ثاني دور نسائي، التي فازت بها عن جدارة واستحقاق الممثلة الشابة نسرين بنشارة عن دورها في فيلم “ملكات” لياسمين بن كيران”.

في المقابل، قال سيجلماسي إن “جائزة ثاني دور رجالي، التي حصل عليها باستحقاق حاتم الصديقي عن دوره في فيلم عمر مول الدويرة المتواضع “صيف في بجعد” مقبولة، رغم أن جل المتتبعين رشحوا الممثل المقتدر عادل أبا تراب للفوز بها عن دوره المتميز في فيلم “كأس المحبة” لنوفل البراوي”.

ووجد أيضا أن جائزة الموسيقى الأصلية، التي آلت للفنان فتاح النكادي عن عمله في فيلم “أبي لم يمت” من إخراج عادل الفاضلي، وجائزة العمل الأول لياسمين بن كيران عن فيلمها “ملكات” والجائزة الكبرى وجائزة الإنتاج لعادل الفاضلي عن فيلمه المذكور، كانت مستحقة.

في المقابل استغرب سيجلماسي أيضا خروج فوزي بن السعيدي خالي الوفاض من مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، عادّا أنه كان يستحق على الأقل جائزة الإخراج، نظرا لتمكنه من إدارة مجموعة من الممثلين والممثلات بفعالية داخل فضاء مغلق بشكل فيه تداخل بين البعدين السينمائي والمسرحي.

الناقد السينمائي فؤاد زويرق شارك أيضا رأيه بشأن عدم تتويج عادل أبا تراب بجائزة “التشخيص” قائلا: “أتأسف للمشخص الموهوب جدا عادل أبا تراب الذي قام بمجهود كبير في تقمص شخصية معقدة ومركبة في فيلم ”كأس المحبة” للمخرج نوفل البراوي وكان شعلة ضوء مبدعة في مجال التشخيص في هذه الدورة من المهرجان الوطني”.

وأضاف النقد السينمائي فؤاد زويرق الذي أشاد في تدوينات عديدة بقوة تشخيص عادل أبا تراب قائلا: “المهم أنك تركت أثرا في قلوبنا لن يمحى بسهولة وأغلب من شاهدوك صفقوا لك وبحرارة”.

أفلام المثلية تتألق في مهرجان طنجة

منح المهرجان الوطني للفيلم بطنجة الذي يفتح باب قاعة التنافس للأفلام المحلية في أصناف متعددة، تأشيرة العبور لعدد من الأفلام التي جمعت بين الصنع المغربي والإنتاج الأجنبي، وتناولت علانية وبشكل صريح “المثلية الجنسية” التي تعد من المواضيع المحظورة والمحرمة في المغرب.

وقدم المهرجان الوطني جوائز رسمية لفيلمي “أزرق القفطان” الذي ينقل تفاصيل حسية ترمز لمجتمع الميم ويحاول إثارة تعاطف الجمهور مع حليم، الذي أجبر على قمع هويته الجنسية الحقيقية طوال سنوات، و”المحكور ماكيبكيش” الذي تطرق إلى “المثلية الجنسية” من زاوية استغلال حاجة الفئات الهشة في المجتمع عبر سليم الذي يدفعه الفقر والحاجة إلى ممارسة علاقة شاذة مع أجنبي قبل أن يكتسب ميولات جنسية مماثلة.

ونال الفيلمان استحسان لجنة تحكيم المهرجان التي تُوجت “أزرق القفطان” بجائزتي التركيب والتشخيص، ومنحت فيلم “المحكور ماكيبكيش” جائزة السيناريو وجائزة لجنة التحكيم، وجائزة أفضل دور نسائي.

وبحسب الناقد السينمائي والصحافي المهتم بتاريخ السينما بالمغرب، أحمد سيجلماسي، فإن الأفلام الروائية الطويلة التي شاركت في المسابقة الخاصة بها في إطار أنشطة الدورة الـ23 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة يمكن تصنيفها إلى صنفين، أفلام تم إنجازها بإمكانيات محلية بالأساس، وأخرى تم إنجازها بإمكانيات محلية وأجنبية.

ويضيف سيجلماسي في تصريح لجريدة “مدار21” أن الأفلام المنجزة بإنتاج محلي وأجنبي تحضر فيها بقوة التيمات المفضلة لدى الجهات الغربية المدعمة أو المساهمة في الإنتاج من قبيل الجنس (المثلية الجنسية) والدين (التطرف) والفقر (مظاهر البؤس الإجتماعي)، مبرزا أن “حضور هذه التيمات في أفلام “أزرق القفطان” لمريم التوزاني و”المحكور ما كيبكيش” لفيصل بوليفة و”عبدلينيو” لهشام عيوش، بشكل خاص، كان احترافيا ما دفعها للحصول على جوائز ضمن المهرجان”.

