تربية وتعليم

إشكالات التسجيل بالأحياء الجامعية تضع الطلبة على حافة الانقطاع عن الدراسة

إشكالات التسجيل بالأحياء الجامعية تضع الطلبة على حافة الانقطاع عن الدراسة

ازدادت مخاوف الطلبة الجامعيين بعد إصدار بلاغ وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بإعادة التسجيل في الحي الجامعي برسم السنة الحالية عبر المنصة المخصصة لهذا الغرض، إذ عبّروا عن مخاوفهم مرور العملية بشكل انتقائي، معّبرين عن استياءهم لإغلاق الأحياء الجامعية بسبب جائحة “كوفيد-“19، وما ترتب عن ذلك من أضرار مادية ومعنوية.

واستاء العديد منهم من الضبابية التي تلفُّ استمارة التسجيل في الحي الجامعي، إذ لا تتوفر على خارطة طريق تشرح كيفية الاستفادة، ومن غياب الرؤية بتوضيح أي معايير جديدة تخصّ هذا القرار، فالخوف الأكبر أن يُدفع الطالب من جديد إلى حافة التشرد، وما يُفضي ذلك من عواقب تمسُّ أساسا انقطاعهم عن متابعة الدراسة.

مآسٍ يومية

وصرّح رئيس الاتحاد العام لطلبة المغرب، محمد بنساسي، لـ”مدار21″ بأن أهمّ العثرات التي تواجه الطلبة اليوم ما يرتبط بالتعقيدات التي تلفّ شروط الاستفادة من السكن الجامعي، ناهيك عن قلة الأحياء الجامعية وضُعف طاقتها الاستيعابية مقارنة بعدد الطلبة الذين تتوفر فيهم شروط الاستفادة منه.”

وفيما يخص حدوث أي تغيير بخصوص المعايير الموجِبة للاستفادة من السكن الجامعي في ظل الجائحة، قال المتحدث ذاته إن الخطوات مازالت تخضع لنفس المعايير بدءا بالتسجيل القبلي عبر البوابة الإلكترونية المخصصة لهذا الغرض، ووضع الملف بالحي الجامعي المعني، كما يعتقد بنساسي أن الشروط الآنفة الذكر قد يضاف إليها شرط آخر متعلّق بجائحة كورونا يتجلى في “توفر الطالب على جواز التلقيح.”

وعن إمكانية تسهيل عملية الاستفادة من الأحياء الجامعية، أوضح بنساسي قائلا “طالبنا عبر الاتحاد العام لطلبة المغرب بتيسير وتسهيل عملية الاستفادة من السكن الجامعي بالنسبة للطلبة، لأننا نعتبره دعامة أساسية ومهمة في مسار الطالب، وتتبعنا بألم كبير في السنتين الأخيرتين التي جرى فيهما إغلاق الأحياء الجامعية في وجه الطلبة، ولامسنا عن كثب حجم المعاناة التي اعترضتهم، إذ هناك من تخلّى عن دراسته الجامعية بصفة نهائية لأنه لا يتوفر على التكلفة المالية لكراء سكن في المدينة الجامعية التي يتابع فيها دراسته في ظل إغلاق الأحياء الجامعية.”

وتابع أن هناك إشكالا خطيرا يعترض الطلبة الآن، يتعلق بإقصاء الطلبة الحاصلين على البكالوريا سنة 2020 من السكن الجامعي، إذ البوابة الإلكترونية تتيح إمكانية التسجيل القبلي فقط للطلبة الذين سبق لهم السكن في أحد الأحياء الجامعية قبل جائحة كورونا والطلبة الجدد الحاصلين على البكلوريا هذه السنة، في حين أقصي عدد كبير يقدر بالآلاف من التسجيل، ما جعلهم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما تحمل تكلفة كراء السكن في المدينة الجامعية التي يتابع بها دراسته أو التخلي عن استكمال دراسته الجامعية، وبالتالي المساهمة في استفحال ظاهرة الهدر الجامعي التي أضحت تعاني منها الجامعة المغربية بشكل كبير.”

ودعا المتحدث ذاته المكتب الوطني للأعمال الجامعية الاجتماعية والثقافية إلى معالجة العطب التقني على مستوى البوابة الإلكترونية حتى تتاح لدفعة 2020 الاستفادة من السكن الجامعي فهم مشمولون بالإعلان لكن عمليا تصادفهم عوائق تقنية.

كورونا يضاعف الإكراهات

يرى رئيس الفيدرالية الوطنية لطلبة التجمعيين فرع جامعة محمد الخامس بالرباط، محمد عزى، في حديثه لـ”مدار21″ أن الظرفية الحالية المتعلقة بالوباء فَرضت مجموعة من الإكراهات في مختلف الميادين، خاصة على مستوى التعليم العالي الجامعي، وظهرت إلى الوجود إكراهات جديدة.

