ثقافة

كرماح: النشر سرقني من الكتابة وأحارب “هجرة” الكتاب المغاربة للشرق

كرماح: النشر سرقني من الكتابة وأحارب “هجرة” الكتاب المغاربة للشرق

يرى الكاتب والناشر، يوسف كرماح، أن صناعة الكتاب في المغرب تعرف تطورا، خاصة في ظل المنافسة التي يعرفها الميدان، إلا أنه يتحسر على قلة دور النشر بالمملكة مقارنة بدول عربية تعرف ازدهارا في دور النشر.

وكشف كرماح، في حوار مع جريدة “مدار21” على هامش انعقاد الدورة الرابعة لمعرض الكتاب المغاربي بوجدة، التي نظمت في الفترة بين 17 و21 أبريل 2024، أن أكثر شيء يحرص على محاربته هو “هجرة” المبدعين المغاربة إلى دور النشر المشرقية، إذ صرح بأنه يضطر أحيانا إلى جانب عمله ناشرا إلى تدقيق وإعادة تحرير بعض النصوص حتى لا تذهب إلى الشرق.

في ما يلي نص الحوار:

حدثنا عن حضورك بالدورة الرابعة للمعرض المغاربي للكتاب بوجدة

بخصوص مشاركتنا في المعرض الدولي المغاربي بوجدة، بكل صراحة هي مشاركة قيمة ونعتز بها كثيرا نظرا للأهمية التي يحظى بها المعرض. أنا شخصيا أعتبره ثاني معرض من حيث الاحتفاء واللوجستيك والتنظيم بعد المعرض الدولي للكتاب بالرباط، وأيضا أعتبره مهما جدا لأنه صلة وصل بين تلاقح الثقافات، فهذه السنة ضم مجموعة من الدول ومشاركة مجموعة من المبدعين المغاربيين. أيضا، نحن الكتاب نحب كثيرا هذا الحضور، لتقريب الكتاب من المتلقي، خاصة هنا في الجهة الشرقية، نظرا لأننا نعرف جميعا أن هناك إشكال في ما يخص التوزيع.

فهذا الحضور يمنحنا فرصة وحظوة من أجل اللقاء بمجموعة من القراء الذين يسألون كثيرا عن الإصدارات وأيضا اللقاء بكتاب. وإلى جانب الحضور لبيع الكتب، فهي فرصة للتعرف على مجموعة من الكتاب والتعرف أيضا على الناشرين الجدد.

هلا قربتنا أكثر من روايتك “وحي آلة كاتبة”؟

في تجربة رواية “وحي آلة كاتبة” الصادرة عن المركز الثقافي العربي بالمغرب، إن شئنا القول هي سيرة القراءة، الأغلبية يركز في الرواية على ما هو اجتماعي، ولكن أنا أعتبرها سيرة قراءة نظرا للكم الهائل من المعلومات، تحدثت كثيرا عن كتب أثرت في وأيضا عن ما يسمى بالحياة السرية والخفية للكاتب، وأيضا ذكرت فيها مجموعة من الأقوال وسير كتاب.

هذه الأشياء المهمة التي إن شئنا القول تعتبر الآن بمثابة توابل القراءة، وأنا في بعض الأحيان أقرأ لكتاب لكن أجد نفسي أبحث عنهم بالموازاة وأبحث عن حياتهم، في ما يسمى بالنصوص ويخص حوارات أو لقاءات أو دراسات نقدية حول العمل، هذا جعلني أفكر في كتابة نصوص روائية عن تيمة الكتابة عن الكتابة أو القراءة عن القراءة.

بعد “وحي آلة كاتبة” لم تصدر أي رواية أخرى. هل يمكننا القول إن “دار أگورا” سرقت يوسف كرماح؟

من غير “وحي آلة كاتبة”، عندي ثلاث روايات مخطوطات، ولكن لن أجازف بنشر هذه الثلاث، والآن كما قلت دار النشر “أكورا” سرقت الكاتب بكل صراحة، لأني في مرحلة التأسيس، وفي بعض الأحيان أشتغل بوقت متواصل جدا، وأتغيب لمدة شهر أو شهرين في شبه اعتكاف وأشتغل لساعات طويلة جدا.

كما ترى هذه الإصدرات وهذا الركام لم يأت من فراغ، خصصت الوقت الكافي خاصة في مرحلة التأسيس للدار، وفي بعض الأحيان أشتغل على كتب أخرى وأترك كتبي. هذه السنة لدي ثلاث روايات مخطوطة ولكن لن تجد في معرض الكتاب في الرباط؛ الذي يعتبر العرس الثقافي بالمغرب، روايتي، لأنني بصدق لم أستطع إنهاء مراجعتها رغم أنها جاهزة، لكن أصبح لدي رقيب كما أمارس أنا هذه الرقابة على النصوص لأنني أقرأ نصوصا وأحررها إلى غير ذلك.. فأحاول ما أمكن أن تكون التجربة الثانية بعد “وحي آلة كاتبة”، أن تكون تجربة معقولة وتلقى صدى عند القارئ.