وعلل سيجلماسي حصول فيلم التوزاني على جائزتي المونتاج والدور الأول ذكورا الذي حصل عليه الممثل الفلسطيني صالح بكري، ونيل فيلم بوليفة جوائز  لجنة التحكيم الخاصة والسيناريو والنقد وجائزة الدور الأول إناثا الذي حصلت عليه الممثلة المغربية غير المحترفة عائشة التباع، بالاحترافية والتمكن من طريقة تناول تيمة “المثلية الجنسية” في الفيلمين المتوجين، رغم كون هذه التيمة تدخل في باب الطابوهات عندنا، ولا يقترب منها إلا بعض المخرجين الذين ينعتون عادة بجرأة اختيار مواضيع دون غيرها.

ويرى سيجلماسي أن إبراز المثلية الجنسية في الأفلام المدعمة من الخارج تكون ربما إرضاء للعين الأجنبية أو التزاما بشروط الجهات الداعمة، مردفا: “على أية حال تقييمات أعضاء لجنتي التحكيم ركزت في الغالب على ما هو سينمائي في الأفلام بالأساس وليس على طبيعة تيماتها فحسب”.

أما الناقد السينمائي عبد الكريم واكريم، يرى أن المثلية الجنسية حينما تكون جزءا من النسيج العام للفيلم كما كانت في فيلم “المحكور مكيبكيش” فلا يمكن سوى الحكم على المستوى الفني العام للفيلم وليس من الناحية الأخلاقية، وفق تصريحه للجريدة.

الجرأة في تيمات الأفلام المشاركة

تنوعت تيمات الأفلام المشاركة في الدورة الـ23 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة بين الاعتماد على الجرأة في تناول المواضيع التي تدخل في خانة “الطابوهات” في المجتمع المغربي، وبين الاعتماد على قصة اجتماعية أو وطنية خالصة تعكس فترة تاريخية مهمة.

ولم تقف جرأة المواضيع التي تعد “محرمة” في المغرب حاجزا أمام مشاركتها في فعاليات هذه النسخة، حيث تطرقت بعض الأفلام إلى “المثلية الجنسية” و”الدعارة” و”الإنجاب خارج مؤسسة الزواج”، و”الاعتداء الجنسي” و”الانحلال الأخلاقي لدى المراهقين”، وغيرها من القضايا التي قدمت في طابق فني.

في المقابل، اختار بعض المخرجين التطرق إلى قضايا وطنية تتعلق بالصحراء المغربية وذكرى المسيرة الخضراء، وإبراز الثقافة المغربية، ونقل معاناة مغاربة العالم، أو معالجة مواضيع اجتماعية بسيطة تتعلق بالحب.

حضور الأمازيغية

شهدت الدورة الـ23 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، مشاركة الفيلم الأمازيغي “تامازغا” للمخرج طارق الإدريسي الذي حصل على تنويه خاص من لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة.

ولم يكن فيلم “تامازغا” مجرد قصة باللغة الأمازيغية، إنما ينقل مغامرة سفر تتخللها أنغام الموسيقى الأمازيغية الأصيلة، ويروي رحلة كينو وفؤاد من مدينة الحسيمة إلى سوا المصرية، بغاية استكشاف شمال إفريقيا وإيجاد الموسيقى الأمازيغية الأصيلة، بحثا عن إلهام لا متناهي.

ويلتقي كينو، الذي يغمره شغف استكشاف الموسيقى الأمازيغية، بصديقه فؤاد، الذي يهرب من قيود زواج مرتب، فيقرران خوض رحلة نحو الإلهام المتجدد، وسيصادفان أمينة، الصحفية التي تنوي إجراء مقابلة مع أحد محاربي الطوارق.

وبخصوص مكانة السينما الأمازيغية اليوم، أكد الإدريسي في تصريح لجريدة “مدار21” أنه “منذ 20 سنة لم تكن هذه السينما موجودة بالأساس، لكن خلال السنوات الأخيرة على الأقل بدأنا نشاهد تطورها، ولو أننا نطمح إلى تحقيق تطور أسرع وأفضل، ويمكن أن نعتبر أننا في بداية الطريق نحو تألقها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News