سياسة

الملك محمد السادس يستمر في مد يده للجزائر ويواصل “كتابة التاريخ بدبلوماسية حكيمة”

الملك محمد السادس يستمر في مد يده للجزائر ويواصل “كتابة التاريخ بدبلوماسية حكيمة”

مرة أخرى، مد الملك محمد السادس يده إلى الجزائر مجددا برغبته، من خلال خطاب العرش الرابع والعشرين، اليوم السبت، بشكل صريح ومباشر لا يقبل التأويل، في عودة العلاقات بين البلدين لطبيعتها وفتح الحدود التي تم إغلاقها قبل 29 سنة بقرار أحادي من حكام الجارة الشرقية.

ورد العاهل المغربي على الأسئلة المثارة حول العلاقة بين الجزائر والمغرب، قائلا “خلال الأشهر الأخيرة، يتساءل العديد من الناس عن العلاقات بين المغرب والجزائر؛ وهي علاقات مستقرة، نتطلع لأن تكون أفضل”، مؤكدا “لإخواننا الجزائريين، قيادة وشعبا، أن المغرب لن يكون أبدا مصدر أي شر أو سوء؛ وكذا الأهمية البالغة، التي نوليها لروابط المحبة والصداقة، والتبادل والتواصل بين شعبينا”.

وتابع الملك في خطوة لقيت تنويها من المتابعين لمسار العلاقات بين البلدين “نسأل الله تعالى أن تعود الأمور إلى طبيعتها، ويتم فـتح الحدود بين بلدينا وشعبينا، الجارين الشقيقين”.

وفي 2018، وبنفس نبرة الدبلوماسية الحكيمة، وجه ملك المغرب دعوة الجزائر لفتح صفحة جديدة من خلال خطابه في ذكرى المسيرة الخضراء، داعيا لفتح صفحة جديدة، وإقامة علاقات جيدة، إلا أن الموقف تعقد بعدها وقررت الجزائر قطع العلاقات بشكل كلي مع المملكة بقرار أحادي لاحقا.

وقرر النظام الجزائري قطع العلاقات مع المغرب وإغلاق مجاله الجوي في غشت 2021، وتم تبرير القرار آنذاك بـ”الأعمال العدائية” المغربية، وفق تعبيره، متهما الرباط بـ”تقويض أمنه واستقراره”.

وبعد كل هذا، وفي 2022، جاء الرد حكيما مرة أخرى، وأعلن الجالس على العرش عن نيته إقامة “علاقات طبيعية” مع جارته الجزائر، بعد التوترات السياسية والتصعيد الحاد الأحادي وقطع العلاقات، حيث أكد في خطاب في ذكرى توليه عرش أسلافه: “أتطلع للعمل مع الرئاسة الجزائرية حتى يتمكن المغرب والجزائر من العمل يدا بيد من أجل إقامة علاقات طبيعية”.

ونفى الملك المزاعم القائلة بأن المغاربة “أهانوا” الجزائر، وقال “أهيب بالمغاربة، لمواصلة التحلي بقيم الأخوة والتضامن، وحسن الجوار، التي تربطنا بأشقائنا الجزائريين، الذين نؤكد لهم بأنهم سيجدون دائما، المغرب والمغاربة إلى جانبهم، في كل الظروف والأحوال”.

وأضاف، “أما فيما يخص الادعاءات، التي تتهم المغاربة بسب الجزائر والجزائريين، فإن من يقومون بها، بطريقة غير مسؤولة، يريدون إشعال نار الفتنة بين الشعبين الشقيقين”، معلنا أن المؤسسة الملكية تتطلع “للعمل مع الرئاسة الجزائرية، لأن يضع المغرب والجزائر يدا في يد، لإقامة علاقات طبيعية، بين شعبين شقيقين، تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية، والمصير المشترك”.

ويبذل المغرب جهودا حثيثة في سبيل الوصول إلى مصالحة، لكن ومن الجانب الجزائري، يرفض القادة الجزائريون الذي ينتمون لجيل أكبر سنا، والذين يعانون في مواجهة الأزمات السياسية الداخلية الطاحنة، تغيير إرادتهم السياسية، ويواجهون مد اليد كل مرة بردة فعل سلبية، وتصريحات “طائشة”، وهذا ما يتوقعه تاج الدين الحسيني لهذه المبادرة الملكية الجديدة.

ويرى تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – جامعة محمد الخامس أكدال، أنه لن يكون هناك رد فعل إيجابي من المنظومة العسكرية الجزائرية لدعوة الملك، لكن في الوقت نفسه يعتبر أن توجيه مثل هذه الدعوة “هو شهادة تاريخية تؤكد أن المغرب مستمر دائما وأبدا في اعتبار أن إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر، والذي يستمر منذ سنة 1994 هو أمر غير مقبول منطقيا ولا في مصلحة الشعبين الشقيقين معا.

كما أن هذا النوع من الدعوة، وبحسب تصريح تاج الدين الحسيني، الخبير في العلاقات الدولية لجريدة “مدار21” الإلكترونية، تعتبر بمثابة معاينة حقيقية لكون ما يقوم به النظام الجزائري يقف ضد مصالح الشعب الجزائري نفسه وبالتالي أصبح من غير المقبول أن تستمر هذه الوضعية على ما هي عليه.

ولفت المتحدث إلى أن العاهل المغربي سبق وأشار إلى أن المغرب والجزائر “توأم واحد وأن علاقتهما متداخلة سواء على المستوى القبلي أو العائلي أو الإنساني أو المجتمعي وعلى كل المستويات”.

كما شدد الحسيني على أن هذا التداخل بين الجارين يجعل استمرار إغلاق الحدود والقطيعة التي لا تؤدي إلا لمزيد من التدهور في أوضاع الشعبين، وعرقلة إقامة مغرب عربي كبير، “أمرا غير مقبول”.

وقال إن هذه الدعوة الملكية هي بمثابة التزام يقع على كاهل المغرب لأن قيادته تتمتع بالوعي بحقيقة المخاطر التي تشكلها الأوضاع الراهنة، مضيفا “لذلك سواء كان الرد إيجابيا أو كان سلبيا، فعلى الأقل يكون العاهل المغربي قد أخلى مسؤوليته فيما يتعلق بهذه الوضعية التي أصبحت اليوم يشار إليها بالبنان وكأنها الاستثناء الوحيد الموجود في المجتمع الدولي لمثل هذا التطرف في القطيعة وفي استمرار إغلاق الحدود”.

وأشار في سياق متصل إلى أنه حتى كوريا الشمالية والجنوبية، وهما دولتان تناصبان بعضهما العداء منذ نهاية الحرب الكورية في خميسينات القرن الماضي، ومع ذلك، هناك تعاون على الحدود وهناك معامل مشتركة وهناك انتقال لليد العاملة وهناك مفهوم ومبدأ رابح رابح يسيطر على العلاقات بين الطرفين

وسجل أستاذ العلاقات الدولية على أن ما تشهده العلاقات المغربية الجزائرية لحد الآن يشكل استثناء لا مثيل له في المجتمع الدولي، ويكون من واجب كل قائد دولة يريد أن يخلي مسؤوليته ويفي بالتزاماته أن يوجه هذه الدعوة ويكررها ولو كان ذلك عشرات المرات، لأن المسألة لا تتعلق بوضعية الحاكمين أو نظاميهما ولكنها تهم الشعبين الشقيقين ومصالحهما العميقة والمشتركة والتي لا يمكن أن تقبل التنازل أو التأجيل أيا كانت الظروف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News