مجتمع

الغموض يلفّ إصلاح أنظمة التقاعد وسط تحذيرات تُنذر بتفاقم أزمة صناديق المعاشات

الغموض يلفّ إصلاح أنظمة التقاعد وسط تحذيرات تُنذر بتفاقم أزمة صناديق المعاشات

وسط تحذيرات مؤسسات رسمية من تفاقم أزمة صناديق التقاعد المهددة بالإفلاس، تواصل الحكومة الحكومة سياسة الصمت تجاه واحد من أكثر الملفات الحارقة، بينما توجه نقابات اتهامات للسلطة التنفيذية بتعطيل عجلة الإصلاح في أعقاب توقف أشغال اللجنة العليا للحوار الاجتماعي المكلفة بإصلاح التقاعد، التي ترأسها وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح.

ودقّت مؤسسة وطنية ناقوس خطر تأخر إصلاح أنظمة التقاعد، و قال والي بنك المغرب إن التأخر المسجل في استكمال إصلاح منظومة التقاعد لا يؤدي إلا إلى رفع تكلفة هذا المشروع وبالتالي إلى زيادة تحفظ الشركاء الاجتماعيين على مواصلته وتفاقم صعوبات الحوار الاجتماعي، مسجلا أنه بتأجيله من سنة إلى أخرى، أصبح هذا المشروع اليوم ضرورة حتمية في سياق غير مواتي تطبعه أزمة القدرة الشرائية وتعميم التغطية المبرمجة في أفق سنة 2025 على ما يناهز 5 ملايين شخص نشيط إضافي، جزء كبير منهم يشتغلون في مهن غير مهيكلة بأجور متدنية.

وحذر المجلس الأعلى للحسابات، من المخاطر المرتبطة بوضعية أنظمة التقاعد الأساسية وإشكالية ديمومتها، والتي ما زالت تعاني من اختلالات متفاقمة حيث بلغ العجز التقني للنظام المدني لمعاشات الصندوق المغربي للتقاعد مع متم سنة 2022 ما يناهز 5.12 ملايير درهم، بينما تراجع احتياطات الصندوق إلى 65.84 مليار درهم بانخفاض يقدر بـ10.7 ملايير درهم بالمقارنة مع سنة 2019.

وارتفعت مطالب نقابية للحكومة باستعجالية إصلاح أنظمة التقاعد بالمغرب والتي تعرف خللا بنيويا، سيؤدي إلى استنفاذ احتياطات الصناديق الثلاث الرئيسية المكونة للنظام إن لم يتم التدخل الفوري عبر مباشرة إصلاحات بنيوية. حيث لا يتوقع أن يتجاوز أمد استدامة الصندوق المغربي للتقاعد سنة 2028، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سنة 2038 والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد سنة 2052.

الأمين العام لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب محمد زويتن أكد أن نقابته بوصفها تدافع عن حقوق ومكتسبات الشغيلة، تتفق من حيث المبدأ على أولوية التدخل العاجل لإصلاح منظومة التقاعد، مع إعطاء الأولوية للصندوق الوطني للتقاعد الذي يشارف على الإفلاس رغم الإجراءات الحكومية المقياسية لسنة 2016.

وأقرّ الإصلاح المقياسي الذي اعتمدت حكومة بنكيران السابقة، رفع سن التقاعد من 60 إلى 63 سنة، وتحديد نسبة حساب قيمة المعاش على أساس 2 في المائة عن كل سنة عمل بدل 2.5 في المائة بالإضافة إلى رفع نسبة مساهمة المنخرطين من 20 إلى 28 في المائة، وحساب قيمة المعاشات انطلاق من متوسط الأجر خلال 8 سنوات الأخيرة بدل آخر أجرة محصل عليها.

“مقاربة اقصائية”

وسجل زويتن ضمن تصريح لـ”مدار21″، أن الحكومة منذ توليها تدبير الشأن العام تبنت “مقاربة اقصائية” مع مجموعة من الفاعلين وعلى رأسهم الفاعلين الاجتماعيين، وليس لها مقاربة تواصلية تشاركية ومسؤولة ليس فقط في ما يخص إصلاح منظومة التقاعد ولكن في مجموعة من القضايا التي تهم فئة عريضة.

وأقرت الحكومة بصعوبات تواجه مسار إصلاح أنظمة التقاعد المهددة بالإفلاس، معبرة عن أملها في الوصول إلى حلول متوافق بشأنها مع النقابات. وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، “يجب أن أكون صريحا إن ملف التقاعد معقد وليس سهلا ونواجه فيه صعوبات تهم تعدد الأنظمة واختلافها وتشتتها”.

ويرى المسؤول النقابي أن “إصلاح منظومة التقاعد يعتبر قضية مجتمعية تتطلب الوضوح، واعتماد مقاربة تشاركية مع الهيئات الوسيطة التي تمثل المجتمع المغربي عموما والشغيلة المغربية على وجه الخصوص، وهو ما جعل هذا الموضوع يكتنفه الغموض، لأن الحكومة تحتكر وصفة إصلاحه وتنتظر السياق الملائم لها لمواجهة المغاربة به”.