وحصر محمد عزى هذه الإكراهات في السكن الجامعي، إذ قال: “بعد الحجر الصحي الأول والثاني ومغادرة الطلبة الحي الجامعي نظرا لارتفاع الإصابات، أصبح لزاما على البعض اكتراء بيوت سكنية في الأحياء المجاورة كي يتمكنوا من متابعة دروسهم، وبات الأمر صعبا عليهم في فترة الامتحانات، حيث إن الكليات ذات الاستقطاب المفتوح تجد فيها مجموعة من طلبة من مختلف مناطق المغرب، ولا يمكنهم الحضور للامتحانات نظرا لعدم توفرهم على السكن، وكذلك رخص التنقل.”

وأضاف رئيس فيدرالية الطلبة التجمعيين بجامعة محمد الخامس “لكن هذا إكراه يبقى ساريا على الطلبة من الطبقة الكادحة، أما أصحاب الوساطة والنفوذ فلهم الحق فيما ليس لك الحق فيه، حيث داخل الحي الجامعي العمومي تجد من استفاد  من السكن الجامعي ولا حرج في ذلك رغم تفشي الوباء، والبعض الآخر استفاد كون تخصصه يجبره على الدراسة حضوريا مثل طلبة الطب، الصيدلة، علم البيولوجيا،  الأقسام التحضيرية، لكن خارج هذه التخصصات ليس هناك مستفيد، في حين أن مقابل الحي الجامعي العمومي توجد أحياء خاصة، لا تخضع للمعايير الاحترازية التي أعلنت عنها وزارة الصحة، وفي ذلك حيف لباقي الطلبة الذين لا يستطيعون حتى الاستفادة من الحي الجامعي العمومي.

في هذا الإطار، أشار المتدخل ذاته أن الفيدرالية الوطنية التي يترأسها قدمت بعض المبادرات من قبيل نقل الطلبة لاجتياز امتحانات من الجماعات الترابية التابعة للعمالة إقليم الخميسات، تيفلت، الرماني، سيدي علال البحراوي، مما ساهم في التخفيف من مصاريف التنقل بالنسبة للطلبة.

وعرّج عزى على إكراه آخر متعلق بالفترة الحالية، وقال: “جرى الإعلان عن استمارة التسجيل في الحي الجامعي، لكن كيف سيتم ذلك بدون رسم خريطة توضح إمكانية الاستفادة من السكن، وبدون معايير أو إجراءات احترازية، كون الغرفة الواحدة يشترك فيها أربعة طلبة أو اثنان يتشاركان في الحمام والمراحيض، وكذلك اكتظاظ في المطعم وقاعة المطالعة، وإذا حُسِّنت الوضعية الوبائية وتقليص عدد الإصابات سيكون ذلك أفضل، وإذ لم يتم ذلك فالمرجّح أن الحي الجامعي سيستفيد منه فئة معينة فقط كما استفادت من قبل.”

ويؤكد محمد عزى أن الجهود المبذولة الآن تتطلب أن تكون لينة ومرنة وذات بعد واقعي، وليس دارمي صوري، وهذا ما نلاحظه على مستوى وزارة أمزازي التي تفضل الصمت دون نشر بيانات أو بلاغات واضحة، ومن المؤسف أن نجد بعض الكليات التي أقصت طلبة إقليم الخميسات من الولوج إليها بمبرر الإصلاحات التي ستعرفها الملحقة بالعِرفان، وهذا الأمر لم يتقبله الكثير من الطلبة، نظرا لأن مدينة الخميسات غير مؤهلة لاحتضان التعليم الجامعي”.

وعلى حد تعبير رئيس فيديرالية الطلبة التجمعيين “راجت بعض الأخبار حول إمكانية التدريس بالأقسام التعلمية بالخميسات، لكنها تبقى مجرد إشاعات كون الوزارة الوصية أو جامعة محمد الخامس لم تعط أي تفسير لما جرى تداوله.”

وتابع المتحدث نفسه “أثناء تواصلي مع عميد كلية أكدال قال: إن الكلية أعلنت عن استقبال الطلبة الجدد الوافدين من سيدي علال البحراوي لكن الإعلان يشمل فقط المسجلين بشعبتي العلوم الاقتصادية والقانون بالفرنسية، أما باقي قاطني الجماعات الأخرى لهم إمكانية التسجيل في كلية الحقوق بسلا أو بكلية ابن طفيل بالقنيطرة بشعبتي القانون والاقتصاد”

إلى حدود الآن، يرى محمد عزى أن “الطلبة غير راضين عن التسيير الإداري للأحياء الجامعية، وما يتم تداوله في منصات التواصل الاجتماعي قد يساهم في إنزال الجماهير الطلابية للمطالبة بالعودة إلى الاحياء الجامعية، وإذ لم تكن استجابة لهذه المطالب قد تتحول إلى مظاهرات كما كانت في السنين الماضية، في ظل غياب  التواصل بين طلبة وإدارات الأحياء السكنية، بالرغم من الاتصالات والرسائل التي يوجهها الطلبة إلى الأرقام الهاتفية والرسائل النصية المخصصة، لكن لم تحقق تقدما أو إنصافا لهذه الشريحة المهمة داخل المجتمع لما تحمله من قيم ومبادئ.”