من خلال تجربتك، كيف ترى واقع النشر بالمغرب؟

أرى النشر المغربي في تطور. صدقا، لأنه أصبحت لدينا منافسة، وهذا الأهم وما أركز عليه. كنت أتمنى لو كنا نتوفر على دور نشر أخرى كثيرة، ففي دول عربية نجد في مدينة واحد ما يزيد عن 300 دار نشر، وعندنا نجد واحدة أو اثنتين في كل مدينة، وأصبحنا نعدهم على أصابع اليد، سواء من خلال مشاركتهم في المعارض الدولية أو المحلية.

هذا الأمر يفتح مجالا كبيرا جدا لهجرة المبدع المغربي إلى دور النشر المشرقية، وهذا أكبر شيء أراهن وأشتغل عليه بكل صدق، في بعض الأحيان أستطيع إعادة وتكرير وتحرير بعض النصوص حتى لا تذهب إلى الشرق، فإلى جانب وظيفتك ناشرا تصبح محررا ومدققا وأشياء أخرى حتى يصدر هذا النص في حلة جيدة ولا يذهب إلى الشرق.

بالنسبة لي، يجب أن تعود هذه الهيبة إلى النشر المغربي، لدينا ناشرون أقوياء وأكفاء، وهناك دعم من وزارة الثقافة بهذه المعارض التي تكون تحفيزية وتعطي حظوة لدور النشر.

بالنسبة لي هذه الأشياء يجب أن يتم الاهتمام بها، وأستطيع القول إن النشر المغربي يسير بوتيرة جيدة بكل صدق، أصبحنا نلاحظ مشاركة دور نشر جديدة في معارض دولية، وأصبح الحضور وافرا للمعارض الجهوية، وهذا هو المهم، فما يزيد عن 15 معرضا جهويا سنويا مجانيا، يعني معارض تحفيزية سواء للقارئ أو لدور النشر.

هذا مهم جدا، وأكبر رهان أحمله على عاتقي ليس النشر ولكن عدم هجرة المبدع المغربي إلى الشرق، بكل صراحة أنا أحارب هذا الأمر وأحرص عليه بكل ما أستطيع إليه من سبل، أحاول أن تعود الثقة للكاتب المغربي.

هذه الثقة مهمة في الناشر المغربي، ويصبح هذا الصلح الافتراضي، لكون الكاتب المغربي تجد عنده حضورا عربيا وليس له حضور محلي. في بعض الأحيان تسأل عن كتب كاتب لديه إصدارات كثيرة ومتعددة ولكن لن تجدها في المكتبات المغربية لأنها غير متوفرة ولم توزع بالشكل اللائق.

هل يمكننا القول إن هجرة بعض الكُتاب المغاربة لدور النشر المشرقية يكون بحثا عن الجوائز العربية؟

هناك بعض الكتاب الذين ينشرون في بعض دور النشر الأجنبية من أجل حظوة المشاركة أو الدفاع عنهم في جوائز عربية. بكل صراحة هذا بالنسبة لي وهم، هناك دور نشر مغربية تشارك في الجوائز، وفي بعض الأحيان أعتقد أن الاسم هو الذي يأخذ الجائزة وليس الدار، وبالتالي دار النشر يكون نصيبها أنها تقدم العمل وتدافع عنه وتوصله إلى المتلقي (القارئ)، وأهم جائزة بالنسبة لي هي القارئ وليس الجوائز، لأن الناشرين أو الكتاب لا نعتبر الجائزة معيارا، أنا شخصيا لا اعتبرها معيارا.

المعيار الأهم هو القارئ، لدينا روايات لم تشارك في جوائز ولكن حظيت باهتمام إعلامي وقرائي. كنت أفرح كثيرا عندما أجد في كل أسبوعية دراسة نقدية حول رواية صادرة عن دار “الأكورا”، بالنسبة لنا هذه هي المكافئة أو الجائزة الأهم.

إضافة إلى أن الهجرة إلى الشرق ليس بالضرورة بحثا عن الجوائز، في بعض الأحيان هي مسألة معنوية أكثر. أن تنشر مثلا في دور نشر مشرقية كبيرة أو عريقة هذه حظوة للكاتب، لأن هناك دور نشر عندهم مسطرة لكي تنشر لديهم.