وأضاف و”هوما يفسر تبني الحكومة لنهج الصمت والاقصاء في التعاطي مع هذا الملف الذي يكتسي أهمية بالغة، مما خلق حالة كبيرة من التوجس والتساؤلات والنقاشات التي تغيب عنها رؤية الحكومة. وزاد: “وهو ما انعكس على  الاستقرار النفسي للشغيلة  في مختلف الأوساط المهنية ، والدليل على ذلك ارتفاع نسبة طلبات التقاعد المبكر،  لأن لا أحد يعرف ما يجري ويدور سوى الحكومة و محاوريها الثلاثة هذا إن كانت الحكومة تتوفر فعلا على رؤية وافق زمنى للإصلاح” .

وشدد زويتن على أن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، يرفض أي محاولة لاعتماد مقاربة مقياسية جديدة من طرف الحكومة تستهدف تقويم الصندوق المغربي للتقاعد، وتحمل الموظف لوحده كلفة الإصلاح وتبعاته المادية والمعنوية (رفع سن التقاعد، خفض تعويضات التقاعد، الرفع من قيمة الاشتراكات).

مسؤولية الحكومة

ودعا زويتن الحكومة أن تتحمل مسؤولية الإصلاح وتكلفته، وسجل أنها “مسؤولة  فيما يتعلق بالاختلالات والمسببات البنيوية لأزمة الصندوق الحالية، ومنها على وجه الخصوص عدم تأدية المستحقات والأقساط الخاصة بالصناديق للفترة الممتدة من 1959 إلى 1997″، لافتا إلى عدم اتخاذ أي إجراء اتجاه التدبير الضعيف لصناديق التقاعد خلال العقود الماضية رغم صدور تقرير لجنة الحقائق بمجلس المستشارين وتقرير المجلس الأعلى للحسابات حول الموضوع.

وانتقد الأمين العام لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، عدم مبادرة الحكومة إلى  التواصل الموسع إلى حد الآن لمقترحاتها حول استراتيجية ومنظور الإصلاح بالنسبة لها، مقترحا فتح حوار وطني متعدد الأطراف وعدم  إقصاء أي طرف من هذا  الحوار  المركزي تفعيلا للمقاربة  التشاركية الشمولية التي تتطلب نقاشا مجتمعيا موسعا حول هذا الملف الحارق الذي يهم شرائح واسعة من الشغيلة المغربية.

وجدد زويتن رفض نقابته أي إصلاح مقياسي جديد يقوم على إجراءات ميكانيكية تروم الرفع الإجباري لسن التقاعد والزيادة في الاقتطاعات وتخفيض نسبة حساب قيمة المعاش، معتبرا ذلك مجرد تأجيل للإشكاليات الهيكلية لصناديق التقاعد لبضع سنوات أخرى، في مقابل المس بالقدرة الشرائية للأجراء وتحميلهم مسؤولية الخلل في حكامة وتوازن الصناديق لم يكونوا طرفا فيهما.

ويرى المسؤول النقابي أي إصلاح لأنظمة التقاعد، يجب أن يكون في إطار شمولي ومنصف ومستدام في اتجاه إقرار نظام تقاعد بثنائية قطبية، تشمل جميع المتقاعدين على أساس توحيد الأنظمة في قطبين عام وخاص، إضافة إلى نظامين تكميليين، انسجاما مع مبدأ التضامن الاجتماعي الوارد في الدستور، مع إمكانية إضافة صناديق تكميلية اختيارية.

وبناء على ذلك، طالب زويتن الحكومة باللجوء إلى حلول مبتكرة لإعادة التفكير في مصادر التمويل البديلة لسد العجز الهيكلي في تمويل أنظمة التقاعد، والرفع من مردودية الاستثمارات الخاصة باحتياطاتها واعتماد منهجية صارمة للتقييم والتتبع لضمان استدامة حقوق ومكتسبات المتقاعد، بدل الاعتماد على الحلول الميكانيكية السهلة، والتي يمكن أن تمس بالاستقرار الاجتماعي.

هذا، وتنتظر  النقابات من الحكومة أن تقدم تصورا واضحا لا يعتمد على الحلول “السهلة والمقياسية”، لكن يستند إلى “حلول ابتكارية” لا تستهدف فقط الحل الذي يذهب رأسا إلى الزيادة في السن وفي نسبة الاقتطاع، وعبرت المركزيات النقابية في وقت سابق، عن رفضها لما أسمته بـ”الحلول الترقيعية” لإصلاح أنظمة التقاعد المهددة بالإفلاس، معلنة في المقابل تمسكها بإصلاح شامل لأنظمة يتجاوز الإصلاح المقياسي الذي بدأته حكومة بنكيران، دون المس بحقوق وجيوب الموظفين والأجراء، عبر اللجوء إلى الرفع من سن المعاشات وإقرار الزيادة في نسب الاقتطاعات.

تعليقات الزوار ( 2 )

  1. نعم النقابات لا تمثلني، وعدم وجود رغبة حقيقية للإصلاح من طرف المسؤولين،سيؤدي الى تأزيم الوضع، وبالتالي ستقوم القيامة في المغرب

  2. النقابات لا تمثلني وحذاري الاقتراب من الاصلاح ستؤدي البلاد الى ما لاتحمد عقباه .والله ستقوم القيامة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News