طُلّاب بين مطرقة الإغلاق وسندان الانقطاع

يرى الطالب الباحث في كلية محمد الأول بوجدة، علاء الدين بوطيب، في اتصال هاتفي مع “مدار21” أن عددا كبيرا من الطلبة الذين ينحدرون من مختلف المدن المجاورة لمدينة وجدة، ويتابعون دراستهم بجامعة محمد الأول، يعيشون وضعية صعبة لأزيد من سنتين بسبب قرار إغلاق الحي الجامعي الذي اتخذته إدارة الحي في شهر أبريل من سنة 2020، في سياق تطبيق الحجر الصحي الشامل بسبب تفشي وباء كورونا منذ شهر مارس 2020.

ويضيف المتحدث نفسه “قرار الإغلاق، شكّل عبئا إضافيا إلى المشاكل المطروحة كل سنة في تدبير هذا القطاع، مما خلق استياء وسخطا كبيرين لدى الطلبة القاطنين لعدة أسباب”، موضحا أن “إغلاق الحي الجامعي يهدّد استمرار الطلبة في متابعة دراستهم بالجامعة، في ظلّ الظروف الصعبة التي تعيشها أُسرهم بسبب ضعف القدرة الشرائية التي تجعلهم عاجزين عن استئجار غرف بالمنازل المجاورة للجامعة.”

كما اعتبر بوطيب قرار إغلاق الحي الجامعي “مفاجئا للطلبة القاطنين، والإدارة لم توضح مدة هذا الإغلاق، ما دفع كثيرين منهم إلى ترك أغراضهم بالحي والتوجه مباشرة إلى منازلهم معتقدين أن الإغلاق سيستمر لمدة قصيرة فقط، لكن لحدود الساعة مازالت إدارة الحي الجامعي وكذا المكتب الوطني للأحياء الجامعية والاجتماعية والثقافية لم يوضحوا بشكل صريح نيتهم في فتح الحي الجامعي هذا الموسم الدراسي (2022-2021).”

وتجدر الإشارة، كما جاء على لسان علاء الدين بوطيب، أن القدرة الاستيعابية  للحي الجامعي بوجدة  ليست كبيرة، إذ يضم  الحي ثمانية أجنحة، وكل جناح ينقسم إلى مائة غرفة، وداخل هذه الأخيرة توجد ستة أسرة، وهذا ما يدفع الإدارة لإقصاء بقية الطلبة من حقهم في السكن بالحي بدل إحداث أحياء سكنية عمومية جديدة لاستقبال الأفواج الغفيرة من الطلبة، واستطرد المتحدث ذاته حديثه قائلا: “يدفع عدد من الطلبة الآخرين إلى مشاركة زملائهم في نفس الغرفة ليصل العدد إلى عشرة طلبة داخل الغرفة الواحدة، مما يخلق مشكل الاكتظاظ، ناهيك عن أن هناك فئة أخرى تقوم بحجز غرف عن طريق الوساطات والزبونية والمحسوبية.”

أمام هذا الوضع المزري، على حد وصف بوطيب، ترتفع كل سنة الأصوات الطلابية وتتعالى حدّة الانتقادات الموجهة إلى وزارة التعليم العالي والمكتب الوطني للأحياء الجامعية والاجتماعية والثقافية بسبب مشاكل الحي الجامعي، خاصة استمرارية إغلاقه، مع استثناء الحي الجامعي الخاص الذي تم افتتاحه قبل سنتين ومازال مفتوحا لحدود الساعة.”

ومن بين الإكراهات التي تواجه الطلبة في ظل الحالة الوبائية التي تشهدها البلاد، قال أحد طلبة الحقوق في كلية محمد الخامس بالرباط للجريدة: “تتجلى الصعوبات عموما في أن أغلب الطلبة ينحدرون من مدن بعيدة عن الرباط، وآخرين وافدين من المدن الكبيرة كفاس ومكناس ومراكش، ناهيك عن أن أغلبهم ينتمون إلى أسر فقيرة أو هشة، ولا يمكنهم تحمل تكاليف الكراء الباهظة.”

وأضاف المتحدث نفسه أنه من بين المشاكل كذلك التي تواجه الطلبة ما يرتبط بـ”هزالة” قيمة المنحة الدراسية، متسائلا “كيف يمكن لهذه المنحة أن تساهم في تغطية حاجيات الطالب وخاصة مراجع الحقوق أغلبها غير متوفر على محرك البحث غوغل.”

وأردف قائلا “لا يمكن إغفال ما تثيره صعوبة التنقل بين المدن وأن أغلب المدن مغلقة، وهناك من رفع تكلفة السفر لتصل أحيانا إلى 300 أو 400 درهم.”

ويضيف المتدخل نفسه “مشكل آخر مرتبط على مستوى الجائحة هو التعلم عن بعد. هناك بعض المناطق النائية التي تتميز بضعف خدمة الإنترنت، فكيف يمكن للطالب أن يواكب هذا التعلم عن بعد؟”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News