والإشكال الآخر هو أنه بعض الكتاب يتوهمون أنه إذا نشر في الشرق سينتشر بشكل واسع في العالم العربي، وهذا خطأ كبير. نحن نعرف الكتاب الرائدين الذين تتلمذنا علي أيديهم، بدأوا بما هو محلي، فعندما نسأل عن محمد زفزاف نجد بأنه نشر معظم أعماله في المغرب في دور نشر غير معروفة أصلا. محمد شكري أيضا كان ينشر على نفقته، ولكن وصل إلى العالمية ليس لأنه نشر في الشرق، بل وصل بمجهود، وهناك كتاب كثر على هذا المنوال.

ما تعليقك على توجه بعض الكُتاب المغاربة إلى نشر نصوصهم على مواقع التواصل الاجتماعي عوض جمعها في كتاب؟

بكل صراحة، النشر الافتراضي ليس هو النشر الورقي، ولحد الآن ما يزال للكتاب الورقي أهمية كبيرة، ما هو ملموس وما هو مادي ليس ما هو افتراضي. ثم إن الكتاب هو توثيق، أما العالم الافتراضي لا يمكن أن يوثق هذه الحالة المادية، في بعض الأحيان الكتاب نخلق معه عواطف ومشاعر، أما العالم الافتراضي لا نستطيع.

أما لماذا ينشر الكاتب في الافتراضي، هذه تبقى محكومة بالتواصل؛ مجال تواصل بين الكاتب ودور النشر، في بعض الأحيان إذا كان النص جيدا أي ناشر يمكن أن ينشره، أنا أؤمن بشيء واحد، عندما أجد نصا جيدا جدا وأعرف أنه سيكون إضافة نوعية إلى القارئ أعض عليه بالنواجد، وأبحث عن جميع السبل لكسب هذا الكتاب.

كثيرون ينتقدون جودة الكتب المنشورة بالمغرب ويبرر البعض ذلك بارتفاع سعر الورق. ما رأيك في هذا الأمر؟

لا أبدا. سأكون صريحا جدا وأقول إن التقنية أو ما يسمى بصناعة الكتاب بالمغرب أصبحت في تطور ملحوظ جدا، نحن في “دار أكورا” غلاف وراء غلاف نستطيع أن نبذل مجهودا كبيرا جدا، لأن الغلاف هو عتبة مهمة جدا، ويكون هناك تواصل مستمر بين الكاتب والمنسق أو المصفف حتى يستقر ويعجبه هذا الغلاف.

نوعية الورق نستعمل نوعية مرتفعة الثمن جدا بكل صراحة، والورق الذي نطبعه مكلف، لدرجة في بعض الأحيان هامش الربح قد يحاذي الصفر أو ما دون الصفر، وعندما تقوم بجرد العملية كلها (حسابات الخصم، المبيعات لدى المكتبة، الطباعة وكلفة التصفيف والإخراج والتدقيق)، تجد بأنك في وضع صعب جدا ولكن تراهن على الجودة.

الورق عندنا لن تستطع أن تميز بينه وبين المشرق، إذا لمست أي كتاب عند “دار أكورا”، خاصة الكتب التي أصدرناها مؤخرا.. لذلك فهذا ليس عذرا، أنا أعتقد أن الإشكال يتعلق بعقدة النقص، منذ القدم كانت هناك عقدة نقص تجاه المشارق، يمكن أن نجمل كل شيء في هذا، هذه الهجرة لديها هذا الجانب فقط.

حدثنا عن علاقتك بمحمد شكري ومحمد زفزاف؟

شكري كان أستاذا، انا لم ألتق به ولم أعش زمانه، ولكن استطعت من خلال القراءة وما عرفت عنه من خلال نص “شكري والحياة” تعلم الشيء الكثير.

تعلمت أيضا من كتاب آخرين لا يقلون أهمية عن محمد شكري، ومحمد زفاف بالنسبة لي رمز في الرواية، أستاذ في الرواية المغربية، وهناك أسماء أخرى أيضا، لأننا يوميا نتعلم، ولكن هما اللذين سلمانا هذا المشعل، الذي أنا أخذته منهم، وكانوا حافزا لي ولمجموعة من الكتاب والقراء.

عندمت تقرأ لشكري يعطيك هذا الانطباع أنه يكتب لأجلك وأن ما يكتبه سهل، لكن، في الواقع تجد أن ما كتبه صعب، خاصة عند محمد زفزاف، صعب جدا أن تحاكي مثل كتاباته، فهي تبدو سهلة ولكن من الصعب أن تكتب هذا السهل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News