ثقافة | حوارات

منار رامودة: “أقاصي الروح” يُبرز انقسام الروح والذكاء الاصطناعي لن يلغي الذات الشاعرة (حوار)

منار رامودة: “أقاصي الروح” يُبرز انقسام الروح والذكاء الاصطناعي لن يلغي الذات الشاعرة (حوار)

“لم أكتب تبديدا للحزن، إنما أقدم وصفا أخاله يحاكي باستحياء شديد ما تتركه الأحداث في حياتنا من آثار تلدغ الروح.

كتبت من وحي عزلتي وسط الجموع.

أتخلص ها هنا مني لتضيع نسختي السابقة مع الكلمات.

لم أتقن يوما فن الشرح، لكني بارعة في فن الشعور (…)”.

بهذه الكلمات استهلت منار رامودة، الصحفية والشاعرة المغربية ديوانها الشعري الصادر حديثا “أقاصي الروح”.

وفي هذا الحوار مع جريدة مدار21، تتحدث منار رامودة، التي نشأت وسط عائلة متيمة بنظم الكلمات ونثر القصائد، عن مولودها الشعري الجديد والقضايا التي يتطرق إليها، معرجة على واقع هذا الجنس الأدبي بالمغرب.

ولم تبد مؤلفة كتاب “التوظيف السياسي للفن في العالم العربي”، في حوارها مع الجريدة، أي توجس من تأثير الذكاء الاصطناعي في الشعر، بل تؤكد أن العقول والأرواح والمشاعر والأفكار لا تُصنع مهما “استأسدت” التكنولوجيا، وسيطرت على كل مناحي الحياة.

وفي ما يلي نص الحوار:

لماذا وقع اختيارك على ميدان الشعر؟، وكيف ولجت إليه؟

لم أختر الشعر ولا الكتابة. أعتقد أن الأمر أكبر من مجرد اختيار. وأستطيع القول إن الشعر هو الذي اختارني، لأنه بوصفه عالما خاصا ومتعددا يختار شعراءه وشاعراته بنفسه وبعناية فائقة.

حكايتي مع الشعر بدأت منذ سنوات طويلة مضت، انطلاقا من الوسط الذي كبرت بداخله، والذي كان محبا وقارئا للشعر. وأتحدث هنا تحديدا عن جدي محمد الحماني رحمة الله عليه الذي كان بدوره يكتب الشعر، وخالتي ووالدي.

شخصيا، في مرحلة الطفولة والمراهقة، كانت الكتابات الأولى لي في هذا الصدد لا تتعدى كونها خواطر شعرية. بعدها، بدأت كتابة الزجل ولقيت تجاربي الأولى استحسانا كبيرا من القراء فشجعني ذلك، وبدأت تتم دعوتي في بعض المهرجانات للمشاركة فيها بصفتي شاعرة.

ثم في فترة من الفترات، شعرت برغبة شديدة في كتابة الشعر، قاومت ذلك كثيرا في البداية ظنا مني بأني غير جاهزة بعد، غير أنني استسلمت لاحقا لأني اكتشفت أن الشعر مثل الحب لا يطرق بابك حين تكونين في كامل استعدادك، وإنما في اللحظة التي لا تأبهين فيها له، يأتي كل شيء دون تحضير مسبق.

من هم الشعراء الذين ألهموك؟

بدون أدنى شك أقول الشاعر محمود درويش. بالنسبة لي محمود درويش حالة شعرية خاصة ومتفردة في كل أبعادها وظاهرة شعرية لن تتكرر. كان من بين أول من قرأت لهم وأنا طفلة، وأستطيع القول إنه الأقرب إلى ذائقتي الشعرية. إلى جانب ذلك، أحب كثيرا شعر الشاعر أدونيس وأنسي الحاج وجمانة حداد وغادة السمان.

ما المواضيع والقضايا التي تثيرينها في ديوانك الشعري الجديد؟

“أقاصي الروح” هو ديوان شعري يضم 20 قصيدة، تحاكي كل قصيدة لوحة تشكيلية للرسامة نسرين مخفي. كل القصائد في هذا الديوان مونولوج (حوار مع الذات) تدور حول موضوع رئيس؛ هو وقع الأحداث التي يعيشها الفرد في حياته على روحه، وكيف أنها تستطيع تغييره بشكل كبير وتغيير جزء كبير من حياته. وتبين أيضا كيف يمكن للروح أن تتعرض للانقسام والتيه فيصبح الفرد لا يعرف نفسه. سعيدة جدا بهذا الديوان لأنه يعبر عن جانب خاص وغامض ومركب في كل واحد منا، لكن لا يخلو الأمر من بصيص ضوء وأمل ومن تطلع نحو الأجمل. من هنا، تتعدد القضايا رغم اتحادها تحت موضوع واحد، فتارة تجدين الغربة عن الذات، وتارة أخرى الفراق والانتظار.

إن ديوان “أقاصي الروح” يعبر بشكل كبير عما قاله الشاعر الإيطالي “دانتي أليغيري” “لم أمت، لكن فقدت روح أنفاسي”، أو بعبارة أخرى يقول “ولكني لم أمت، ولم أكن على قيد الحياة أيضا”.

لكل كاتب أو شاعر طقس خاص في أثناء عملية الكتابة. ما طقوسك في هذا الجانب؟

بدوري كنت أعتقد هذا، أي يتوجب علي تحضير طقوس معينة حتى أتمكن من الكتابة. مع مرور الوقت، وكما قلت سابقا، أصبحت الكتابة هي من تحدد زمن التعبير على الورق، إذ يمكن أن أكتب وأنا في طريقي للسفر، أو في أحضان الطبيعة، أو مع بعض الأصدقاء أو حين أكون بصدد المشي، طبعا أقصد هنا الكتابة بمعنى كتابة بعض الأفكار، أو استهلال قصيدة أو قصيدة كاملة حسب اللحظة والإلهام وإحساسي بهما.

كيف ترين واقع الشعر بالمغرب؟

واقع الشعر بالمغرب هو الواقع الحاصل بكل بقاع العالم. هناك فئة كبيرة تكتب الشعر وتقرؤه وتستمع له وتتنفس من خلاله. وهناك بالمقابل فئة كبيرة أخرى تجد ضالتها في أمور أخرى تحبها.

لا يؤرقني واقع الحال، فليفعل كل شخص ما يحب، واختلاف الأذواق نعمة حقيقية.

هل المغاربة يقرؤون الشعر؟ وكيف هي علاقتهم مع هذا الجنس الأدبي؟

نعم بالطبع. شخصيا وفي محيطي أعرف العديد ممن يحبون الشعر. وحين نطرح سؤال هل يقرأ المغاربة الشعر؟، أجيب بنعم، كل يقرأه بطريقته، ثمة من يفضل الاستماع للقصائد المغناة كتلك التي غناها كاظم الساهر لنزار قباني، وكتلك التي تقدمها “السوبرانو” سميرة القادري وماجدة الرومي وفايا يونان وأسماء أخرى. هناك من يقرأ الشعر من خلال الاستماع إليه أو غنائه أو كتابته، في نهاية المطاف هي قراءات متعددة ومختلفة.

أما عن علاقة المغاربة مع هذا الجنس الأدبي؛ فالمغرب، عبر الزمن، من أكثر البلدان العربية المحبة للشعر والمتذوقة والمنتجة له، نذكر مثلا علال الفاسي، وحسن نجمي، وصلاح وديع وغيرهم.

هل الأوضاع الحالية، مغربيا وعربيا، تُغري الشعراء بنسج قصائد؟

لطالما كانت الفنون على اختلاف صنوفها زادا للمقاومة ووسيلة للتعبير عن مصالح الناس وقضاياهم، وهذا بالمناسبة موضوع كتابي الصادر حديثا عن باب الحكمة بتطوان، الموسوم بـ”التوظيف السياسي للفن في العالم العربي: الأغنية نموذجا”، حيث إنه يتحدث عن كيفية توظيف الفن سياسيا من طرف الحاكم والمحكوم لغايات مختلفة منها خدمة هموم الشعوب وكيف أنه في وقت من الأوقات استطاعت الأغنية أو القصيدة أو السينما شحذ الهمم وتغيير القوانين في بعض الدول العربية من خلال إثارة بعض الظواهر والقضايا الخطيرة.

إن الشاعر يعيش داخل بيئة يؤثر فيها وتؤثر فيه ولا مجال للفصل بينهما، لننظر لشعر درويش وأبي القاسم الشابي، وسميح القاسم وغسان كنفاني وأسماء كثيرة لا حصر لها. إن الشعر والأدب والفنون جميعها قوة ناعمة “خطيرة” من شأنها تغيير العالم إن شاءت ذلك.

التطور التكنولوجي طال أيضا الشعر، إذ أصبح الذكاء الاصطناعي يُنتج قصائد في ثوان. هل هذا الأمر يُؤرق الشعراء؟ وهل التكنولوجيا ستسلب منا الذات الشاعرة؟

الإنسان هو من “صنع” التكنولوجيا، ولاحظوا أننا قلنا “صنع”، في حين أن الشعر روح لا يمكن صناعتها. أن يأتي التقدم التكنولوجي بمذيعات وبأصوات غنائية مفبركة وبأشعار، هو في تقديري مثل لعبة للتسلية، لكن حين تريدين تقديم شيء حقيقي ويعتمد عليه في أي مجال فلا حل أمامك سوى العنصر البشري.

إن العقول والأرواح والمشاعر والأفكار لا تصنع مهما بلغ بنا التقدم التكنولوجي، ولدي اعتقاد أنه في فترة من الزمن سيعود الفرد لجبلته الأولى حيث الاتصال مع الكون عبر الطبيعة والبساطة والشعر والمسرح والأدب وممارسة العبادات والتأمل وغيرها، لأن هذه الأمور هي من تشبهنا ونشبهها، أما الهواتف الذكية والإنترنت وكل التطور الحاصل أمر إيجابي لتسهيل الحياة العملية لا النفسية والروحية. إن تاريخ الشعر والفنون عموما هو تاريخ إنساني بعمق، لا صناعي ولا تكنولوجي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News